مخابئ أنور خوجة تحت الأرض في ألبانيا تروي مرحلة استبدادية أعدت العدة لحرب لم تقع

يستغرق فتح البوابة المعدنية دقائق عدة، لتكشف عن نفق يغور في الصخور… إنه المخبأ الذي أعده الألباني أنور خوجة لشرطته السرية في حال اندلاع حرب.
يشرح عباس هيسا، من وزارة الداخلية الألبانية لوكالة فرانس برس، أن هذا المكان كان مخصصا ليلجأ إليه وزير الداخلية والشرطة السرية في العهد الشيوعي، في حال اندلاع حرب.
يقع المخبأ هذا في لينزا في جبال داجتي قرب العاصمة تيرانا، وهي المرة الأولى التي يتاح لصحافية أن تصل إليه.
خلف هذا النفق، يقع عالم قائم بذاته، مشيد تحت الأرض. وقوام هذا العالم السري، عدد كبير من الأنفاق والممرات، و82 صالة اجتماع أو قاعة عمل، وغرف مخصصة للنقل والاستماع.
وتؤدي الأبواب الحديدية إلى غرف أخرى يصعب حصرها، ممتدة على مساحة كيلومترين مربعين. وفي هذه الغرف، ما زالت الحقبة الشيوعية عابقة في المكان والأشياء. فقد وضعت كتب للارشادات التقنية، وساعة حائط سوفياتية الصنع، وخزنات صينية المنشأ ضربت عليها نجمة حمراء، وأسرة تهالكت بفعل الرطوبة..تعيد إلى المرحلة التي عاشت في ظلها ألبانيا منعزلة عن العالم بين العامين 1945 و1985.
وقد جرى تقسيم هذا العالم السري تحت الأرض بحسب الأقسام التي كانت تنطوي عليها وزارة الداخلية آنذاك..فهنا باب يؤدي إلى قسم الشرطة، وهناك باب يفصل عن قسم الشرطة السرية، وآخر يوصل الى قسم مكافحة التجسس. وتعطي بعض المعطيات التي وفرتها وزارة الداخلية فكرة عن ضخامة هذا المخبأ، فقد استخدم في بنائه ثمانية آلاف طن من الاسمنت، وأربعة ألاف طن من الحديد.
وبحسب وثائق إنشاء هذه الإنفاق، المحفوظة في وزارة الداخلية، والتي سمح لوكالة فرانس برس بالاطلاع عليها، فان المواقع كانت مهيأة للصمود أمام القصف التقليدي، وكذلك أمام قنابل ذرية قوتها 20 كيلوطن. لكن هذه الإنفاق بقيت عديمة الجدوى، على غرار آلاف التحصينات التي شيدها نظام أنور خوجة لصد هجمات لم تقع أبدا..
ويقول كاستريوت درويشي المسؤول عن المحفوظات في وزارة الداخلية الألبانية، أن «أنور خوجة خصص لنفسه ولأقربائه أربعة مخابئ تحت الأرض على أقل تقدير، أحدها في جبل كرابا على بعد دقائق من تيرانا». فالمنزل الذي كان يقطنه أنور خوجة، كان في وسط تيرانا، في حي مخصص لكبار الشخصيات، أحكمت السلطات حينها عزله عن باقي المناطق. وقد شيدت تحت هذا الحي أيضا الأنفاق والمخابئ. ومن سخرية الأقدار، أن هذا الحي أصبح اليوم احد أكثر أحياء العاصمة ازدحاما، إذ تهز لياليه الموسيقى الصاخبة المنبعثة من علب الليل.
ويقول احد المهندسين الذين عملوا في تشييد هذه المنشآت تحت الأرض، و يبلغ اليوم من العمر 72 عاما «لا توجد حاليا صورة شاملة للمنشآت المبنية تحت الأرض، وذلك بسبب المنهج السري الذي كانت تنتهجه السلطات الشيوعية». ويروي أن الفريق كان يعمل شهرا، ثم ينصرف ليرتاح، قبل أن ينقل إلى مكان عمل آخر، مضيفا «وعليه، فإن أحدا لم يمتلك رؤية كاملة لهذه المخابئ». ويتساءل الألبان اليوم عما يمكن أن تدره عليهم هذه المنشآت.
فالرئيس السابق الفريد مواسيو يقول، بين الجد والمزح، بتحويلها إلى متاحف أو مزارع فطر، ذاكرا وجود قاعة تحت الأرض في جنوب تيرانه كانت مخصصة لاجتماع أعضاء اللجنة المركزية في حال وقوع هجوم. وبحسب وزير الثقافة فرديناند خافيري، فان السلطات الألبانية تتلقى طلبات من السياح المهتمين بهذا الجزء من التاريخ، ولا سيما الصينيين، لزيارة هذه المخابئ.

*

*

Top