يمكن القول أن مسار 25 سنة من العهد الجديد، يعتبر مسارا متفرد على درب البناء والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية. انطلق هذا المسار بخطاب العرش في 30 يوليوز من سنة 1999، والذي شكل إعلانا عن الخطوط العريضة للسياسة الداخلية والتي تشغل فيها حيزا رئيسيا، هذا مع السير نحو تعزيز دولة القانون، والعمل بشكل حثيث من أجل تكريس مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي.
بهذه العبارات قدمت المحامية لبنى الصغيري، نائبة برلمانية عن جهة الدار البيضاء وعضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في اتصال هاتفي أجرته معها بيان اليوم، توصيفها لمسار 25 سنة منذ تولي جلالة الملك محمد السادس الحكم، مبرزة أن هذه الخمسة و عشرين سنة م مكنت البلاد من تكريس مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي، ومن تحقيق منجزات ملموسة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية القانونية.
وقالت لبنى الصغيري أنه على المستوى السياسي، حدد جلالة الملك، منذ بداية حكمه، إطارا للمفهوم الجديد للسلطة، بوضع خطوطه العريضة في الخطاب الذي وجهه يوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء، والذي أكد فيه جلالته أن “المفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه، في خطابنا المؤسس له، بالدار البيضاء، في أكتوبر 1999، يظل ساري المفعول، فهو ليس إجراء ظرفيا لمرحلة عابرة، أو مقولة للاستهلاك، وإنما هو مذهب في الحكم، مطبوع بالتفعيل المستمر، والالتزام الدائم بروحه ومنطوقه، كما أنه ليس تصورا جزئيا، يقتصر على الإدارة الترابية، وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت أو نيابية أو قضائية”.
وأبرزت لبنى الصغيري أن هذا الإطار الجديد المحدد لمفهوم السلطة أو ما يمكن اعتباره بالعقيدة الجديدة لممارسة السلطة، شكل قطيعة واضحة مع الأساليب القديمة من خلال نهج أساليب جديدة تضمن حماية الحريات الفردية والجماعية تصون حقوق المواطنين وتتيح الظروف المناسبة لترسيخ وتوطيد دولة الحق والقانون.
وأفادت الصغيري أن هذا النهج المعلن عنه تم ربطه بإجراء مراجعة عميقة لعدد من النصوص القانونية والتنظيمية بهدف خلق مناخ ملائم، وإعادة النظر في الاختصاصات والمهام حتى تتركز على القضايا الحقوقية والسياسية والقانونية من أجل تحقيق أهداف اجتماعية محددة.
وفي هذا الإطار، تشير النائبة عن فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، إلى إقرار تشريع عصري يتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، الهدف منه العقلنة والديمقراطية والتقيد في إحداث هذه الهيئات وبرامجها وطرق تمويلها وتسييرها وأنظمتها الأساسية والداخلية بقواعد ومبادئ الديمقراطية والشفافية.
واعتبرت المتحدثة أن القانون المتعلق بالأحزاب السياسية يندرج في إطار الحرص على توطيد صرح الدولة الحديثة في نطاق الملكية الدستورية الديمقراطية الاجتماعية، ويعد لبنة أساسية للسير قدما بالانتقال الديمقراطي إلى أمام، وتأهيل العمل البرلماني، وجعل الأحزاب السياسية هيئات جادة في العمل بما يمكن من تحرير الطاقات ونشر الأمل، في أوساط الشباب خصوصا، وفتح الآفاق والإسهام في إنتاج نخب كفأة.
وبالنسبة لمسار النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، قالت النائبة لبنى الصغيري إن جلالة الملك محمد السادس حرص على أن يعطي لهذا الجانب ما يستحق من العناية، لما يوجد من ترابط وثيق بين التنمية الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان، باعتبار أن الإبداع في العمل مهما كان نوعه لا يتحقق إلا ضمن جو مفعم بالحرية في التفكير والتعبير والمبادرة.
فحقوق الإنسان في المغرب، تقول لبنى الصغيري، عرفت تطورا ملحوظا، في عهد جلالة الملك محمد السادس، إذ تم إرساء أسس دولة الحق والقانون بناء على قرارات هامة وشجاعة تم اتخاذها في هذا المجال، كان أبرزها إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة في يناير 2004، التي انكبت على موضوع الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان خلال الفترة بين عامي 1956 و1999، والتي تعد تجربة فريدة من نوعها ونموذجا يقتدى به، هدفها تحقيق مصالحة المغاربة مع ماضيهم ومعالجة الخروقات والتجاوزات، وجبر الضرر عن طريق تعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
كما أشارت إلى بعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في العدالة الانتقالية، والاعتراف بالأمازيغية كمكون أساسي للهوية الوطنية، والإصلاح العميق لوضعية المرأة من خلال مدونة الأسرة، والتقييم الجريء للسياسات العمومية الوطنية، مبرزة أن إقرار دستور 2011، الذي تم إعداده بطريقة تشاركية، وبمساهمة جميع الفاعلين المعنيين، شكل وفق تعبير النائبة، ميثاقا حقيقيا للحريات والحقوق الأساسية، يتلاءم والمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، خاصة وأنه جاء مكرسا لحماية للحقوق وللحريات، إذ تضمن ما لا يقل عن 60 مادة متعلقة بالحقوق والحريات، كما كرس مبدأ الاستقلال التام للسلطة القضائية، وأرسى مجموعة من الهيئات التعددية والمستقلة المعنية بحماية الحقوق والحريات، والديمقراطية التشاركية والحكامة الجيدة”.
وأشارت الصفيري إلى أن المغرب انضم إلى عدد مهم من الاتفاقيات والآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وصادق على أهم البروتوكولات الملحقة بها، ورفع عددا من التحفظات عن الاتفاقيات الدولية التي سبق أن صادقت عليها المملكة، وأصدر عددا من القوانين والنصوص التشريعية التي تساهم في تطوير مبادئ حقوق الإنسان. وقام في ارتباط مع هذا النهج بتعديل نصوص أخرى لملاءمتها مع منطوق ومبادئ هذه الاتفاقيات، من أهمها إلغاء محاكمة المدنيين بالمحاكم العسكرية، واستمرار إصلاح منظومة العدالة وإحالة العديد من ملفات الفساد والرشوة على القضاء وكذا فتح تحقيقات في بعض التجاوزات المتعلقة بالتعذيب، وإعداد السياسات الحكومية في مجال حقوق الإنسان والحرص على ملائمتها مع القانون الدولي الإنساني.
هذا وحرصت لبنى الصغيري على التأكيد على الأهمية البالغة التي يحتلها الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، باعتباره بوابة لحماية الحقوق والحريات وأشارت في هذا الصدد الخطوات الإجرائية التي اتخذتها الوزارة الوصية على القطاع على درب الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية المنصوص عليه في الدستور والذي يحظى بضمانة ملكية ، خاصة وأن هذا الاستقلال يشكل جوهر إصلاح منظومة العدالة، على أن تستهدف الإجراءات توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية”.
فنن العفاني