أصداء احتلال سبتة ومحاولات تحريرها في الشعر العربي

>  بقلم:  خالد التوزاني

 أصدر الباحث والأكاديمي المغربي الدكتور عبد الله بنصر العلوي كتابا جديدا يتخذ من مدينة سبتة المحتلة موضوعا له، عنونه بـــ «سبتة المقاومة: أصداء احتلال سبتة ومحاولات تحريرها في الشعر العربي»، في طبعته الأولى سنة 2015، عن منشورات المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز بفاس، ويحمل إهداءً إلى شهداء سبتة الذين جاهدوا من أجل صون الهوية، ووحدة الوطن. يركز هذا الكتاب على رصد أصداء احتلال سبتة ومحاولات تحررها في الشعر العربي في المغرب والأندلس وتونس والقاهرة، ويتوسل ببعض الحوليات التاريخية المغربية وصدى استجابة الشعر لها من خلال أنماط قصيدة المقاومة كالقصائد المادحة والواصفة والإخوانية وقصائد الشكوى والتوسل، مع ما تضمنته هذه القصائد من مضمون جهادي ومقومات فنية.      
ويسعى المؤلف الدكتور عبد الله بنصر العلوي إلى استحضار دلالات سبتة  في العلم والحوار والتمدن والإبداع، لتجديد العهد على التشبث بالمواطنة الثقافية التي تحرص على صون قيم التاريخ والذات والتراث، والتي تتطلع إلى قيم الوحدة الوطنية والتواصل الحضاري المنشود. جاء اختيار مدينة سبتة موضوعا لهذا الكتاب، باعتبارها مدينة مغربية لها ماض مشرق في الفكر المغربي، فقد أسهمت بحظ وافر في تاريخ الثقافة المغربية منذ عهد الأدارسة إلى عهد بني مرين، أي طوال ثمانية قرون، فكانت بوثقة انصهار لفروع الثقافة الإسلامية، ومجمعا للتيارات الفكرية، نظرا لمركزها بين الشرق العربي وإفريقيا والأندلس، وقد ظل إشعاع هذه المدينة عبر عصور ازدهارها نبراسا مضيئا لحواضر المغرب والأندلس والمشرق، كما ظل إشعاعها العلمي ذا أثر فعال في الفكر المغربي خلال عصور احتلالها، ولذلك فإن مكانتها كبيرة في نفوس المغاربة، ويصعب على الإنسان المغربي قبول احتلالها واستمرار اعتقالها، ولذلك نلحظ كثرة القصائد الشعرية التي قيلت في حقها والتي دعت إلى تحريرها، وهو موقف يعبر الشعراء والعلماء من خلاله عن مواقفهم الوطنية والدينية، وهذه سمة في الأدب المغربي الذي كان دائما يعبر عن واقع المغاربة ويفصح عن همومهم وآلامهم وآمالهم. استغرق كتاب «سبتة المقاومة: أصداء احتلال سبتة ومحاولات تحريرها في الشعر العربي»، واحدا وتسعين صفحة من الحجم الكبير، تضمن بعد الإهداء، تقديما، أبرز فيه الباحث الدكتور عبد الله بنصر العلوي دلالات استحضار مرور ستمائة سنة على احتلال مدينة سبتة، ثم مدخل أجاب فيه عن بعض التساؤلات الوجيهة، مثل:
سبب اختيار سبتة بالذات ولماذا أصداء المقاومة وتحديدا في نماذج من الشعر الذي ينتمي للعصر العلوي، ثم عرض المنهج الذي تقوم عليه الدراسة، مختتما هذا المدخل بأهم المصادر والمراجع التي اتخذت من مدينة سبتة موضوعا لها، وخاصة دورها التاريخي والفكري.
ثم فصول الكتاب، حيث يتعلق الأمر بدراستين الأولى حول: سبتة.. شعر الموقف: أصداء الاحتلال ومحاولات التحرير، ورصدت حضور سبتة في أنماط متعددة من القصيدة؛ منها القصيدة المادحة، والقصيدة الواصفة، والقصيدة الإخوانية، وقصيدة التوسل، أما الدراسة الثانية فخصصها لبحث موضوع: استلهام الحدث في الرؤية الفنية. وأخيرا خاتمة، وملحق برسالة ثغرية، وقائمة المصادر والمراجع.
للدكتور عبد الله بنصر العلوي بصمات واضحة في حقل الدراسات الأكاديمية بالمغرب، فقد راكم تجربة طويلة من البحث والتكوين والتأطير والتأليف وتأسيس مراكز بحثية وتنظيم ندوات علمية وتظاهرات ثقافية محليا ودوليا، وتتجاوز إنجازاته ما هو مغربي إلى الانفتاح على الشعرية العربية في دول الخليج وتحديدا في الإمارات العربية المتحدة التي عرفته باحثا خبيرا ومستشارا علميا دوليا في مجالات التحكيم وتنظيم تظاهرات علمية دولية، ويفتخر المغرب بعطائه في مجال الدراسات المغربية، حيث يعود له الفضل في إبراز بعض النصوص المغربية النادرة وخاصة خلال العصر السعدي وبداية العصر العلوي المجيد، وقد تجاوزت مؤلفاته المطبوعة أكثر من عشرين كتابا تتوزع بين التحقيق والدراسة، وله عدة كتب تنتظر دورها للنشر، كما يحمل مشروعا فكريا رائدا يروم النهوض بالأدبية المغربية والانفتاح على الشعرية العربية في مختلف تواصلاتها وتجلياتها، وقد ظهرت ملامح هذا المشروع العلمي في فكر طلابه وتوجهاتهم العلمية واختياراتهم المنهجية والبحثية، من خلال تأسيسه لكرسي الأدب المغربي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.

Related posts

Top