آمنة بوعياش: مسار العدالة الانتقالية في المغرب تجاوز الكشف عن الحقيقة ليشمل النهوض بها

أكدت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن المسار الذي تبناه المغرب في مجال العدالة الانتقالية ذهب أبعد من كشف الحقيقة، لينصب على النهوض بها، وهو ما يعني كمفهوم وممارسة متداولة على الصعيد الدولي، مسارا مستمرا ومتواصلا تعكف فيه المؤسسات على تصفية الملفات العالقة، وتعويض الضحايا مع العمل على وضع الأسس الدستورية والقانونية لضمان عدم تكرار ما جرى.
وأشارت بوعياش، خلال لقاء تمحور  حول موضوع العدالة الإنتقالية بالمغرب ، نظم مؤخرا برواق المجلس بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، تميز بحضور فابيان سالفيولي، المقرر الخاص المعني بالنهوض بالحقيقة والعدالة وضمانات عدم التكرار، و لطيفة الجبابدي، عضو المجلس، (أشارت) إلى أن مسار الكشف عن الحقيقة بالمغرب توج بالكشف عن أغلب الحالات المعروضة على المجلس ولم تتبق إلا حالتين لمجهولي المصير، مضيفة أن المجلس يعمل على خلق بنك للحمض النووي (ADN) للتمكن من التعرف على هوية الضحيتين المتبقيتين وأن ما يميز التجربة المغربية هو تقديمها لأشكال مختلفة للتعويضات وجبر الضرر.
وختمت بوعياش تدخلها في هذا اللقاء، الذي سيره المحجوب الهيبة، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالتأكيد على أن مسار العدالة الانتقالية، الذي انطلق في المغرب سنة 1990 ولا زال مستمرا ومتواصلا، تم عبر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وبعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وهو مسار حقق مكتسبات مهمة من خلال الانكباب على ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وإن كانت هناك إشكاليات لا زالت موجودة لا يمكنها أن تدفعنا للتنكر لثلاثين سنة من العمل والكشف والنهوض بحقيقة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
من جهته أشار فابيان سالفيولي، المقرر الخاص المعني بالنهوض بالحقيقة والعدالة وضمانات عدم التكرار، أن التعامل مع موضوع العدالة الانتقالية يجب ألا يتم بمنظار بداية ثمانينيات القرن العشرين ولكن يجب التعامل معها كركن أساسي لنشر السلم والتركيز على تنفيذ التزامات الدول في مجال حقوق الإنسان، بمعنى الكشف عن الحقيقة وجبر ضرر ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بشكل كامل، مع العمل على تنزيل ما نص عليه دستور المغرب لسنة 2011 من خلال إصلاح الترسانة القانونية لتفادي تكرار ما جرى. وأكد أن بلوغ عالم أفضل تسود فيه ثقافة حقوق الإنسان لا يمكن أن يتم دون حفظ الذاكرة وتكريم الضحايا وأجرأة حقوق الإنسان.
بالنسبة للعضوة السابقة بهيئة هيئة الإنصاف والمصالحة، لطيفة الجبابدي، فتجربة العدالة الانتقالية في المغرب تتميز بكونها أول تجربة في العالم التي تمت في إطار استمرار نفس النظام السياسي، عكس تجارب دول أخرى مثل إسبانيا والأرجنتين وجنوب أفريقيا. وأضافت أن هيئة الإنصاف والمصالحة، التي اشتغلت على ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حرصت على إصدار توصيات تصب جميعها في ضمان عدم تكرار ما جرى، وخاصة الحماية الدستورية لحقوق الإنسان، وهو ما ظهر جليا في دستور 2011، حيث عكس أغلب هذه التوصيات، حيث أفرد بابا كاملا لسرد الحقوق الأساسية، مثل المساواة بين الجنسين والتأكيد على الحق في الحياة وحظر التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة وتجريم الاعتقال التعسفي والاختطاف القسري.
وفي ختام هذا اللقاء، أكد الأستاذ المحجوب الهيبة أن مسار العدالة الانتقالية غير مكتمل لحد اليوم من حيث مفهومه وأنه لا زال يحتاج إلى بلورة أكثر من خلال عمل اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، واللجنة المعنية بالاختفاء القسري وأيضا الخبير المعني بالعدالة الانتقالية، ذلك أن هذا المفهوم أصبح مفهوما كونيا ومفتوحا من حيث المسار والاجتهادات القضائية. مشيرا إلى أن المجلس جاد في خلق قاعدة بيانات أو بنك الحمض النووي بالنسبة للكشف عن الحقيقة، ونفس الشيء عرفته مسارات العدالة الانتقالية في دول أخرى حيث استمرت لعدة عقود. وهنا، يضيف الهيبة، لابد لنا من النهوض بتدريس العدالة الانتقالية ودعم البحث الجامعي كما هو الحال في بعض دول أوربا.
تجدر الإشارة إلى أن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان قامت، رفقة الخبير المستقل فابيان سالفيولي، المقرر الخاص المعني بالنهوض بالحقيقة والعدالة وضمانات عدم التكرار، بزيارة لمقبرة ضحايا الأحداث الاجتماعية ل 20 يونيو 1981 بالدار البيضاء.

Related posts

Top