حصلت مؤخرا الفنانة السويدية سوزان سترادانجر( تعيش حاليا بين أكادير وستوكهولم) على الجائزة المهيبة، « كازانوفاآرتاوفر أوارد « بالبندقية بدرجة الاستحقاق والتكريس. بما أنها تعمل بلا كلل، تم إدراج هذه الفنانة الفائقة الإحساس أيضا في الكتاب المرجعي « أحسن الفنانينالحداثيين والمعاصرين» بالمعهد الثقافي الإيطالي في البندقية. إنه كتاب فني يتضمن خيرة أساتذة القرن العشرين. إن أنموذجحساسيتها كفنانة وكسيدة للعلوم الإنسانية يعرض نفسه كفضاء رمزي حيث يمتزج البحث المعمق، الإدراك التحليلي، السرد الشاعري، الشهادة الذاتية، العفوية، المهارة والتمكن من الألوان اليسير أمر الاعتراف بها.
في ما يلي النص الكامل للحوار الذي أجريناه مع سوزانسترادانجر:
> كيف تلقيت نبأالحصول علىالجائزة المهيبة” كازانوفاآرتاوفر أوارد ” بالبندقية؟
< لقد أثر في كثيرا فعلالتكريس والاعتراف على الصعيد الدولي بفضل عملي العميق وفقا للمعالم الثقافية بالمغرب؛ بفضل هذا التتويج، التحق مساري الفني بنخبة من التشكيليات المتوجات سابقا بهذه الجائزةالدولية. لقد أولت لجنة التحكيم اهتماما أكبر لنظرتي و لتبصرياللذين ساعداني على التوغل في أعماق الأشياء والكائنات التي أعبر عنها باعتماد أسلوب متميز وبوجوه إدراكية مفعمة بالذكاء و بالإبداعية. لقد حفزتني قدرتي الكبيرة على جمالية السرد على أن أخرج إلى الوجود لوحات جديدة و رائعة. بالفعل، تعتبر جائزة ” كازانوفاآرتاوفر أوارد ” من الجوائز الأكثر حظوة التي تمنحها البندقية. من هنا قيمتها الرمزية والفعلية، علاوة على كونها تشجع على الانفتاح على الآخر وتيسر التواصل التفاعلي الكبير الاتساع مع الأخر، وذلك في قلب مناخ مفعم بالنبل الإنساني، نبل الإبداع التشكيلي في تنوعه وتعدديته. تجدر الإشارة أيضا إلى أن مساري الفني تُوج بجائزة الاستحقاق والإبداع التي تمنح في إطار الحدث الكبير ” WAWWorldArt’s’Women ” بمتحف مراكش. إنها فرصة جميلة لإدراك القيمة الجماليةلأعمالي بجانب صفوة من النساء الفنانات الوافدات من عشرين بلدا., كل هؤلاء النساء المبدعات أنجزن لوحات بوحي من المدينة الحمراء الساحرة، التي كان سحرها يقود أرواحهم وأياديهم. إن الفنان يلعب اليوم دورا كبيرا جدا لمقاومة الحرب والدفاع عن السلام. إنه يتمتع برؤية مغايرة و بحس سادس. إنه أكثر انفتاحا وتبصرا. حين يعبر الفن، فتعبيره رسالة للحب تظل هي قوة الحياة.
> كلمة حول هذا الكتاب المرجعي ” أحسن الفنانين الحداثيين والمعاصرين ” بمعهد الثقافة الإيطالية في مدينة البندقية…
< هذا الكتاب بمثابة واجهة مهمة لتقدير الأعمال الجيدة التي كُرست للبقاء في التاريخ. وقد تكفلبهذا المطبوع كلية اثنان من كبار العارفين بالفن المعاصر: سالفاتور روسو و فرانسيسكو سافيريو روسو. أما اختيار الفنانين الذين تم انتقاؤهم فجاء بناء على القيمة الجمالية لأعمالهم، وكذلك على ضوء تحليل بحثهم الفني. إن الفن المعاصر في حاجة لأستاذة جدد؛ للغات جديدة ترتبط بالتقاليد و، في الوقت نفسه، بعلم الإشارات اللاشكلية. إنها متعة كبيرة أن يكون اسمي ضمن الأسماء البارزة في عالم الإبداع الفني كجاكسون بولوك، مارك روثكو، ويليام دو كونينغ، بابلوبيكاسو، جورجيو دو شيريكو، سالفادور دالي، أندي وارول، خوان ميرو، بول كلي، مارك شاغال، جاسبر جونس، هنري ماتيس، بيت موندريان، موديغلياني، مارينو ماريني، روي ليشتنستاين، إديوارهوبر، فرانز كلين، بول سيزان، لي كراسنر وغيرهم.
> إن عملك الصباغي مكرس لواقعية تعبيرية مستمدة من التشخيصية الجديدة، ما رأيك؟
< على صورة مواطنة من العالم، تمكنت برغبة مني من تطوير واقعية تعبيرية تتشخص في عالم أشكال وألوان. إن فعلي الصباغي يتمتع برؤية عميقة ودقيقة جدا من خلال الصباغة والنحت: إنه مجاز السفر المحرر للوعي. إنه فعل رمزي يمزج على نحو إيكونوغرافي انطباعات داخلية وخارجية، إرادية وحدسية، يقظة ونائمة. من الملائم أن نستمع لصباغتي الفنية في فتنتها المندفعة واستقلاليتها التعبيرية : كل لوحة هادئة، تفرض وتبعث طاقة مبدعة. كل لوحة تعبر عن الجانب الروحاني للحياة. إنها تتيح فرصة تقدير بعض أوجه الفن الحلمي عبر عوالم بصرية تتوقع خارج الزمن، بتعبيرها عن ثمرة المخيال من خلال الصباغة النيواستشراقية التي تُنجب مخلوقات رائعة: في سياق البحث الدائم عن إبداعات أصيلة حيث الموضوع الشيق ( الصحراء، الرياضات، بورتريهات نساء …) هو البارز دائما. بالنسبة لي، وجودنا عابر. ينبغي تأبيده أكثر أنا مرتبطة بالرب مع نسيان الأنا.
> يتمفصل إدراكك للفن حول البحث المعمق والتأويل الذاتي للكائنات وللفضاءات؟
< أحاول إدراك البعد الظاهر للأزمنة الضائعة بغض النظر عن أي إنتاج مقلد للواقع الذي نلاحظه ( الرياضات، مشاهد مشخصنة، أجساد، نساء…). إنها رؤية جديدة للأزمنة الحاملة الطبيعية ل ” ذاكرتي بالمغرب “، التي تعبر عن ثقافة السحر. لقد عشت في المغرب العديد من التنوعات التي زودتني بطاقة كبيرة. هناك دائما أشياء ينبغي اكتشافها. إني خاضعة لجمال المناظر، النظرة التي تقلبها قوة الألوان والظلال التي تأخذها قوة إنارة شديدة الحيوية تقريبا، تستسلم من غير مقاومة للفضاءات المعيشة أو الخيالية التي تحيلنا على تاريخ المكان الممتد لآلاف السنينن
إن انشغالي الجمالي هو أن أحول المنظر الطبيعي أو الحضري في مناخ لوني مشخصن، في ارتباط دائم بالصرامة، بالتشدد وبنزاهة الإحساس. إن مساري يكشف عن براءة الواقع في حالته الخام باعتباره خزانا لا ينضب للكائن البشري وللصورة. يتعلق الأمر بفعل مبدع مترسخ في الذاكرة بقوة، رغم جانبه الطرائفي.
باعتباري انطباعية، فقد حاولت من خلال أعمالي تكريم المغرب، سحره، روعته. إن عملي التشكيلي مستمد من ” البوبآرت ” والفن الحلمي. إنه يجسد الطريق المدهش والشاق للحياة و للإبداعية، وذلك في إطار مشروع يقوم على أصالة الفن التشكيلي هنا وهناك.. إنها تكريم رائع للحياة، بل شهادة عن ماض معيش.. إن أعمالي التشكيلية فعل استحضار وتذكر، مختبئ في مخيال ظل متمردا على المحو وعلى النسيان.
إن الإحالة على الخيال، عندي، تحظى بالقيمة بطريقة تركيبية ومنجزة بشكل جيد. إنها دعوة للأرواح الحية التي تنعشها المشاهد الحركية للطفولة. إن مساري كفنانة باحثة حسب نقاد الفن قد انطلق في أعقاب فنانين أجانب معروفين .حين غادرت دروب الممارسة القضائية، كان لي وقتها تصوري العالم والمهيب للصباغة الفنية كولع وكبحث مسترسل. إن جمالية أشكالي ورؤيتي للأشياء تجعلان الصباغة السردية أثرا يتعذر محوه للذاكرة من خلال انطباعات السفر والمناظر الفصيحة للشرط الإنساني.
إن عملي الفني، باعتباره تداخل ذاكراتـ، يظل رؤية نوستالجية للعالم تكشف لنا القوة الرمزية للأشياء انطلاقا من إنجاز نيو تشخيصي طويل: إنها خرائطية للجذور التي تشهد على التمكن المكتسب في مجال المادة التصويرية التي تتم إدارتها بولع كبير، بنكران للذات وبروحانية. لقد كنت فخورة بالعرض خلال الدورة الرابعة ” لبيينال الهندسة المعمارية ” بالبندقية، المهرجان 71 للسينما والسباق التاريخي، كفنانة عالمية تمثل المغرب، لأن عملي الصباغي يسعى إلى أن يكون فعل إضفاء قيمة على الفضاءات الاحتفالية لهذا البلد المثالي، وهذا العالم المدهش، بل الفصيح. يتعلق الأمر باعتراف بهذه الأرض الرووحانية من خلال اللون والضوء. إن الطبيعة تمثل بالنسبة للفنان جنة فوق الأرض. والفن التصويري كون كما هي الموسيقى. إنه يدعم التواصل بين الأمم والبلدان في ظرفية تهددها الحروب والعنف.
> ما هو تصورك للفن؟
< حسب إدراكي البصري الشخصي، يتمثل الفن الصباغي كتأويل ذاتي لسفري في الأماكن و الأزمنة: ليس الموضوع هو اللوحة، بل طريقة رؤية الموضوع. إنها ذريعة لتصور لغة تشكيلية مستمدة من التشخيصية الجديدة التي تتأرجح بين التشخيصية التلميحية والتجريدية التعبيرية. كل شذرة من لوحاتي يتم إدراكها في أبسط تفاصيلها، بحساسية، بتمكن وبيقين. أنا مقتنعة بان الإبداع بالمعنى الكامل للفظ يجعلنا نحلم ويدعونا إلى تأمل جوهر الكائنات والأشياء. أنا من بين تشكيليي التمثل الذين تحركهم إرادة حاسمة لإدراك مناظر واقعية وانطباعات تنزع إلى أن تقول أكثر مما يقوله واقع اللحظة، وتحاول تجاوز التشابه باتجاه التسامي. بما أنها أوتوبيوغرافيا حميمة ومفكرة سفر، فإن أعمالي بمثابة إحساس باللحظة و إشراقة الروح الحية دون السماح ببروز الإكزوتيكي و لا الإحساس بالبعيد. من خلال سرد صوري، أستبطن مشاهد يومية، معتمدة على حساسيتي، على بحثي الشخصي و تركيبتي اللونية. إن مساري بالمغرب عبارة عن مغامرة كبيرة تملأها اللقاءات والعلاقات التفاعلية . أنا جد محظوظة بالعيش بين بلدين: السويد والمغرب. كما هو الشأن لنسبة لكبار فناني اللحظة، أكد لإدراك الجمال التاوي في المشاهدالرائعة. إنه مسار تمثيلي يبرز أشخاصا نمطيين، مشاهد مألوفة، مناظر حية، بعيدا عن المحاكاة المعيارية والتكرار الطائش.
(ناقد فني)
> أجرى الحوار:حسن منير