حسن العمراني العلوي: “المؤشر الاجتماعي” يحرم المصابين بمرض الهيموفيليا المزمن من تلقي العلاج وأخذ الأدوية

يشكل اليوم العالمي للهيموفيليا، الذي يخلد في 17 أبريل من كل سنة، مناسبة للوقوف عند المعاناة اليومية التي يواجهها الأشخاص المصابون بهذا المرض الوراثي، الذي يصل حد التسبب بـ”الإعاقة” الحركية، ناهيك عن ارتفاع كلفة العلاج.

وكشف حسن العمراني العلوي رئيس الجمعية المغربية لمرضى الهيموفيليا، أن هذا المرض يصيب حوالي 4000 آلاف شخص بالمغرب، منذ ولادتهم وطوال حياتهم.

ونبه حسن العمراني العلوي في حوار مع جريدة بيان اليوم إلى الإشكالية الكبيرة التي باتت مطروحة بفعل “المؤشر الاجتماعي” المعتمد في نظام الاستفادة من الخدمات الطبية، وهو ما بات يحرم المصابين بهذا المرض المزمن من تلقي العلاج وأخذ الأدوية، بفعل الارتجالية التي يشهدها هذا النظام الذي جاء ليعوض “راميد”.

< يخلد العالم يوم 17 أبريل من كل عام، اليوم العالمي للهيموفيليا، كيف تتابعون في الجمعية أوضاع المصابين بهذا المرض بالمغرب؟

> الجمعية المغربية للمصابين بالهيموفيليا، هي جمعية وطنية تتمتع بصفة المنفعة العامة، لديها 14 فرعا بالمغرب، تغطي مختلف الجهات والأقاليم، إلى جانب أنها عضو في الفدرالية العالمية للهيموفيليا.

وتجمع الجمعية بوزارة الصحة شراكة رسمية وفعلية، حيث تشتغل ميدانيا مع المصابين وتواكب المرضى وتترافع على ملفهم لدى المؤسسات الوطنية المعنية بالصحة، من أجل التكفل الطبي الشامل بالأشخاص الذين يعانون من الهيموفيليا.

وأود أن أذكر بأن الهيموفيليا، وهو مرض وراثي مزمن، يشخص من خلال وجود نقص في عوامل التخثر التي تساعد على وقف نزيف الدم (تكوين جلطة صلبة أثناء عملية التخثر)، وهناك بعض الحالات التي يصل لديها معدل الخصاص إلى ناقص 1 في المائة، وهي الأكثر خطورة، إلى جانب فئة أخرى يصل لديها النقص إلى 2 في المئة وهي إصابة متوسطة، ثم فئة 5 في المائة التي تعتبر إصابتهم خفيفة إلى حد ما.

ويؤثر هذا المرض على الحياة اليومية للمصابين المهددين دائما بنزيف الدم. وهناك نوعان من النزيف، نزيف داخلي وآخر خارجي، وهذا الأخير يعتبر أكثر خطورة، ويؤثر سلبا على أعضاء الجسم المصاب به، ويتعلق الأمر تحديدا بالمفاصل، وهو ما يهدد المصاب بالإعاقة.

وتشير الدراسات العلمية إلى أن العديد من الأشخاص المصابين بالهيموفيليا، يصبحون بفعل هذا المرض من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما يخلق متاعب صحية ونفسية للمصاب وعائلته، خصوصا أنه مرض غير قابل للعلاج بصفة نهائية، أي أنه في حاجة إلى التعايش معه ومع الإصابات المتكررة بحالات النزيف.

تكاليف علاج هذا المرض جد باهظة، والأسر المغربية لا تقدر على مصاريفه، على اعتبار أن جميع أدويته مستوردة من الخارج، ثم لأن أسعارها جد مرتفعة، لهذا يتكلف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS) بتعويض المرضى.

وإلى وقت قريب، كانت الأسر المعوزة تستفيد من الخدمات الطبية والدواء بشكل مجاني في إطار نظام التغطية الصحية (راميد)، علما أن الدواء لا يكون متوفرا بشكل دائم، رغم أنه الوسيلة الوحيدة للتعافي الاستعجالي من الإصابة.

وتكشف الأرقام، أن 90 في المائة من المصابين بالهيموفيليا، لا يلجئون إلى الدواء إلا بعد الإصابة، في حين أن 10 في المائة من الأطفال المصابين يستعملون الدواء في إطار الوقاية، بمعدل حقنة أو حقنتين في الأسبوع.

لكننا، نجد أنه في الدول التي لديها الإمكانيات، تقدم الدواء للمصابين مسبقا في إطار التدابير الوقائية، ومثل هكذا إجراءات تحد من خطورة الوضع الصحي الذي قد يصل حد “الإعاقة”.

وللأمانة، نسجل بأن المغرب، يقوم بمجهودات كبيرة لتوفير العلاج للمصابين بالهيموفيليا، ذلك أن وزارة الصحة ترصد سنويا غلافا ماليا مهما لاقتناء الأدوية وتوزيعها على المستشفيات الجامعية، غير أن هذه المجهودات تبقى غير كافية، بالمقارنة مع معاناة المرضى، بفعل الخصاص في الأدوية، وهو ما يهدد بتدهور حالتهم الصحية، ذلك أن أي تأخر في التدخل الآني يؤدي إلى ارتفاع كلفة العلاج.

< في ظل ارتفاع تكاليف علاج هذا المرض، هل تقدمون كجمعية مدنية مساعدات لفائدة المصابين؟

> نتوصل كجمعية بمساهمة إنسانية دورية من الفيدرالية الدولية للهيموفيليا، عبارة عن أدوية، وذلك في إطار شراكتنا مع الفيدرالية ووزارة الصحة، هذه الأخيرة التي تتكفل لوجستيكيا بما نتوصل به من أدوية، للحفاظ على جودتها.

وبلغة الأرقام، تعوض إدارة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي(CNOPS) مرضى الهيموفيليا بنسبة 100 في المائة، إلا أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) لا يعوض المصابين إلا بنسبة 97 في المائة، أي أن المريض يبقى ملزما بأداء النسبة المتبقية، وهو ما يعد تكلفة ثقيلة بالنسبة للمرضى وأسرهم.

وفي إطار نظام التغطية الصحية الجديدة التي أمر جلالة الملك محمد السادس بتعميمها على كل المغاربة، عملت الحكومة على تحويل كل المواطنين من نظام “راميد” إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكنه في إطار ما يسمى بـ”المؤشر الاجتماعي والاقتصادي” يحرم كثير من مرضى الهيموفيليا من التعويض إما بسبب عدم القدرة على سداد مصاريف الانخراط، أو تغير “مؤشرهم” بشكل دوري، ودعني أقول بأن هذا الحرمان يعني تهديد هذه الفئة بالموت، لأنها غير قادرة بتاتا على الوصول إلى العلاج.

في هذا الإطار، نظمنا، يوم الثلاثاء الماضي بالدار البيضاء، ندوة وطنية حول موضوع “الولوج إلى تعميم التأمين الصحي الإلزامي والرعاية الطبية.. الوضع الحالي والحلول..؟”، بحضور مسؤولين عن (CNSS)وعن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي (ANAM)، حيث قدمنا لهما ملاحظاتنا، بشأن الصعوبات التي باتت تواجه مرضى الهيموفيليا، ونتمنى أن تأخذ هاتان المؤسستان تلك الملاحظات بعين الاعتبار، ولقد تلقينا وعودا بإصلاح هذا الخلل، لأن هذا المرض مزمن وجد مكلف أيضا.

< ما هي الأنشطة التي نظمتها الجمعية في إطار تخليد اليوم العالمي للهيموفيليا؟

> في إطار اليوم العالمي للهيموفيليا، الذي يخلد يوم 17 أبريل من كل عام، وضعنا برنامجا خاصا تحت شعار “من أجل ولوج عادل لجميع المصابين بالهيموفيليا إلى التغطية الصحية الإجبارية والرعاية الصحية”، ولم نتحدث في هذه المناسبة عن المشاكل فقط التي رفعناها إلى (ANAM) ووزارة الصحة، ولكن خصصنا سلسلة من الحصص للورشات والفقرات الترفيهية والألعاب لفائدة الأطفال المصابين.

وعلى هامش تخليد الجمعية هذا اليوم العالمي بالمغرب، بشراكة مع وزارة الصحة والفيدرالية الدولية للهيموفيليا، عقدت الجمعية مجلسها الإداري، الذي يعتبر ثاني سلطة داخل التنظيم بعد الجمع العام، لأنه يشهد حضور جميع الفروع الوطنية، ونناقش داخله جميع الأنشطة السنوية، وكذا التغييرات التي يجب إدخالها على القوانين والبرنامج وكذا الجوانب المالية التي نسهر على أن تكون دقيقة جدا.

ومن جهة أخرى، لبت الجمعية دعوة وزارة الصحة للمشاركة في الندوة العلمية التي نظمتها يوم 17 أبريل الجاري لتسليط الضوء على هذا المرض وسبل علاجه، وكذا الجهود المبذولة للتخفيف من مضاعفاته.

وشهدت الندوة، تقديم وزير الصحة لورقته العلمية والعالمة بشأن الموضوع، حيث ظهر أنه ملم بشكل كبير بهذا المرض، إلى جانب عرض أوراق علمية من قبل باقي المتدخلين، والتي وقفت عند المشاكل التي تواجهها مختلف المراكز الاستشفائية، إلى جانب طرح الاقتراحات والخلاصات لفائدة وزارة الصحة.

ولاحظت شخصيا، بأن المداخلات كانت قوية ودقيقة، ومن جهتنا شاركنا أيضا، بآرائنا حول الموضوع، والتي همت تحديدا إشكالية الولوج للصحة والأدوية، ناهيك عن تفادي العراقيل داخل الإدارة، من أجل إصلاح القانون الذي يمنع حاليا أخذ المصاب للعلاج في المنزل، لأن ذلك يعتبر خرقا للقانون، ونرى كجمعية ضرورة الحسم في هذا النقاش.

 حاوره: يوسف الخيدر

Top