بنعبد الله يحذر من المسار السياسي العام في البلاد ويدعو لاستنهاض الهمم

شدد محمد نبيل بنعبدالله، الأمين العام لحزب التقدم وبالاشتراكية، مساء أول أمس الثلاثاء، بالدار البيضاء، على ضرورة تبني القوى السياسية مقاربة مشتركة لمواجهة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، مشددا على ملحاحية وضع حد لهذه الأزمة من خلال جرد نقدي جدي للمسار السياسي.
ودعا نبيل بنعبدالله، في ندوة حول موضوع “أزمة السياسة في مغرب اليوم.. الأسباب والمآلات”، نظمها حزب التقدم والاشتراكية في إطار فعاليات الاحتفاء بالذكرى الثمانين لتأسيسه، إلى الانطلاق من “مساءلة الذات ومساءلة هذا الواقع المتميز بأزمة السياسة، وأزمة الممارسة السياسية، بل وأزمة العلاقة بين المواطن والشعب السياسي”.
وبعد أن ذكر بآخر لقاء جمع أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، أعلن بنعبد الله، في هذه الندوة التي أدار نقاشها الصحفي يونس مسكين، أن “خطوط الاتصال والحوار والنقاش” بين هذه الأحزاب تم توطيدها، مذكرا باللقاء الذي جمعه، مؤخرا، بإدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وباجتماع اللجنة المشتركة التي ضمت وفد الحزبين بداية الأسبوع الجاري، متمنيا أن يساهم ذلك في وضع “مقاربة مشتركة، على الأقل بالنسبة لما يحدث في الساحة السياسية”.
ولإبراز خطورة ما يعتمل في الساحة السياسية الوطنية، قال نبيل بنعبدالله، بلغة دارجة عريقة “خاصنا نضربو لفكد فراسنا”، داعيا، باستعجال، إلى وضع النقاط على الحروف ووضع تساؤلات جادة حول الحالة الراهنة، وضرورة إيجاد حلول فعالة لها لأن المسار السياسي العام في البلاد يسائل الجميع.
وشدد محمد نبيل بنعبد الله، في هذه الندوة التي عرفت حضور قيادات من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، على أن الأهم في المرحلة الراهنة هو عدم التوقف ومواصلة العمل المشترك الذي يجب أن يتسع ليشمل أحزاب سياسية أخرى وهيئات مدنية و جمعوية، بالإضافة إلى النقابات، من أجل إعطاء القيمة الضرورية للعمل السياسي ومن أجل الرجوع، يقول المتحدث، إلى “شيء نؤمن به جميعا وهو البلورة السليمة والتفعيل الأمثل لمضامين الدستور في صيغة 2011″، مضيفا أنه يتعين، في المستقبل القريب، أي خلال السنوات الثلاث المقبلة، التي تسبق الاستحقاقات الانتخابية، الخوض في عدد من الإصلاحات والمبادرات من أجل مصالحة المغاربة مع السياسة.
من جهته، سجل عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن المغرب يشهد، في الواقع، أزمة تصريف التوافقات الوطنية الكبرى.
وأوضح عبد الحميد جماهري، في مداخلته القيمة، أن المدخل الكبير للحديث هو الدولة الاجتماعية بحد ذاتها، مفصلا هذا المدخل في محاور أساسية.
يهم المحور الأول المرحلة الدقيقة التي قد تعيق تفعيل التوافقات وقد تؤدي في تمظهراتها إلى إضرابات ومظاهرات أو عصيان، علما، يقول المتحدث، أن المغرب يوجد اليوم في مرحلة متوسطة من الأزمة تتخذ شكل احتقان اجتماعي، ومضيفا أن “الذين دافعوا عن الإصلاحات ليسوا هم الذين نجحوا في الانتخابات”، معللا قوله بلغة كانط “نحن نوجد حيث لا نفكر، ونفكر حيث لا نوجد”.
وهم المحور الثاني إشكالية وجود مؤشرات الأزمة من غلاء وتضخم ومشكل التعليم، دون أن يتم طرح الحلول من باب الدولة الاجتماعية، كمفهوم شامل يمكن للقوى اليسارية الاشتراكية الديمقراطية والقوى الوطنية ادعاء تملك مفاتيحه.
وركز المتحدث قوله، في المحور الثالث، على وضع شاذ يتمثل في كون الحقل السياسي يبقى مغلقا من الحكومة إلى أدنى حلقة وهي الجماعات الترابية، مشددا على أن هوامش التعبير تظل منعدمة، علما أن المغرب عرف ما بعد دستور 2011 “تدبيرا سياسيا كان مقبولا إلى حد ما، نظرا لظرفيات إقليمية، قبل أن تتغير الأمور في مرحلة ما بعد كوفيد”.
وأشار عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى وجود ما أسماه “الاستثناء المغربي” المتمثل في “وجود توافقات كبرى وتسويات تاريخية، يقابلها أزمات في الممارسات السياسية وفي القرار السياسي والاجتماعي”.


من جهته اعتبر عبد الجبار الراشدي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أن هناك علاقة جدلية بين السياسة والديمقراطية، وأن العالم بأكمله يتميز بتراجعها في أغلب البلدان بما في ذلك داخل الدول العريقة في هذا المجال، والمغرب لا يستثنى من هذا التراجع المقلق.
وللتأكيد على ذلك، قدم عبد الجبار الراشدي نتائج بحث أصدره مركز تحيين السياسات، شهر شتنبر الماضي، والذي أعطى مؤشرات مقلقة فيما يتعلق بانخفاض عام في الثقة في الأحزاب السياسية المغربية وفي المؤسسات المنتخبة مقارنة بالعام الماضي، مقابل منسوب عال من الثقة في المؤسسات الأمنية.
وبرر الراشدي تراجع الثقة في المؤسسات السياسية بتراجع الإيديولوجيا، وبروز فاعلين جدد في وسائط التواصل الاجتماعي شغلوا مكان الأحزاب السياسية كما وقع خلال أحداث الحسيمة.
وبعد أن طالب المتدخل بإعادة النظر في علاقة الدولة بالأحزاب السياسية في اتجاه تقوية دور هاته الأخيرة، وتمكين السياسي من الفضاء والآليات للقيام بدوره، دعا إلى تدبير الخلاف بين الأحزاب، وتدبير حرية الرأي والتعبير داخل الحزب نفسه، انتصارا للممارسة الديمقراطية الداخلية التي تعتبر أهم عوامل التحصين والوقاية من التدخلات الخارجية.
في هذا السياق، ذكر عبد الجبار الراشدي برفع أحزاب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال مذكرة قبل الاستحقاقات الأخيرة، تدعو لإصلاحات سياسية ودستورية في اتجاه تقوية دور الأحزاب، عوض الإجهاز عليها.


وفي السياق ذاته، أشار كريم التاج، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إلى وجود إصرار وإرادة من أجل الإجهاز على الأحزاب السياسية ومحاصرتها، بغية اختيار “نخب بعينها أريد لها أن تكون في مواقع بعينها”، بفعل قوانين انتخابية، وبفعل الممارسات والسلوكات.
وانتقد كريم تاج المسار الذي تم وضعه بمنطلقات مدروسة، خاطئة من منظور حزب التقدم والاشتراكية، والذي أنتج اليوم مجتمعا يعيش الاحتقان وأزمة الثقة في كل شيء في مؤسسات المجتمع وليس فقط في الأحزاب.
“ما نلاحظه اليوم هو من المقدمات التي تم الاشتغال عليها لنصل إلى هذا الواقع الذي يعتبر من صنعه أنه في صالحه”، وطبعا بدأت السيطرة أيضا على وسائل الإعلام بطرق ناعمة من خلال السعي للهيمنة تارة وللاستمالة تارة أخرى، واستغلال الوعي المتدني، والهشاشة الموجودة في قطاع الإعلام، ومحاولة تطوير كل هذه الآليات، من أجل خدمة أجندات معينة.
وشدد كريم تاج على أن هذا الحصار أضر بالأحزاب السياسية وخدم أجندات أطراف مهيمنة تمتلك السلطة والنفوذ اللذين أثرا على الإعلام، مذكرا بالدور الذي كان يلعبه مناضلات ومناضلو الأحزاب في التواصل مع المواطنات والمواطنين.
وشدد على أن هناك إرادة واضحة للإجهاز على كل ما تم في المجال الإعلامي الذي يعيش انتكاسة اليوم، عوض تركه ينمو ويتطور ليصبح سلطة حقيقية في خدمة الأحزاب السياسية وفي خدمة المجتمع، مذكرا بمهزلة اللجنة المؤقتة للمجلس الوطني للصحافة، مما يؤكد، كما يقول كريم تاج، “أن هناك من يحرك عقارب الساعة لتدور إلى الوراء”.

مصطفى السالكي
تصوير: طه ياسين شامي

Top