إصلاح العدالة

بتنصيب جلالة الملك لأعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، يكون ورش الإصلاح القضائي في بلادنا قد دخل مرحلة مباشرة التنفيذ، وبالتالي، فان البلاد تخوض اليوم واحدا من الإصلاحات الجوهرية التي مثلت دائما مطلبا مركزيا لدى كل الديمقراطيين، ولهذا من واجب المغرب اليوم إنجاح هذا الورش، وعدم تضييع الفرصة مرة أخرى.
الدعم الملكي واضح اليوم لإصلاح العدالة، وحرص جلالة الملك على العناية بهذا الورش جلية، وهو الورش الذي قال جلالته بأننا (جعلناه في صدارة الأوراش الإصلاحية الكبرى التي نقودها).
إن إصلاح العدالة اليوم ينطلق ضمن سياق دستوري جديد جعل من القضاء سلطة، ونص على استقلاليتها، كما أن التفكير الوطني في الموضوع يتوفر اليوم على خطب ملكية توجيهية (2008و2009 بالخصوص)، وعلى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وعلى رؤية حكومية، وعلى مقترحات عديدة سبق أن تقدمت بها أحزاب ونقابات وجمعيات في السنوات الأخيرة، وهي كلها مرجعيات ستضاف إلى اجتهادات أعضاء الهيئة العليا، والى إفادات الخبراء ومختلف المتدخلين في القطاع، ما سيمكن بلا شك من بلورة تصورات واضحة وخارطة طريق لإصلاح جدي وحقيقي للعدالة في بلادنا، يكون منسجما مع ما جاء به دستور 2011.
عدالتنا اليوم في حاجة إلى التخليق وتكريس النزاهة والشفافية، وهي في حاجة أيضا إلى التأهيل الشامل بما في ذلك على مستوى مختلف المهن المرتبطة بالقضاء، كما أنها في حاجة إلى تقوية شروط الفاعلية المهنية من حيث الجودة والسرعة والعصرنة، ونجاحنا في تحقيق كل هذه الأهداف هو الذي يجعل المواطنات والمواطنين وكل المتعاملين يطمئنون إلى مؤسستنا القضائية، اعتبارا لكون(العدل هو قوام دولة الحق والمؤسسات).
إن الحوار الوطني بشأن إصلاح العدالة لن يكون مطلوبا منه (اختراع) وصفة غير موجودة، وإنما سيكون عليه الانطلاق من أحكام دستور المملكة والحرص على تنزيلها بشكل ديمقراطي، كما عليه جعل بلادنا تنتظم ضمن المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، وجعل القضاء يضمن كامل شروط المحاكمة العادلة للمتقاضين، وإصلاح السياسة الجنائية، وتأطير عمل الأجهزة الأمنية بالقانون، وتأهيل عمل القضاة وتطوير باقي المهن ذات الصلة، وإشعاع الحريات في المجتمع، وحماية أمن الناس والمجتمع ومصالح المستثمرين وحرية الصحافة والتعبير والتعددية، وبالتالي فان هذا القضاء المستقل والنزيه والكفء هو الذي سيحمي ويعزز كرامة الناس، وثقتهم في بلادنا وفي مستقبلها الديمقراطي والتنموي.
الحوار الوطني حول إصلاح العدالة يجب أن يحضى، اعتبارا لما سبق، بانخراط الجميع، ويجب أن يبتعد عن التمطيط في الزمن، ويجب أن يفضي إلى خارطة طريق وميثاق وطني تتعبأ البلاد كلها من أجل تطبيقه.
إلى العمل إذن..

[email protected]

*

*

Top