جاءت معطيات البحث الدائم الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط حول الظرفية لدى الأسر خلال الفصل الثاني من سنة 2022، لتؤكد واقعا سبق للعديد من الفاعلين والقوى أن نبهوا إليه وعرضت تفاصيل مؤشراته منذ مدة، ويتعلق الأمر بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئات متعددة من شعبنا.
في البحث المشار إليه، ورد أن أزيد من 54 في المائة من الأسر استنزفت مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض لتغطية حاجياتها ومصروفاتها.
وورد أيضا أن 2,6 في المائة من الأسر فقط هي التي استطاعت ادخار جزء من مداخيلها، وذلك مقابل أزيد من 88 في المائة صرحت بعدم قدرتها على الادخار، بل إن أكثر من 54 في المائة أفادت أن وضعيتها المالية تدهورت هذا العام…
هذه فقط عينة من الأرقام التي عرضها هذا التقرير الرسمي الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، وهو يقدم معطيات مقلقة فعلا، ومخيفة عن حجم معاناة الفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا.
قد ينط البعض ويدفع بمبرر تداعيات زمن الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية والجفاف ليغلق الحديث، ويكرر أسطوانة (الله غالب)، وأنه لم يكن في الإمكان أكثر مما كان.
وواضح اليوم أن هذا هو موقف وجواب حكومتنا، وهي تجسده بسلوكها، وبصمتها، وبتخليها عن دورها للتخفيف من حدة معاناة شعبنا.
دور الحكومة، أي حكومة، ليس هو أن تتحول إلى استعراض واقع الأزمة على مسامع الشعب الذي يعاني منها، أو أن يكتفي خطابها بتبريرها، ولكن دورها الأول هو أن تنكب على إيجاد حلول ومخارج لمعالجة تداعياتها، هنا والآن.
نعرف أن العالم كله يعاني أزمات وتحولات مهولة، ونعرف أيضا أن إمكانيات بلادنا محدودة على كل حال، وأن حكومتنا لا يمكنها أن تحل المشكلات كلها دفعة واحدة وبسرعة، ولكن كل هذا لا يعني أن الحكومة يجب أن تكون غائبة عن هموم شعبها، ومستقيلة من أي انشغال أو تفكير في الحلول.
لم ير شعبنا أي إجراء حكومي للتصدي للزيادات الفاحشة في أسعار المحروقات، ولمواجهة ما نجم عن ذلك من غلاء في مواد وسلع وخدمات أخرى عديدة، ولم تكشف الحكومة عن أي إجراءات استباقية بشأن الحبوب أو للاستعداد للموسم الفلاحي المقبل، وتجاه آثار الجفاف والإنقطاعات المتكررة للماء والكهرباء، أو أيضا للاستعداد للموسم الدراسي وأسعار الكتب واللوازم ورسوم المدارس الخصوصية، ثم تجاه قطاعات عديدة تتواصل معاناتها وتدهور أوضاع المرتبطين بها…
إن بعض الإجراءات المطلوبة تقتضي شجاعة من الحكومة، وأيضا اصطفافا واضحا من طرفها إلى جانب الشعب ومصلحة البلاد، والتصدي لجشع اللوبيات المستفيدة، أي أن تنسلخ هي نفسها من الارتهان إلى هذه اللوبيات الاقتصادية والريعية الداعمة لها.
المشكلة الثانية، فضلا عن غياب تدخلات ملموسة وإجراءات عملية من لدن الحكومة، هي أن هذه الأخيرة لا تتكلم مع الشعب ولا تتواصل معه، ولا تحرص على تنويره أو إقناعه، ومن ثم يتضاعف قلق الناس وخوفهم من المستقبل.
إن استقالة الحكومة من الانشغال بتردي الأوضاع المعيشية لشعبنا، وغياب تدخلات شجاعة من طرفها، ثم أيضا ضعف التواصل الحكومي والحضور السياسي، هو ما يفاقم قلق شعبنا أكثر من العوامل الدولية والطبيعية التي يدركها الكل.
ولهذا دور الحكومة هو أن تقف إلى جانب الشعب وتتخذ القرارات التي من شأنها التخفيف من حدة المعاناة، وليس أن تعيد استعراض الواقع وترصده وتكرر الحديث عن أسبابه الدولية، وذلك كما لو أنها هي غير معنية أو ليست لها مسؤولية.
محتات الرقاص