الدار البيضاء تحتضن الوطن…
كل التيارات الحزبية وصلت، كل النقابات، كل الجمعيات،… كل الأجيال انخرطت في مسيرة الغضب…
وحده الحماس يرسم صورة المكان، والأحمر والأخضر يغلفان الأجواء وينوبان عن الكل في الكلام… لم يكن يسمع إلا صوت الوطن…
مئات الآلاف من المغاربة حلوا… من كل فج عميق، تركوا كل اليافطات الحزبية والقبلية، وحملوا أعلام الوطن، وتسلحوا بإيمانهم وبرمزيات الوطن وببلاغة الدلالة، ثم … ساروا.
الكل احتضن الأرض، وشرع الجميع في المشي، معتمدا فقط على قوة الدفع من قدميه…
خفقت كل القلوب، ليس خوفا، إنما حماسة، ووعيا بحجم الاستهداف الذي مس الوطن..
وصاح الكل: ليس أغلى على قلوبنا من الوطن…
عندما يتعلق الأمر باستهداف الوطن، لا يحتاج المغاربة إلى من يدفعهم للغضب، وفقط الصغار يرون في كل هبات الشعوب تآمرا أو دفعا من جهة ما…
في مسيرة الدار البيضاء، تسابقت الأجيال لتقبل الوطن ولتعانقه..
أيها الكبير، أيها الوطن
السلام..
كل مدنك والبوادي هنا حاضرة، تحتفي بك، وترفعك عاليا فوق كل المجازات…
أيها الصغار، الذين اخترتم استهداف الوطن والتهجم عليه..
المغاربة وطنيون، براكين غضب، متى ما أرادوا سيكونون.
كلهم حراس وطن…
أنتم الصغار، وبهم كلهم يكبر الوطن..
منذ ساعات الفجر الأولى، شرعت الوفود والقوافل في الوصول، وبدأت الساحة تكتسي لون الحدث، والصفوف تتشكل…
كل الزوايا وكل المعابر لا تقود سوى للساحة..
الدار البيضاء حاضنة للمغرب كله هذا الصباح…
«سووا الصفوف يرحمكم الله»
الأكتاف التقت، والقلوب تعانقت، والأصوات توحدت، ثم انطلق النداء…
الغضب من تحيز البرلمان الأوروبي…
الغضب من هستيرية الحزب الشعبي الإسباني وعدوانيته ضد بلادنا…
الغضب من كل الذين كذبوا عن… الوطن.
الغضب من كل من وصف المغاربة بالمعمرين والمحتلين، ومن كل من اعتبر دماء عناصر القوات العمومية ماء…
الغضب من «الحكرة»، ومن كل استباحة للوطن ولكرامته…
لم يطلب المغاربة يوما من أحد أن يحبهم رغما عنه، أو أن يحابيهم أو أن يجاملهم، ولكن أيضا من حق المغاربة أن يغضبوا من كل من يعاديهم ويستهدف وطنهم…
كل الثورات بدأت بالغضب…
والمغاربة في ثورة دائمة للدفاع عن وطنهم وعن وحدة التراب…
الوطن هو الذي جمع مئات الآلاف هذا الصباح في الدار البيضاء…
الوطن حاضر اليوم في المكان وبين الصفوف وفي الشعارات وفوق كل القامات…
هنا الوطن يقدم لأحلامنا معناها، ويقدم للغتنا جميل الكلام…
الوطن هنا قصيدة…
المشي من أجله قصيدة…
الغضب من أجله أيضا قصيدة…
كلنا لا نريد لهذه القصيدة أن تنتهي…
إن المقرر، غير الملزم، الصادر عن البرلمان الأوروبي بضغط من الحزب الشعبي اليميني الرجعي الاستعماري، وهستيرية هذا الأخير ضد المغرب داخل إسبانيا وعبر وسائل إعلام بلده وعلى المستوى الأوروبي، وشعور المغاربة بالاستهداف، كل هذا أعاد للوطنية ألقها هذه الأيام، وخرجت واضحة أمام الكل، تعلن للوطن جهارا:
أيها الوطن، ما أروعك
ما أبهاك إن علمت كل العميان أنك لا تخشى الزوابع.
أنك لا تجامل في كرامتك، ولا تحني الهامات…
لقد انهزم خصوم الوحدة الترابية للمغرب، عبر التاريخ، بفضل هذا الالتفاف الوطني الشعبي حول عدالة القضية، وهو إجماع حقيقي وليس مصطنعا أو مفروضا، ويخطئ الرؤية والتحليل من يستهين بهذا المعطى الجوهري.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بلادنا في حاجة إلى إعادة التوهج لجبهتها الداخلية، وذلك بدعم وتقوية عمل الأحزاب الجدية سواء وسط أقاليمنا الجنوبية، أو على الصعيد الديبلوماسي الإقليمي والدولي.
اليوم، بلادنا في حاجة إلى خطط تحرك جديدة ومفكر فيها بشكل ذكي وتشاركي، وهي أيضا في حاجة إلى تطوير المنجز التنموي في المناطق الجنوبية…
اليوم، بلادنا في حاجة إلى ركائز حضور إعلامي قوي خارج الحدود، في إسبانيا وفي أوروبا وفي المنطقة العربية وفي باقي العالم…
اليوم، بلادنا في حاجة إلى نقاش حقيقي وجدي بشأن كل الذي حصل في الفترة الأخيرة، وبغاية بلورة أساليب عمل للمستقبل…
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بلادنا مدعوة للإصرار على مشروعها المجتمعي الديمقراطي الحداثي، وعلى انخراطها في منظومة الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والانفتاح والتسامح…
بهذا المغرب القوي يستطيع المغاربة أن يتطلعوا للمستحيل، ويفتحوا الأبواب المؤدية للانتصار…
مسيرة الدار البيضاء نادت في الكل أن المغاربة لوطنهم، والوطن للمغاربة…
اليوم يبدأ مابعد المسيرة…
نحن في حضرة الوطن…
عليك السلام…