يحمل الخلاف الحدودي المتواصل منذ عقود بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة الفشقة الزراعية الخصبة التي شهدت اشتباكات دامية مؤخرا خطر التحول إلى نزاع أوسع.
وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد الثلاثاء أن بلاده لا تريد الانخراط في حرب مع السودان، داعيا إلى تسوية الخلاف بشأن الفشقة سلميا.
ولطالما عمل مزارعون إثيوبيون في المنطقة الحدودية التي يطالب بها الطرفان.
لكن ارتفع منسوب التوتر منذ دفع النزاع في منطقة تيغراي الإثيوبية عشرات آلاف اللاجئين للفرار إلى السودان العام الماضي.
وتأتي التقارير عن وقوع مواجهات بين القوات السودانية والإثيوبية في الفشقة في وقت تنخرط إثيوبيا في خلاف مع السودان ومصر بشأن سد النهضة، الذي ترى كل من الخرطوم والقاهرة بأنه يشكل تهديدا لإمدادات المياه لديها.
والثلاثاء أكد أبيي، الذي يحاول التعامل مع نزاعات داخلية في إثيوبيا، أن بلاده غير مستعدة للدخول في معركة.
لكن السودان يشدد بأنه لن يتفاوض مع اثيوبيا “إلا إذا اعترفت بأن الفشقة أرض سودانية”.
ما هو أساس الخلاف؟
يعود تاريخ الخلاف السوداني الإثيوبي بشأن أراضي الفشقة الزراعية التي تبلغ مساحتها حوالي 12 ألف كلم مربع إلى منتصف القرن العشرين.
ودخل مئات المزارعين الإثيوبيين الى المنطقة الواقعة بين نهري ستيت وعطبرة السودانيين وقاموا بزراعة أراضيها خلال موسم الأمطار.
لجأت القوات المسلحة السودانية إلى احتجاز هؤلاء ومعداتهم وإعادتهم إلى إثيوبيا. ووصف السودان الأمر رسميا بأنه محاولة لاحتلال أراض داخل حدوده الدولية بموجب معاهدات تعود إلى الحقبة الاستعمارية. لكن الأمر لم يثن المزارعين الإثيوبيين من مواصلة دخول المنطقة لزراعة الحقول.
ويقول المحللون إن نقطة التحول في الخلاف كانت عندما ساءت علاقة الخرطوم بأديس أبابا عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا في 1995.
وأرسلت إثيوبيا عقب اتهامها السودان بالضلوع في عملية الاغتيال الفاشلة قواتها الى المنطقة.
وعلى مدى أكثر من عقدين استقر آلاف المزارعين الإثيوبيين في الفشقة وزرعوا أرضها ودفعوا الضرائب للسلطات الإثيوبية.
وعقد البلدان محادثات عدة على مر السنين لكنهما لم يتوصلا الى اتفاق على ترسيم خط الحدود الفاصل بينهما في محاذاة الفشقة.
وظلت القوات السودانية خارج المنطقة حتى اندلاع النزاع في اقليم تيغراي الإثيوبي في نونبر 2020.
لماذا تصاعد التوتر مجددا؟
تقع الفشقة بمحاذاة إقليم تيغراي الإثيوبي المضطرب، الذي عبر أكثر من 60 ألف لاجئ منه عقب بدء النزاع بين الحكومة المركزية في أديس أبابا وجبهة تحرير شعب تيغراي التي هيمنت في المنطقة.
لكن الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد الواصلين من إثيوبيا بات جاه السودان تراجع مع منع “مسلحين” الاثيوبيين من عبور الحدود.
وأفادت وسائل إعلام سودانية رسمية حينها “أعاد السودان نشر قواته في منطقة الفشقة لاستعادة أرضه المحتلة وتموضعت قواته عند خط الحدود الدولية”.
وقال أمين إسماعيل الخبير العسكري السوداني لفرانس برس إن “السلطات السودانية تخوفت من أن يخرج النزاع في تيغراي عن السيطرة ويتسبب ذلك في عبور مقاتلين الحدود السودانية”.
نشر السودان في دجنبر الماضي قوات في الفشقة عقب اتهامه قوات إثيوبية “بنصب كمين لقوات سودانية ما أدى إلى مقتل أربعة من جنوده”.
وقللت إثيوبيا من أهمية الحادثة لكن التوتر تصاعد بين البلدين. ووقعت اشتباكات دامية بينما اتهم كل طرف الأخر بأنه البادئ فيها.
وفي الأسابيع الأخيرة أعلن السودان استعادته لأراض في المنطقة تقع ضمن حدوده الدولية.
وعلى الإثر، اتهمت إثيوبيا السودان بدخول أراض ضمن حدودها وحذرت “من رد عسكري إذا تطلب الأمر”.
لكن أبيي سعى إلى التهدئة الثلاثاء، قائلا أمام البرلمان “لا استعداد لدينا للدخول في معركة. لا نحتاج حربا. من الأفضل تسوية المسألة بشكل سلمي”.
ويعتمد رئيس الوزراء الاثيوبي بشكل رئيسي على قوات من عرقية أمهرا، سكان الإقليم المجاور لتغيراي.
وينظر مسؤولون من أمهرا إلى الفشقة باعتبارها أرضهم، ما يزيد المخاوف بان أبيي سيكافح للإبقاء على مصالح حلفائه في المنطقة.
ما هي المخاطر؟
يتصاعد التوتر في وقت يواجه البلدان تحديات سياسية واقتصادية وأمنية.
ويمر السودان بفترة انتقالية عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019.
وإلى جانب النزاع في تيغراي، تواجهه إثيوبيا اضطرابات أمنية في اقليمي بني شنقول-قمز واوروميا.
وأكد أبيي الثلاثاء أن “لدى إثيوبيا كذلك الكثير من المشاكل، ولا استعداد لدينا للدخول في معركة”.
لكن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني أكد الأسبوع الماضي وهو يتحدث في احد المراكز العسكرية بالعاصمة الخرطوم “لن تتفاوض مع اثيوبيا إلا إذا اعترفت بأن الفشقة أرض سودانية”.
وانعكس التوتر على علاقات الخرطوم وأديس أبابا.
وتخوض الدولتان إضافة إلى مصر محادثات متعثرة بشأن سد النهضة الإثيوبي المثير للجدل على نهر النيل الأزرق لا سيما حول ملء الخزان واستخدامه.
وسد النهضة أكبر منشأة لتوليد الطاقة الكهرومائية في القارة الإفريقية. وأثار التوتر بين البلدان الثلاثة منذ بدأت إثيوبيا تشيده قبل أكثر من عقد.
وتبادل مسؤولون كبار سودانيون ومصريون الزيارات خلال الشهر الماضي وسط تقارب في موقفي البلدين اللذين أعلنا عن تنسيق دبلوماسي بينهما.
وترى مصر التي تعتمد على مياه النيل بنسبة 97% للري والشرب في السد تهديدا مباشرا لها.
ويؤكد السودان بأنه ما لم يتم التوصل الى اتفاق بين الدول الثلاث بشأن السد الإثيوبي فسيهدد الأمر سبل عيش الملايين من سكانه وسلامة سدوده وتشغيلها على نهر النيل الأزرق.
وأشار المحلل إسماعيل إلى أن الخلافات بشأن سد النهضة “لا علاقة لها بما يجري في الفشقة”.
وأضاف أن إثيوبيا والسودان ستلجآن إلى “الحل الدبلوماسي للخلاف”.
وقال “لن تكون هناك مواجهات عسكرية ببساطة لأنها ليست من مصلحة البلدين كما أنها ستجلب مخاطر كبيرة على الطرفين”.
< أ.ف.ب