أثار إدراج المادة 221 المكررة مرتين ضمن قانون المالية لسنة 2025 نقاشا قانونيا وضريبيا حادا، إذ فتحت هذه المادة الباب أمام إمكانية إبرام اتفاقات ودية بين الإدارة الضريبية والخاضعين للضريبة، وهو ما اعتبره بعض الخبراء مساسا بمبدأ قانونية الضريبة وخرقا للدستور.
وتنص المادة المشار إليها، على أنه يمكن للخاضع للضريبة إبرام اتفاق ودي مع الإدارة بشأن المسائل الواقعية المتعلقة بعناصر فرض الضريبة، مع استبعاد المسائل القانونية من نطاق هذه الاتفاقات؛ لكن البند الثاني من نفس المادة يطرح لبسا قانونيا، حيث يجيز إبرام اتفاقات في “التصحيحات التي ليست لها علاقة بالواقع”، مما أثار تساؤلات حول إمكانية تعديل النصوص القانونية باتفاقات ودية بين الإدارة والخاضع للضريبة، حيث جاء في البند الثاني من المادة أنه “في حالة إصدار حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به، لا يمكن أن يقل مبلغ الواجبات المتضمن في الاتفاق الودي المذكور عن المبلغ المحدد في هذا الحكم، غير أنه عندما لا يبت الحكم في تصحيحات متعلقة في مسائل واقعية، يجوز أن تكون هذه التصحيحات موضوع اتفاق ودي”.
في هذا الصدد، وفي تصريح خاص لجريدة بيان اليوم، اعتبر الدكتور جواد لعسري، الأستاذ الجامعي والخبير في المجال الضريبي، أن المادة المعنية تعكس تناقضا تشريعيا واضحا، مشيرا إلى أن المشرع المالي لم يميز بدقة بين المسائل الواقعية والمسائل القانونية.
وأوضح الدكتور لعسري أن الإدارة الضريبية بموجب هذا النص أصبحت قادرة على تجاوز إرادة المشرع، مما قد يؤدي إلى خرق مبدأ قانونية الضريبة المنصوص عليه في الدستور.
وتساءل الدكتور لعسري عما إذا كان البند الثاني من المادة 221 المكررة مرتين قد منح للإدارة صلاحية خرق النص التشريعي أم أن الأمر مجرد سهو تشريعي؟!، مشددا على أن تعديل أو تغيير إرادة المشرع من خلال الاتفاقات الودية من شأنه المساس بمبدأ قانونية الضريبة، ويمثل اعتداء على اختصاص المؤسسة التشريعية.
وأكد الدكتور لعسري، أن هناك خرق واضح للفصل 71 من الدستور، حيث أصبح تعديل النص الضريبي من اختصاص الإدارة بدلا من البرلمان، معتبرا أن المادة الجديدة لم تأخذ الوقت الكافي من البحث والتمحيص، إذ تحتوي على تناقضات تجعلها غير قابلة للتطبيق.
وتابع الدكتور لعسري: “فمن جهة، تمنع الفقرة الأولى الاتفاقات الودية في المسائل القانونية، ومن جهة أخرى، يفتح البند الثاني الباب أمام إمكانية عقد اتفاقات بشأن “التصحيحات التي ليست لها علاقة بالواقع”، ما يطرح إشكالا حول تأويل النص وتطبيقه.
كما أن بعض المساطر الجبائية، حسب الدكتور لعسري لا تتعلق بالتصحيحات الضريبية، بل ترتبط بإجراءات الفرض التلقائي للضريبة، وهو ما لم يأخذه النص الجديد بعين الاعتبار.
في ظل هذه الإشكالات، يتساءل الدكتور لعسري عن سبب عدم تحريك الجهات المختصة لمسطرة الطعن بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية، خاصة أن النص يتعارض مع المقتضيات الدستورية المتعلقة بفصل السلط واحترام مبدأ الشرعية الضريبية.
واعتبر الدكتور لعسري أن منح الإدارة الضريبية صلاحية إبرام اتفاقات يمكن أن تؤدي إلى تعديل جوهري في الأسس الضريبية وسعر الضريبة هو سابقة خطيرة، إذ يخشى أن تتحول هذه الاتفاقات إلى وسيلة للالتفاف على القوانين الضريبية وتقويض المبادئ الدستورية المنظمة للجبايات.
وأبرز الدكتور لعسري أن “المساطر الجبائية التي تباشرها الإدارة الضريبية في مواجهة الخاضع هي متعددة و متنوعة وتختلف حسب طبيعة العملية الخاضعة للضريبة والهدف منها تمكين خزينة الدولة من مداخيل ضريبية ناتجة عن ضرائب و واجبات أصلية او تكميلية حسب الحالة وهي مساطر قد تنصب على تقديرات الإدارة مرتبطة بمسائل واقعية أو تنصب على مسائل قانونية صرفة كالواقعة المنشأة للضريبة أو سعر الضريبة أو وعاء الضريبة الخ، وقد تنصب هذه المساطر على المسائل الواقعية والقانونية معا”.
< عبد الصمد ادنيدن