رغم أن تركيا لا تزال في قلب المأساة بسبب تزايد أعداد الضحايا والمتضررين، وفقدان آلاف البنايات، إلا أن الرئيس رجب طيب أردوغان ذهب بعيدا ولم يخف تخوفه من استثمار الزلزال كعامل انتخابي ضده، وهو ما عكسه رده الغاضب على المنتقدين.
ويعرف الرئيس التركي أن المشكلة كبيرة ولا يمكن تطويق تداعياتها على رصيده الانتخابي الذي يعاني من التراجع بسبب الأزمة الاقتصادية ومن الغضب الشعبي على الأعباء التي يخلفها وجود الملايين من اللاجئين السوريين في سوريا، وتأثير ذلك سلبا على فرص العمل وإسهامه في زيادة الأسعار. ثم يأتي الزلزال ليضاعف أعداد الغاضبين على سياسته.
ويدرك أردوغان أن مخلفات الزلزال ليست إخفاقا اقتصاديا تتعافى منه تركيا بعد اتخاذ إجراءات أو قرارات، وإنما ترتبط بأمر لا رجعة فيه، وهو موت الآلاف من الأشخاص خلال أقل من أسبوع تحت الأنقاض في ظل انتقادات واسعة لغياب سرعة التحرك الحكومي في عمليات الإنقاذ، وأن الرئيس التركي بالغ كعادته في استثمار المحنة لإظهار التزامه وتأثره دون أن يتحول ذلك إلى أفعال.
ويقول مراقبون إن ارتفاع عدد الضحايا إلى الآلاف بسبب التأخر في النجدة والتقصير الحكومي سيتحول إلى عامل انتخابي في غير صالح أردوغان، وإن الآلاف من أقارب الضحايا والمتضررين الذين قصرت الحكومة في حقهم، وكذلك معارفهم، سيصوتون عقابيا ضد التقصير الحكومي.
ولو كان الأمر مقتصرا على ولاية واحدة لكان بالإمكان تطويقه، لكن تمدد الزلزال إلى عشر ولايات يسكنها حوالي 13.4 مليون نسمة سيجعل قائمة الغاضبين من التقصير والإهمال تتسع شيئا فشيئا، خاصة أن لهؤلاء الضحايا والمتضررين أقاربهم من المهاجرين داخليًا إلى المدن الكبرى أو خارجيا إلى أوروبا.
وأدان الرئيس التركي الأربعاء الانتقادات الموجهة إلى جهود الحكومة بسبب أدائها في مواجهة الزلزال.
وقال للصحافيين لدى وصوله إلى هطاي جنوب البلاد “هذا وقت للوحدة والتضامن. في وقت مثل هذا لا أستطيع تحمل من يقومون بحملات سلبية لمصالح سياسية”.
وأضاف أنه ليس من الممكن الاستعداد لمثل هذه الكارثة، لكن الحكومة ستسرع في إزالة الأنقاض وبناء المساكن.
وقال مسؤولون وخبراء اقتصاديون إن الزلازل المدمرة التي شهدتها تركيا ستضيف إلى ميزانية أنقرة مليارات الدولارات من مبالغ الإنفاق وستخفض النمو الاقتصادي بنقطتين مئويتين هذا العام؛ إذ أن الحكومة ستضطر إلى بذل جهود إعادة إعمار ضخمة قبل الانتخابات الحاسمة.
وبينما يقول مسؤولون إن الحجم الكامل للدمار لم يتضح بعد إلا أنهم يعتقدون أن إعادة الإعمار ستشكل ضغوطا على ميزانية تركيا.
وقال مسؤول كبير لرويترز “ستكون هناك أضرار بمليارات الدولارات”، مضيفا أنه ستكون هناك حاجة إلى إعادة بناء سريعة للبنية التحتية والمنازل والمصانع.
ومن المرجح أن تخيم الأسابيع المقبلة، التي ستشهد انتشال الجثث وإزالة الأنقاض، بظلالها على فترة الإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في 14 مايو والتي تشكل بالفعل أصعب تحد للرئيس أردوغان خلال عقدين قضاهما في السلطة.
وتعاني تركيا منذ سنوات من ارتفاع معدلات التضخم وانهيار العملة بسبب تبني أردوغان سياسات اقتصادية غير تقليدية. وأدت دعواته لخفض أسعار الفائدة إلى بلوغ التضخم أعلى مستوى له في 24 عاما عند 85 في المئة العام الماضي، وهبطت الليرة إلى مستويات قياسية على مدار العقد الماضي.
ولدى تركيا مستويات ديون أقل بكثير من معظم الدول لكن تقلص احتياطي العملات الأجنبية لسنوات وتراجع استقلالية البنك المركزي والنظام القضائي والأساليب غير التقليدية في الإدارة بشكل عام كان لها تأثيرها.
وضرب الزلزال البلاد في وقت أعطت فيه سياسات الحكومة الأولوية للإنتاج والصادرات والاستثمارات من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، رغم أن التضخم بلغ أكثر من 57 في المئة بحلول يناير الماضي.
كما من المتوقع أن يلحق الزلزال أضرارا بالإنتاج في المناطق المنكوبة التي تمثل 9.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا.
وأظهرت بيانات بورصة الطاقة في إسطنبول تراجع استخدام الكهرباء في تركيا بنسبة 11 في المئة الاثنين مقارنة بالأسبوع السابق، وهو ما يعكس حجم تأثر الاستهلاك. ومن شأن هذه الأضرار أن تؤثر على النمو الاقتصادي هذا العام.
وقدر ثلاثة خبراء اقتصاديين أن نمو الناتج المحلي الإجمالي قد ينخفض بما يتراوح بين 0.6 ونقطتين مئويتين في ظل سيناريو يهبط فيه الإنتاج إلى النصف في المنطقة، وهو أمر قالوا إنه قد يستغرق ما بين ستة واثني عشر شهرا للتعافي.