في أفق الانتخابات…

إعلان بعض التنظيمات اليسارية عن مقاطعة انتخابات 25 نونبر، يبقى في نهاية المطاف من ضمن القرارات السيادية لمناضليها، خصوصا أن أحزاب يسارية أخرى من جهتها أعلنت عن مشاركتها في هذه المعركة الديمقراطية، وخمسة منها تباشر منذ أسابيع مساعي لتنسيق عملها المستقبلي في أفق بلورة قطب تقدمي يكون فاعلا في دينامية نضالات شعبنا، ومؤثرا في مجرى المسلسلات الإصلاحية الجارية.
وإلى جانب الاحترام الواجب لحرية قرار الأحزاب المذكورة، وحق مناضلاتها ومناضليها في اتخاذ المواقف التي يقتنعون بها، فإن المشهد في بلادنا اليوم يطرح أمامنا قضيتين حيويتين بالنسبة لمستقبلنا الديمقراطي، ويتعلقان بضرورة تقوية المشاركة الشعبية من جهة، وأيضا تأهيل وعقلنة الحقل الحزبي الوطني من جهة أخرى.
إن المشاركة المكثفة للناخبات والناخبين في المسلسل الانتخابي المرتقب، من خلال التصويت ومحاربة العزوف، وأيضا حجب أصواتهم عن المفسدين وعن اللوبيات المصلحية والانتهازية، ثم التعبئة الواسعة لمحاربة شراء الذمم وفضح تجار وسماسرة الانتخابات، كل هذا هو الذي يمثل الضمانة الحقيقية لنزاهة الانتخابات ومصداقيتها، وفي هذه المعركة الميدانية يحتاج شعبنا إلى كل القوى الديمقراطية والتقدمية، كي تكون بجانبه وأمامه لتخوض معه المواجهة ضد الفساد، وبشكل ملموس وفي الميدان، بعيدا عن أسلوب «اذهب أنت وربك فقاتلا…».
التحدي إذن يوجد لدى المواطنين أنفسهم، وذلك بالإصرار على ممارسة حقهم في التصويت وفي الاختيار، أي بالذهاب إلى مكاتب التصويت، وعدم ترك المكان فارغا، لأن لوبيات الفساد جاهزة ومتربصة لملئه، ولحشد أصوات مشتراة كي تنوب عن المقاطعين.
أما القضية الجوهرية الثانية، فتتعلق بحاجة بلادنا، أكثر من أي وقت مضى، إلى تأهيل ممارستنا الحزبية وعقلنتها، فلا مجال اليوم لجعل النقاش أسير الإصرار على تحديد الطرف المسؤول تاريخيا عن ذلك، فالكل يعرف أن الدولة وأجهزتها كانت لها مسؤوليتها، والحياة الحزبية الداخلية أيضا كان لها دور، والحسابات والمطامح الشخصية كذلك، وعقد التاريخ والذات، وكل هذه العوامل تجعل البحث اليوم عن المسؤول، خصوصا في الوسط اليساري، بمثابة دوران سيزيفي في حلقة مفرغة، خصوصا بعد أن شهد العالم من حولنا كثير تحولات وعديد انهيارات، ووحدنا نصر على العتاقة في الفكرة وفي التحليل وفي الأسلوب وفي …المشاعر أيضا.
إن تطوير منظومتنا الحزبية اليوم، والنجاح في إفراز قطب تقدمي حداثي ديمقراطي واقعي واسع من شروط نجاح البلاد في إعمال مقتضيات الدستور الجديد، ومن أجل هذا الهدف الوطني يجدر بالجميع أن يعمد إلى الاجتهاد والتواضع وإلى التنازل عن شرنقات الذات وحسابات الظرفي والمؤقت.
إن الاقتراب من العقل ومن الواقع من شأنه إسقاط كثير أوهام لم تفارق البعض عن الذات وعن موازين القوى في المجتمع..

Top