أكد دبلوماسي سعودي كبير أن ممثلي طرفي الصراع في السودان سيستأنفان المحادثات غدا الأحد حول كيفية تنفيذ خطط إيصال المساعدات الإنسانية وسحب القوات من المناطق المدنية، في الوقت الذي قوّض فيه الجيش اتفاق جدة باستهداف المدنيين بالطيران الحربي، بينما أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على العاصمة الخرطوم.
وقال الدبلوماسي السبت إن الطرفين سيظلان في مدينة جدة السعودية المطلة على البحر الأحمر لبدء المرحلة التالية من المفاوضات بعد الاتفاق يوم الخميس على خطة حماية المدنيين.
كما دعت المملكة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى قمة جامعة الدول العربية المقرر عقدها بجدة في 19 ماي.
وقال دبلوماسيان آخران من الخليج إنه على الرغم من دعوة البرهان لحضور قمة جدة فإنه ليس من المتوقع أن يغادر السودان، وذلك لأسباب أمنية.
وأشار الدبلوماسي السعودي إلى أن توجيه الدعوة للبرهان جاء لأنه رئيس مجلس السيادة السوداني الذي كان من المفترض أن يشرف على عملية انتقال إلى الحكم المدني كانت مزمعة قبل اندلاع الصراع.
وأضاف الدبلوماسي السعودي “لم نتلق حتى الآن أسماء الوفود لكننا نتوقع حضور من يمثل السودان في القمة”.
ورغم نجاح الجهود الأميركية السعودية في دفع الطرفين لتوقيع “إعلان جدة” للالتزام بحماية المدنيين في السودان، وتوفير الظروف المواتية لإيصال المساعدات الإنسانية لجموع الشعب السوداني، إلا أن الجيش يواصل استهداف المدنيين في جنوب العاصمة الخرطوم، فيما أعلنت قوات الدعم السريع بقيادة الفريق الأول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” مساء الجمعة في بيان مرفق بمقاطع فيديو أنها سيطرت على كامل الخرطوم مشيرة إلى قصف الطيران لأهداف مدنية فرفرة مذبوح.
وفي وقت سابق، قالت قوات الدعم السريع في بيان عبر صفحاتها على فيسبوك وتويتر إن “القوات الانقلابية الإرهابية نفذت مساء الجمعة، غارات جوية وقصف بالطيران الحربي على المواطنين في جنوب العاصمة الخرطوم وعدد من المواقع الحيوية (مصانع وشركات ومؤسسات مدنية) في مناطق مأهولة بالسكان ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى وانهيار مباني وتضرر مرافق مهمة جاري حصرها”.
وأدانت القوات “هذا السلوك البربري للقوات الانقلابية بحق المدنيين الأبرياء” ودعتهم إلى التحلي “بالشجاعة الكافية لمواجهة قواتنا المنتشرة في جميع أنحاء العاصمة الخرطوم ونيل شرف المحاولة لفك الحصار المضروب على كل مواقع الانقلابيين”.
وأسفر الصراع الذي اندلع فجأة منذ شهر عن مقتل المئات وفرار أكثر من 200 ألف إلى دول مجاورة وكذلك نزوح 700 ألف آخرين داخليا، كما تسبب في خطر تدخل قوى خارجية وزعزعة استقرار المنطقة.
واتفق طرفا الصراع الخميس على “إعلان مبادئ” لحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، لكن القتال لم يهدأ، حيث دارت الاشتباكات والضربات بأنحاء الخرطوم والمناطق المجاورة.
وفي المحادثات المزمع استئنافها بجدة، من المقرر أن يبدأ الطرفان بمناقشة آليات تنفيذ اتفاق الخميس بما في ذلك خطط وصول المساعدات والممرات الآمنة وإخراج القوات من المناطق المدنية.
وتتطرق المحادثات بعد ذلك إلى سبل إنهاء الصراع، مما يمهد الطريق في نهاية المطاف لتولي حكومة مدنية السلطة. وقال الدبلوماسي السعودي “طبيعة الصراع تؤثر على الحوار. ومع ذلك أجد روحا طيبة جدا من الجانبين”.
ولم يبد أي من الجانبين علانية أي علامة على استعداده لتقديم تنازلات، واستمر القتال بينهما خلال هدنات سابقة. وعلى الرغم من أن قوات الدعم السريع وعدت بدعم اتفاق الخميس، لم يعلق الجيش بشأنه بعد.
ولم تتضح أي دلالات على قدرة أي من الجانبين على تحقيق نصر سريع، إذ تتمركز قوات الدعم السريع في الأحياء السكنية بأنحاء العاصمة بينما تمكن الجيش من استدعاء القوة الجوية.
هذا، وقامت القاهرة بتحركات سياسية ودبلوماسية وإنسانية على مستويات مختلفة الأيام الماضية، وأطلقت تصريحات منضبطة ومسؤولة وأبدت انفتاحها على الجميع، غير أن كل ذلك لم تظهر له بصمات واضحة في مبادرة أو وساطة أو خطة تتبناها مصر وتعمل على تنفيذها وتتغلب على ممانعات عديدة وضعها البعض استنادا إلى صورة ذهنية قاتمة أوجدتها دوائر سودانية اعتقدت أن حضور القاهرة ليس في صالحها.
وأكدت تطورات السودان، قديما وحديثا، وجود صدّ لافت لأيّ دور تقوم به مصر أو تسعى إليه لتسوية أزمات هذه الدولة التي لها أهمية إستراتيجية كبيرة، ما جعل أيّ مقاربة طرحتها أو فكرت أن تقدم عليها مرفوضة مبكرا، بما ضاعف من صعوبة مشاركتها في حل الأزمات طوال الفترة الماضية.
والسودان لا يحتمل رفاهية الاستجابة للممانعات والاستسلام للرفض، فقد أوجدت مشاركات مصر في تهدئة الصراعات المشتعلة في قطاع غزة وليبيا دورا مهما لها، بعيدا عن حجمه مفصليا وحيويا أم محدودا بتوازنات إقليمية ودولية معينة، ففي الحالتين القاهرة وُجدت وظهر دورها بجلاء في المحكات الرئيسية التي مرت بها غزة وليبيا.
ومصر تملك من الأوراق ما يمكنها من القيام بدور مماثل، وربما أوسع، في حالة السودان، كعمق حيوي لها، وأيّ نتائج كبيرة أو صغيرة تتولد عن الحرب الراهنة بين قوات الجيش والدعم السريع ستكون لها تداعيات، ما يفرض عدم الانتظار كثيرا.
وفي ظل دوران الصراع بين قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان والدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) يمكن أن تمضي التطورات بصورة أشد تأثيرا، وبشكل تصعب ملاحقته أو تطويقه، مع إصرار كل طرف على تفضيل الحل العسكري، فلا أحد سوف يتضرر بعد السودانيين أكثر من المصريين.
وتتجاوز الأضرار ملف الهجرة واللجوء والنزوح المثقل بالجراح أصلا في مصر، إلى حد الاستعداد للتعامل مع دويلات أو كيانات صغيرة يمكن أن تظهر في السودان، فالصراع الذي تتدخل فيه أطراف إقليمية ودولية لوضع حد له لا يزال مفتوحا على احتمالات عدة، مع صعوبة تحقيق أحد الجانبين انتصارا حاسما فيه وتزايد فرص استمراره وما ينطوي عليه ذلك من إنهاك واستنزاف لهما، وكأن هناك من يريد الوصول إلى هذه النقطة كي يتمكن من فرض شروط عليهما.
لن يكون من مصلحة مصر انفراط عقد الجيش وتدهور حال المؤسسة العسكرية في السودان أو انتصاره وهو محاط بجملة تحديات كفيلة بكسر شوكته، ولن يكون في مصلحتها أيضا سحق قوات الدعم السريع وتحويلها إلى حركة متمردة تلجأ إلى حاضنة اجتماعية في دارفور تمنحها من الحياة ما يساعدها على الصمود والتصدي، وإعادة تكرار سيناريو الحرب في هذا الإقليم، والذي يعج بحركات مسلحة لها انتماءات وولاءات قبلية وإثنية وجهوية متباينة.
وتحفز هذه الاعتبارات الإدارة المصرية على التخلي عن جزء من تعاملها السابق مع السودان كبلد يصدّر الأزمات ويجب التعامل معه بطريقة أمنية فقط، وإضافة أدوات دبلوماسية فاعلة إليها، فالصراع الراهن يحتاج إلى حنكة سياسية، لأن طرفيه الظاهرين، البرهان وحميدتي، هما امتدادا لأطراف أخرى تقف خلف كليهما.
فهناك طيف داخلي من القوى السياسية وآخر خارجي من القوى الدولية، يؤيدان أحدهما على حساب الآخر، أو يؤيدانهما معا لأجل إحداث إنهاك مضاعف في جسم مريض، تنخر فيه أزمات متفاقمة جرى استثمارها للوصول إلى مشهد عبثي كفيل بالقضاء على تبقى من السودان، والذي لم يحدث من قبل في العاصمة الخرطوم.