أصدقاء ورفاق شمعون ليفي يحيون جزء من ذاكرة مناضل تقدمي وصفحات من تاريخ المغرب ومن الذاكرة اليهودية

بعد أن صارت ذكرى وفاته حدثا سنويا يجمع شخصيات سياسية بالإضافة إلى أصدقاءه ورفاقه ومعارفه، شكلت الذكرى الخامسة لوفاة شمعون ليفي، فرصة لإحياء جزء من ذاكرة هذا المناضل التقدمي، الذي يعد تاريخه جزء من التاريخ المغربي والذاكرة اليهودية على وجه الخصوص.
وخلافا لمعظم يهود المغرب، الذين خضعوا للضغوطات والإجبار على الهجرة إلى إسرائيل من قبل أجهزة الموساد والمنظمات الصهيونية الأخرى، التي فرضت على اليهود ما أسمته الذهاب إلى “أرض الميعاد”، رفض شمعون ليفي مغادرة المغرب وظل متشبثا بوطنه وبمسقط راسه بفاس.  
أندري أزولاي، مستشار الملك محمد السادس، أول من قدم شهادة في حق شمعون ليفي في الأمسية التي نظمتها جمعية ميمونة تخليدا لذكرى وفاة الراحل أول أمس الأربعاء بالرباط، حيث توقف عند أهم المحطات التي طبعت مسار هذا المناضل، والذي قدم تضحيات جسام للوطن وللشعب، حيث أكد المتحدث أن شمعون كان يتمتع ببعد نظر وكان دائما مناضلا قويا، يؤمن بوحدة الشعب والوطن والتعايش بين كافة أطياف المجتمع المغربي، مشيرا إلى أنها المبادئ التي تضمنها دستور 2011، الذي جاء ليؤكد على أن المملكة المغربية عازمة على الحفاظ على التنوع والاختلاف بين مختلف الحضارات والهويات، ويؤكد على أنه وطن غير قابل للتجزئة. وأن وحدته تتبلور في التعايش والتقارب بين هويته العربية الإسلامية والأمازيغية والصحراوية والحسنية وروافده الأفريقية والأندلسية واليهودية والمتوسطية كذلك.
وبعد أن شدد المستشار الملكي على أن المغرب بلاد لكل روافد الحضارة المغربية بتنوعها. اعتبر هذا المسار انتصار للمغاربة جميعا وللراحل شمعون ليفي خاصة، ذلك أنه قدم تضحيات جسام من أجل وحدة الوطن وسيادته.
أزولاي ذكر أيضا بالمواقف البطولية لشمعون ليفي الذي عرف بدفاعه عن القضية الوطنية، إذ أبرز أزولاي، نضال الراحل من أجل القضية الوطنية قائلا “نحن جميعا مدينون للراحل، لقد كان داعما ومناضلا من أجل هذا الوطن، وكان دائما يصرخ، ‘أنا مغربي قبل كل شيء..”. منوها في هذا السياق بالنشاط الذي كان يتمتع به الراحل سياسيا ونقابيا، بحيث تميز مساره بعطاءات كثيرة في هذا الصدد، وزاد المتحدث أن شمعون كانت له القدرة على الصمود وكان شخصا مستميتا دائما ما يقف في وجه العوائق التي تواجهه.
وفي ختام كلمته أشار أزولاي إلى أنه رغم مضي 5 سنوات على رحيل شمعون ليفي ظلت شخصيته حاضرة وصورته لا تغيب عن الذهن، مستدلا بالحضور المكثف حيث عبر المستشار الملكي عن سعادته لرؤية كل هؤلاء الشباب، والنساء والرجال وهم يعيشون معا حدث تخليد هذه الذكرى. مشيدا بالحضور المكثف لهذا اللقاء الذي يحتفي بشخصية من شخصيات المغرب التي تعد جزءا من ذاكرته ومن الذاكرة اليهودية المغربية، مشيرا إلى أنه حدث يدخل في إطار لقاءات شمعون ليفي في نسختها الأولى، والتي هي مبادرة تنظمها جمعية أصدقاء المتحف اليهودي المغربي وجمعية ميمونة بشراكة مع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية.
جامع بيضا، مدير أرشيف المغرب، بدوره أعرب عن امتنانه الكبير لجون وجاك ليفي، ابني الراحل شمعون ليفي لتبرعهم بإرث والدهم الثقافي لصالح أرشيف المغرب، والتي ستشكل إضافة نوعية للأرشيف وكذا إضافة قيمية ونوعية للباحثين، إذ ستتيح للجمهور والطلبة والباحثين إمكانية البحث والاطلاع على مجموعة من الوثائق التاريخية القيمة.
وكشف جامع بيضا عن توقيع اتفاقية التبرع المؤرخة في 28 سبتمبر 2016 بين الجهات المانحة و”أرشيف المغرب” التي بموجبها سلمت مجموعة من وثائق الراحل وبحوثه والشواهد، وذلك بأكثر من لغة واحدة، مؤكدا أنها إضافة نوعية للأرشيف، خصوصا وأن الوثائق المحصل عليها متنوعة وتبرز المسار الغني للراحل، الذي أشار بيضا أنه كان أستاذا وباحثا وناشطا يساريا، معتبرا هذه المبادرة التي قاما بها ابني الراحل جاك وجون ليفي، تشجيع على وضع الثقة في المؤسسات المختصة وكذا تجميع لإرث مغربي وصيانة للذاكرة، خصوصا، يشير المتحدث، وأن العديد من الوثائق ذهبت إلى فرنسا، وأخرى، لا زال يحتفظ بها الأهالي والأسر اليهودية المهاجرة في العالم، وهو ما يصعب مأمورية حفظ الذاكرة. إذ اعتبرها خطوة إيجابية وأولية من أجل تجميع الوثائق التاريخية وحفظ التراث اليهودي المغربي.
 جامع بيضا الذي تحدث كثيرا عن سيرة الراحل ومواقفه والكاريزما التي يتمتع بها، سلم في الأخير كأس وشهادة أرشيف المغرب لنجلي الفقيد تقديرا لكرمهم، حيث تسلمها جون ليفي، هذا الأخير عبر في كلمة ملخصة عن ترحيبه بالتعاون مع المؤسسات المهتمة، معربا بدوره عن سعادته لهذا الاهتمام بالتاريخ والذاكرة اليهودية ولاسيما الاهتمام بالإرث الثقافي الذي خلفه ليفي الأب.  
هذا وعرف اللقاء، الذي احتضنته المكتبة الوطنية بالرباط والذي سلط فيه الضوء على حياة الراحل شمعون ليفي في ذكرى وفاته الخامسة، عرض شريط وثائقي تضمن شهادات معارف وأصدقاء الراحل ومن عاصروه من الشخصيات، حيث أجمعوا على الروح النضالية العالية التي تمتع بها، وروح التعايش التي كان يتميز بها، بحيث روى العديد منهم بعض المواقف مع الراحل وبعض الطرائف التي تبرز أن شمعون ليفي كان ذو شخصية قوية وكاريزما سياسية.
كما عرف اللقاء أيضا عرض فيلم بعنوان “يهود المغرب. مصائر متناقضة”، الذي يقدم في 58 دقيقة، شهادة للتاريخ عن الهوية المغربية الغنية في اختلافاتها وتعددها، فالفيلم حكاية جميلة ومأسوية في نفس الوقت، حيث يضعنا المخرج أمام سؤال كبير عما جعل فئة مهمة من النسيج الاجتماعي والثقافي المغربي تقرر أن تهاجر من وطن أجدادها بشكل نهائي دون عودة، ويتساءل المخرج في سياق شريطه، عن ماذا وقع لتكون بعض المحطات في تاريخ المغرب الحديث، مؤشرا على إفراغ المغرب على دفعات من مواطنيه اليهود؟، خصوصا بين بين عامي 1940 و 1960.
 يتضمن شريط “يهود المغرب مصائر متناقضة”، شهادات استقاها المخرج من شخصيات يهودية من المغرب ومن الشتات بفرنسا وبلدان أخرى، تم إغناؤها بتحاليل لمثقفين ومؤرخين من بينهم الفقيد شمعون ليفي.
الفيلم أخذ الحاضرين طيلة ساعة إلى المعالم التاريخية المغربية المكونة للتراث اليهودي كـ”الملاح” والحي اليهودي القديم، وتأخذنا كاميرا الفيلم إلى التاريخ وتأثير التحولات الاجتماعية والسياسية في العلاقات بين أبناء الوطن الواحد يهودا ومسلمين، وكذا التعايش والأخوة التي جمعت العائلات المسلمة مع العائلات اليهودية. وأخيرا يتحدث الفيلم عن الهجرة المأسوية جريا خلف الحلم الاسرائيلي….حلم الأرض الموعودة حيث تم منعهم من الحديث بلغتهم الأم العربية أو الأمازيغية، بل حتى الاستماع الى أغانيهم وموسيقاهم.
جدير بالذكر أن هذا اللقاء التخليدي لذكرى رحيل شمعون ليفي، هو الثاني من نوعه الذي تنظمه جمعية ميمونة وجمعية أصدقاء المتحف اليهودي المغربي بشراكة مع المكتبة الوطنية للملكة المغربية، بعدما أن نظموا أول لقاء في السنة الماضية 2015.

محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top