أجمل شيء في الكتابة هو الإعلان عن تأليف كتاب ما دون نية طبعه

بين يوم وآخر يظهر إعلان عن صدور كتاب جديد، في أي مجال من المجالات الفكرية والإبداعية، وحين يتم البحث عنه في سوق الكتاب، لا يوجد أثر له.
ماذا يعني هذا؟ هناك احتمالان لا ثالث لهما: إما أن هذا الكتاب لم يصدر بعد، وإما أنه صدر بالفعل لكن لم يتم توزيعه في مختلف المدن.
هناك العديد من الكتاب المغاربة الذين راكموا عدة إصدارات في هذا المجال أو ذاك، لكنهم اكتفوا بعرضها في المدينة التي يقطنون بها، وبالتالي فإن من تمكنوا من الاطلاع عليها، يظل عددهم جد محدود، كما أنهم قد لا يخرجون عن نطاق المدينة نفسها التي يقطنون بها.
غالبا ما يفاجئنا اسم ما بأنه منخرط في الكتابة الأدبية أو الفكرية، رغم أن هذا الإسم يكاد يكون مجهولا في وسطنا الثقافي، كما أن الجمعيات الثقافية لا توجه له الدعوة قط للمشاركة في ملتقياتها.
في أحد مساءات صيف بعيد، كنت أتجول بشاطئ السعيدية، ففوجئت بأحد الكتاب يعرض مجموعة من مؤلفاته للبيع للمصطافين، وتبين لي أن أي كتاب من هذه الكتب سبق له أن وزع بالمدينة التي أقطنها، رغم أنها مدينة كبيرة، تتوفر على العديد من المكتبات.
من المسؤول عن ذلك؟ هل الكاتب الذي تقاعس عن التعريف بإصداراته؟ هل الجمعيات التي تجاهلته؟ هل أزمة التوزيع هي السبب؟ هل دور النشر التي ينتهي عملها عند حدود طبع الكتاب وقبض ثمنه ومعه قبض روح الكاتب نفسه؟ هل وهل وهل؟
المؤكد أن حركية النشر ببلادنا لا توازيها حركية القراءة، كما أنه من النادر أن يتم فتح نقاش حول هذا الذي ينشر.
هناك ظاهرة أخرى ذات ارتباط بالإصدارات التي يتم الإعلام عنها، فبالنظر إلى السهولة التي باتت تتيحها التكنولوجية الرقمية، صار من السهل على أي أحد أن يصمم غلافا ويكتب فيه العنوان ويوقعه وينشره على نطاق واسع، مدعيا أنه قد صدر له حديثا، أو أنه في طريقه إلى الصدور، لكن حين تسأل عن هذا الإصدار، أو تنتظر صدوره، يتبين لك أن كل ذلك مبني على الأوهام. هناك عبارة لا أذكر من قالها، أن أجمل شيء في الكتابة هو الإعلان عن تأليف كتاب ما دون نية طبعه.
أذكر بهذا الصدد، أن أحد كتاب القصة القصيرة الرواد بالمغرب، لم تصدر له أي رواية رغم مراكمته لعدة مجاميع قصصية، وفي كل مرة كان الصحافيون يسألونه عن مصير روايته، فيجيبهم بأنه بصدد تأليفها وبأنه على وشك الانتهاء من كتابتها، تمر سنوات وسنوات، ويتجدد طرح السؤال نفسه على الكاتب القصصي، فيكون جوابه أن الرواية ستصدر عما قريب، لكن الرواية لم تصدر قط إلى يوم الناس هذا.
إن الإعلان عن صدور كتاب ما، لا يعني أنه قد صدر بالفعل، ما دام أنه لم يسقط بين أيدينا بأوراقه وحبره، أو بتعبير مجازي: بلحمه ودمه.

> عبد العالي بركات

Related posts

Top