أستاذ العلوم الاقتصادية ياسين عليا في حوار مع: “بيان اليوم”

قال أستاذ العلوم الاقتصادية، ياسين عليا، إن مشروع قانون المالية 2023 جاء بتدابير جديدة على المستوى الضريبي، غير أنها لا ترقى لأن تكون بمستوى الإصلاح الضريبي المنتظر.

وأضاف الأستاذ الزائر بجامعة الحسن الثاني عين الشق، والعضو المؤسس لحركة معا، في حوار مع جريدة بيان اليوم، أن الضريبة على الدخل لم تستفد من أي إصلاح ضريبي مما يدفعنا للتساؤل إذا كانت الشركات تقدم ضريبة بنسبة 20 بالمئة فلماذا يؤدي الأفراد ضرائب تصل إلى 38 في المئة حسب مستويات الدخل.

واعتبر عليا أن الحديث عن نسبة نمو كبيرة تصل إلى 4 بالمئة، يخالف التوقعات الدولية، مشيرا إلى أنه لا يمكن تدبير الأزمة الاقتصادية بنفس القوانين الاقتصادية أو الممارسات الاقتصادية التي تمارس في فترات الرخاء.

وهذا نص الحوار:

بداية، إلى أي حد يمكن الحديث عن إصلاح ضريبي في مشروع مالية 2023؟

لا يمكن الإنكار بأي حال من الأحوال أن مشروع قانون المالية 2023 جاء بتدابير جديدة على المستوى الضريبي، غير أنها لا ترقى لأن تكون بمستوى الإصلاح الضريبي المنتظر من طرف جميع الفاعلين السياسيين.

الإصلاح الضريبي يهم على الخصوص الضريبة على الشركات، حيث إن التضريب سينتقل إلى تضريب موحد بنسبة 20 بالمئة وإلغاء بعض الامتيازات الضريبية بالنسبة لبعض القطاعات، غير أن ذلك لا يمنع من الحديث على أن إشكالية الإصلاح الضريبي يجب مناقشتها في عموميتها من خلال تعميم فرض الضريبة والمساهمة الضريبية على جميع الفاعلين.

مشروع قانون المالية 2023 لا يتحدث عن تضريب القطاع غير المهيكل والسبل لتحقيق ذلك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الضريبة على الدخل لم تستفد من أي إصلاح ضريبي مما يدفعنا للتساؤل إذا كانت الشركات تقدم ضريبة بنسبة 20 بالمئة فلماذا يؤدي الأفراد ضرائب تصل إلى 38 في المئة حسب مستويات الدخل…؛ كل هذه الأمور تدفعنا للتساؤل حول مدى تطبيق مخرجات المناظرة الوطنية للضرائب، والتي تمت خلال سنة 2019.

من جهة أخرى، الضرائب الجديدة التي سيتم فرضها هي ضرائب جاءت بشكل لا يستجيب للشروط المفروضة لخروج المغرب من المنطقة الرمادية كجنة ضريبية، لدى فإن هذه الإجراءات سيكون لها أثر إيجابي على الشفافية الضريبية بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي وكذلك المستثمرين الأجانب.

النقطة الإيجابية في الضريبة، هي الضريبة المفروضة على الشركات التي حققت أرباحا كبيرة خلال هذه الفترة؛ سيرتفع مستوى التضريب المطبق عليها ليصل لـ35 في المئة، وهذه إشارة إيجابية تشير إلى نوع من العدالة الضريبية التي يمكن أن نلمسها في هذه النقطة بالذات.

هل يتجاوب المشروع مع الانتظارات المجتمعية خاصة مع مشروع الحماية الاجتماعية ؟

السياق الحالي هو سياق صعب جدا، سياق أزمة اقتصادية، وكما يقال فإنه لا يمكن تدبير الأزمة الاقتصادية بنفس القوانين الاقتصادية أو الممارسات الاقتصادية التي تمارس في فترات الرخاء.

الأزمة يعيش تبعاتها المواطنون من جهة، وكذلك الدولة، وبالتالي من اللازم على الإجراءات الحكومية أن تسير في هذا السياق؛ وأعتقد أن الحكومة باتخاذها قرار تعبئة الموارد الخاصة، بتعميم التغطية الاجتماعية وكذلك استفادة عموم المتمدرسين من التعويضات العائلية…؛ كل هذه الأمور ستساعد نسبيا في الرفع من مستويات كلفة المعيشة بالنسبة للمواطنين.

استمرار الحكومة في مستويات الدعم من خلال تأكيدها على عدم إلغاء صندوق المقاصة رغم أن المشاريع السابقة لفترة ما قبل ارتفاع مستويات التضخم كانت تتحدث عن إلغائها في أفق 2024، إن هذا التراجع يعتبر إجراء اجتماعيا يحسب للحكومة، فهو إجراء يحسب في السياسة الاجتماعية للحكومة، كل هذه الأمور عوامل مساعدة  ولا أعتقد أن الحكومة تملك من الموارد من تعميم الدعم المباشر للمواطنين، رغم أن الكثيرون ينتظرون هذا  الدعم المباشر، غير أن الحكومة في الظروف الحالية لا تمتلك هذه الموارد، وهي مستمرة في عملية التضامن الاجتماعي من خلال فرض ضريبة التضامن الاجتماعي، واستمراره إلى حدود سنة 2025، كل هذه العوامل هي عوامل إيجابية تحسب في السياسة الاجتماعية للدولة.

كيف تقيمون التدابير المعلن عنها بخصوص الدعم المباشر للسكن و”البوطة”؟

فيما يهم النقطة المتعلقة بالدعم المباشر للأسر خاصة بالنسبة لاقتناء السكن وكذلك إلغاء دعم الغاز مقابل دعم مباشر، أعتقد أنه إجراء إيجابي جدا، في تقيمي، لأنه يقوم بتحديد الأسر التي ستستفيد من الدعم بشكل ملموس عوض دعم الغاز الذي كان يستفيد منه الجميع، من هم في حاجة ومن هم في غير حاجة؛ وبالتالي، فمن باب العدالة الاجتماعية في إعادة توزيع الثروة، هذا الإجراء هو إجراء جاء ليصحح وضعا غير سليم، من حيث إن قنينات الغاز كانت تستعمل في النقل وتستعمل في استخراج المياه في الآبار وفي الضيعات الفلاحية وفي المؤسسات الصناعية وهي مدعومة من طرف الدولة مما يؤشر على أن هذا الدعم كان يوجه لغير مستحقيه وهو في الأصل كان دعما موجها للأسر المحتاجة.

وبالنسبة للسكن له نفس الأثر لأن هذه الإعفاءات الضريبية يستفيد منها بشكل كبير المنعشون العقاريون، والمواطنون العاديون لا يظهر أثر استفادتهم، بحيث يكون آنيا ولحظيا أي لحظة الاستفادة من الدعم المالي المباشر الذي سيساهم في تعزيز القدرات الشرائية الخاصة علما بأن هناك فئتين، فئة 300 ألف درهم، تهم شقق السكن الاجتماعي، وكذلك الشقق المتوسطة التي قد يصل ثمنها إلى 600 ألف درهم.

هي إجراءات إيجابية، شخصيا أثمنها وأعتبرها شكلا من أشكال إعادة تصحيح وضع قائم كان يعطي دعما لغير مستحقيه، وبداية لإصلاح صندوق المقاصة في انتظار إلغائها بشكل نهائي وتوجيه الدعم بشكل صحيح وفق السجل الاجتماعي المتوقع أحداثه في السنوات القادمة أو خلال السنة القادمة، ليكون قاعدة بيانات للدولة تمكنها من توزيع الدعم لمستحقيه.

هل ترى أن مشروع قانون المالية واقعي وقابل للتطبيق (من قبيل نسب النمو المتوقعة) أخذا بعين الاعتبار السياقين الدولي والوطني الحالي ؟

بالنسبة لنسب النمو ومستويات التضخم التي توقعها قانون المالية للسنة القادمة، أعتقد أنها نسب مغرقة في التفاؤل، أولا، مستوى التضخم في شهر شتنبر الماضي وصل نسبة 8,3 في المئة، كيف يمكن أن ينزل في السنة القادمة إلى 2 في المئة، ونسبة النمو الاقتصادي تصل إلى 4 في المئة علما أنه خلال هذه السنة نسبة النمو لن تتجاوز 0,8 بالمئة، وهو رقم ضعيف جدا، ونفس الرقم الضعيف بسبب ضعف الانتاج الفلاحي خلالة سنة 2022 من جهة، ومن جهة ثانية نفسر هذا الأمر بسبب غياب سياسة فلاحية تركز على السيادة الغذائية للمغرب، وارتباطنا أيضا من الناحية الطاقية بارتفاع مستويات أثمنة الطاقة، وهذه عوامل خارجية لن نتمكن من أن نتحكم فيها.

وبالتالي فكل حديث عن نسبة نمو كبيرة تصل إلى 4 بالمئة، يخالف التوقعات الدولية، علما أن الاقتصاد العالمي سيحقق مستوى نمو لن يصل إلى 2,7 في المائة خلال سنة 2023 القادمة، علما أنه اكتفى بنسبة نمو تصل إلى 3,2 خلال سنة 2022 حسب توقعات صندوق النقد الدولي.

أخيرا، إن ما ننتظره من الحكومة هو أن تعمل على إحداث وممارسة حكامة في السوق المغربية، لأن ما يجب أن يعرفه الجميع أن موجات التضخم الحالية ليست مرتبطة فقط بما هو خارجي بل هي أيضا مرتبطة بما هو داخلي من خلال مجموعة من الأمور، يمكن الاشارة لبعضها، مثل تحكم مجموعة من الوسطاء في مسارات البيع والشراء بالنسبة للمنتوجات الداخلية، هذا من جهة، من جهة أخرى كذلك استمرار الممارسات الاحتكارية في الأسواق بالنسبة لبعض المواد، وعدم قيام مجلس المنافسة بأدواره الزجرية بشكل كبير، كل هذه الأمور ستؤدي إلى ارتفاع كلفة الحياة بالنسبة للمواطنين المغاربة، ناهيك عن المشاكل الهيكلية المرتبطة بانتشار مظاهر الريع، والتي تحرم المواطنين من الولوج إلى الحق في خلق الثروة على نفس الدرجة، وهذا مشكل هيكلي يجب على الحكومة وهيئات الدولة في مجموعها أن تتخذ القرار السياسي لمحاربتها.

 حاوره عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top