حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.
جويس باندا رئيسة مالاوي خفضت راتبها وباعت الطائرة الرئاسية لإطعام مليون جائع
تولت جويس باندا رئاسة دولة المالاوي في 7 أبريل 2012 وذلك بعد الإعلان عن وفاة الرئيس بينجو وا موثاريكا وذلك كونها نائبًا للرئيس، وهي أول امرأة تتولى الرئاسة في البلد. وثاني امرأة تتولى رئاسة بلد أفريقي بعد رئيسة ليبيريا إلين جونسون سيرليف.
آلت لها البلاد وهي في ضائقة اقتصاديه خانقة وملايين الجوعى فاتخذت اجراءات تقشفيه منها :
– بدأت بنفسها حيث خفضت راتبها بنسبة 30%.
– باعت 35 سيارة مرسيدس يستخدمها أفراد حكومتها.
– ألغت حوافز ومخصصات كثيرة من الوزراء والمسؤولين الكبار.
– قلصت عدد الموظفين بالسفارات والقنصليات، وباعت الطائرة الرئاسية لاطعام مليون جائع.
سألها مراسل All Africa Malawi: ولماذا الطائرة الرئاسية بالذات ؟؟؟
قالت: “بالبلاد جوعى وصيانة الطائرة والتأمين عليها يكلفنا 300 ألف دولار سنويا” .. المسافرون على الدرجة السياحية والمسافرون على الدرجة الأولى جميعهم يصلون نفس المحطة في نفس التوقيت .. والرفقة في السفر ممتعه”.
حياتها
في مطلع تسعينات القرن العشرين أطلقت برنامجها لتحرير المرأة، كما قامت بتأسيس مؤسسة حملت اسمها من أجل تحرير النساء وذلك من خلال تعليم الفتيات، وهي إحدى الدعاة للمساواة بين الرجال والإناث. دخلت إلى العمل السياسي في عام 1999 وذلك بعد فوزها بمقعد في مجلس النواب وعينت بعدها وزيرة للمساواة بين الجنسين، وأعيد انتخابها في انتخابات عام 2004، وفي عام 2006 عينها الرئيس بينجو واموثاريكا وزيرة للخارجية. وفي عام 2009 اختارها الرئيس موثاريكا للترشح معه عن منصب نائب الرئيس والتي حققا من خلالها النجاح، إلا إنها اختلفت معه بعد ذلك بسبب اعتراضها على رغبته بتعيين أخيه “بيتر” خليفة له، وأدى ذلك إلى استبعادها من “الحزب الديمقراطي التقدمي”، فانتقلت بعد ذلك للمعارضة. وعلى الرغم من أن الرئيس موثاريكا قد حاول أن يقيلها من منصبها عن طريق حصوله على حكم المحكمة العليا إلا إنه فشل في ذلك.
وبعد وفاة بينجو واموثاريكا في 5 أبريل 2012 حاول أنصاره الحيلولة دون تسلمها السلطة، إلا إنهم فشلوا حيث أدت اليمين الدستورية أمام البرلمان في 7 أبريل2012.
دورها في مالاوي
مالاوي دولة تعتمد بشكل أساسي على المعونات الخارجية، تأرجحت تلك المعونات نتيجة لعلاقات النظام السابق المتوترة مع الجهات المانحة، مما أدي إلى تجميد المساعدات التي تبلغ 500 مليون دولار، وتمثل 40 % من ميزانية البلاد. وتزامن قطع المساعدات مع الانخفاض في مبيعات التبغ، السلعة النقدية الرئيسية التي تصدرها البلاد، حيث سجلت انخفاضا يتجاوز50 % منذ، مما أدى إلي تراجع إمدادات الوقود وارتفاع أسعار الغذاء واندلاع الاضطرابات الشعبية عام 2010، وحاولت جويس جاهدة بعد تمكنها من حكم البلاد القضاء على الفساد مما أكسبها قلوب وعقول سكان مالاوي، الذين يقدر عددهم بنحو 14 مليون نسمة، يعيش أكثر من 65 % منهم تحت خط الفقر، وينخرط 1.4 مليون طفل في صفوف العمالة، ويناضل74% للعيش بأقل من 1.25 دولار يوميا. فكان أول قرارات باندا تخفيض راتبها الشهري بنسبة 30%، وعرض طائرة الرئاسة للبيع، التي أثار شراؤها بأكثر من13 مليون دولار فضيحة كبري، خفضت بعدها بريطانيا مساعداتها بثلاثة ملايين جنيه إسترليني، علاوة علي استغنائها عن 60 سيارة رئاسية وبيعها. واستأنفت تدفق المعونات من المانحين، وبدأت باندا برنامجا إصلاحيا للبلاد، وكانت أكبر مقامرة لها محاولة توثيق العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي الذي طالبها بتنفيذ سياسة التقشف، لكن حدث ما لم يحمد عقباه وأخذت شعبيتها في التراجع، ولاسيما، بعدما انخفضت قيمة عملتها الرئيسية الكواشا، مما دفع بالآلاف من المواطنين إلى النزول إلى الشوارع بشكل سلمي في المدن الثلاث الرئيسية، ضمن أول احتجاجات واسعة النطاق ضد ما اعتبروه بوصفات صندوق النقد الدولي الاقتصادية الخاطئة. ولا شك أن تراجع شعبيتها سيؤثر على نجاح تنفيذ خططها الإصلاحية، لاسيما أنها تستعد للمشاركة في انتخابات. وعلى الرغم من كل ذلك، قدمت باندا، التي تبلغ 61 عاما، مثالا يحتذى به في الدفاع عن قواعد الديمقراطية، واستطاعت، برغم حداثة عهدها بالسلطة، حيث لم تتجاوز مدة حكمها العام، دخول قائمة مجلة فورين بوليسي الأمريكية لأهم 100 شخصية في العالم واكتسبت احترام أغلب زعماء الدول الإفريقية والأوروبية ولقبت بالمرأة الحديدية التي أصبحت وجه التغيير للأفضل في القلب الدافئ لإفريقيا.
إعداد: سعيد أيت اومزيد