عيد الاستقلال

اليوم 18 نونبر 2015 يحل العام الستون لعيد الاستقلال، وفي دلالة الحدث التاريخي الكبير يحضر الوطن بارزا ويستحضر الشعب المغربي نضالات الحركة الوطنية ومختلف فئات المغاربة من أجل نيل الحرية والاستقلال وتحرير التراب الوطني من المستعمر.
من المؤكد أن المناسبة تستوجب استعراض محطات التاريخ النضالي الوطني لشعبنا ضد الاستعمار وتأمل دروس ذلك ودلالاته، وأيضا الاحتفاء بهذا التاريخ والاعتزاز به وتعريف الأجيال الحالية به، ولكن أيضا من المهم  قراءة هذا التاريخ الثري على ضوء متطلبات المرحلة الحالية ورهاناتها، ومن ثم إدراج الاحتفال ضمن سياقه الزمني والمجتمعي الحاليين.
التأمل الأول يحيل على حجم المناورات الاستعمارية التي قادتها أكثر من دولة تكالبت على المغرب وسعت إلى تمزيق أوصاله وتشتيت وحدته، ورغم ذلك نجح شعبنا في النهاية في الانتصار عليها وتحقيق الاستقلال، وهذا يجعلنا نعتز بما  يكتنزه شعبنا من شعور نضالي وطني وعمق كفاحي من أجل الوطن، وهو ما مكنه من الاستمرار في المقاومة وعدم الاستسلام إلى أن تم طرد القوى الاستعمارية عن بلادنا.
أما التأمل الآخر، والذي يعتبر درسا حقيقيا لا زال يمتلك مشروعيته إلى اليوم، فهو أن تلاحم شعبنا وحركته الوطنية مع الأسرة الملكية استطاع هزم جبروت الاستعمار، ذلك أن المؤسسة الملكية اصطفت إلى جانب شعبها واختارت طريق الكفاح من أجل الاستقلال، رغم ما تعرضت له من نفي واستفزاز من لدن السلطات الاستعمارية، ومن جهتها الحركة الوطنية رفضت كل المساومات وفرضت عودة الأسرة الملكية من المنفى والسلطان الشرعي إلى العرش، وهذا الدرس يحيل على أهمية التقاء وتلاحم القوى ذات الشرعية الحقيقية، كما أن كل الإصلاحات الكبرى التي شهدتها المملكة بعد الاستقلال، وأيضا المعارك الوطنية والتنموية التاريخية التي كسبتها ما كانت لتتحقق بدون هذا التلاحم المتين والقوي بين القوى الوطنية الديمقراطية الحقيقية والمؤسسة الملكية، وهذا ما أكسب المغرب فرادة لنموذجه الديمقراطي والمؤسساتي قياسا لما تحياه بلدان مماثلة على الصعيد الإقليمي.
وعلاوة على التأملين المشار إليهما أعلاه، فإن استحضار تحولات المجتمع والعالم في زمننا المعاصر يفرض مواصلة تقوية استقلالنا الوطني من خلال الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد، وعبر صيانة وتقوية استقرار وأمن المجتمع، وأيضا من خلال إنجاح الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي تأمين العيش الكريم لشعبنا إلى جانب التعليم الجيد والشغل والصحة والسكن، بالإضافة إلى حماية الحقوق والحريات وضمان التعددية والمساواة ورفض الهيمنة والتحكم والاستبداد، وهي الرهانات المبدئية التي كانت قد شددت عليها القوى الوطنية عقب نيل الاستقلال السياسي عن السلطات الاستعمارية، وهذا الرهان الاستراتيجي الكبير يمتلك دائما شرعية طرحه وضرورة العمل من أجل مراكمة المكاسب بشأنه وتفادي أي تراجع أو انتكاسة في مضمونه وأفقه.
عيد الاستقلال اليوم هو مناسبة إذن للاعتزاز بعمق الشعور النضالي الوطني لشعبنا ودعوة لتقوية العمل من أجل تمتين هذا الشعور وإذكاء حس “تمغرابيت” لدى المغاربة، وخصوصا الشباب والأجيال الجديدة، وذلك بما يجعل مجتمعنا دائم اليقظة والتعبئة لحماية الوحدة الترابية وأمن البلاد واستقرارها ولإنجاح الإصلاحات وأوراش التنمية ومحاربة الفساد والتطرف.

[email protected]

*

*

Top