أكاديميون يرصدون سيرة ابن المؤقت وكتاباته الإصلاحية وموسوعيته الفكرية

أجمع عدد من الأساتذة الجامعيين والأكاديميين على السيرة الغنية والمتميزة للعالم الموسوعي محمد بن المؤقت المراكشي الذي حضي بشهرة واسعة وحضور متميز في مجالات شتى، اضطلع فبها بالخبرة والعلم.

ورصد مجموعة من الأكاديميين الذين شاركوا في ندوة نظمتها مؤسسة الموقت للعلوم والثقافة أول أمس الأربعاء، حول إصدارها الجديد “ابن المؤقت المراكشي وكتاباته الإصلاحية” لصاحبه الدكتور عبد العزيز أبايا، (رصدوا) الكتابات المتميزة والحضور الفكري الهام الذي سجله العالم الموسوعي والفقيه والمؤرخ محمد بن عبد اللخ بن المبارك الموقت المراكشي، في النصف الأول من القرن العشرين.

وتوقف المتدخلون عند أبرز ما ميز العالم ابن المؤقت من كتابات إصلاحية وإلمام بعلوم شتى، وكذا برؤية خاصة جعلته يتميز عن غيره من العلماء في تلك الفترة بالكثير من الأمور، وعلى رأسها إلمامه بعلم سرف الحرف، وكذا انتقائيته لكتاباته التي يختار جمهورها بعناية، فكان يكتب مؤلفات خاصة موجهة لفئة معينة، من ضمنها مؤلفات خاصة موجهة للصناع التقليدين بمراكش وباقي الأقطار، ثم كتابات أخرى خاصة موجهة لجمهور القراء عير العالمين أو الذين يعرفون الحدود الدنيا للقراءة.

وعبر المتدخلون عن أسفهم لعدم الاستفادة من مختلف كتابات هذا العالم، مشيرين إلى أن أكبر من يظلم العلماء هم أهلهم وشعبهم في إشارة إلى عدم الاهتمام الكافي بسيرة هذا العالم الموسوعي وما قدمه من أفكار وكتابات وأبحاث في ميادين مختلفة، بحيث كشف أحد المتدخلين أن العالم الموسوعي ابن المؤقت كان سباقا قبل ثلاثينات القرن الماضي للحديث عن الاحتباس الحراري وكتب فيه وتوقع حدوثه.

في هذا السياق وفي كلمة ترحيبية، قال عبد المنتقم الموقت رئيس مؤسسة الموقت للعلوم والثقافة إن الإصدار الجديد ” ابن المؤقت المراكشي وكتاباته الإصلاحية” في إطار دينامية أطلقتها المؤسسة للتعريف بالعالم الموسوعي ابن المؤقت.

وأوضح عبد المنتقم الموقت أن الإصدار الجديد هو في الأصل أطروحة جامعية تقدم بها الدكتور عبد العزيز أبايا ونال بها شهادة الدكتوراه، مبرزا أنها أطروحة تتضمن جهدا أكاديميا متميزا، والتي جرى إعادة نشرها في كتاب ضمن جهود لتجميع كتابات ابن الموقت وأبحاثه، وكذا جهود تجميع الكتابات حول سيرة هذا العالم والموقت الشهير بمراكش.

وزاد الموقت حفيد العالم المغربي الموسوعي أن إشراف المؤسسة على نشر الكتاب يندرج ضمن مساهمة المؤسسة ودعمها للإنتاجات والأبحاث حول العالم والمفكر ابن الموقت، وكذا الجهود المستمرة لإحياء تراثه وفكره والتنقيب عن ما تبقى من كتاباته وإصداراته التي قال كثير من الأكاديميين والمؤرخين إنها تتجاوز 200 مؤلف.

من جانبه، أشاد الدكتور المامون المريني بالسيرة الغنية للعالم ابن المؤقت، وإسهاماته العلمية والفكرية العديدة، مشيرا إلى أنه من الضروري استثمار هذه السيرة الغنية وإبرازها والافتخار بها وطنيا، خصوصا وأن كتابات ابن المؤقت كان لها صدى كبير في القرن العشرين ليس في المغرب فقط وإنما على مستوى بلدان عديدة، خصوصا بأوروبا.

وقال الدكتور المريني “نعيش طفرة حضارية وتنموية يجب أن نبحث من خلالها عن مصادر وعن نماذج لرواد أمثال ابن المؤقت لنبني بها المغرب الذي نريد”، مضيفا أن هذا الطفرة وهذا الزخم أصبح يدفع عائلات العديد من العلماء والمفكرين إلى تجميع إرث الآباء كما هو الحال لمؤسسة الموقت التي شرعت في تجميع فكر وسيرة ابن المؤقت، منوهها بهذه الدينامية الثقافية الهامة.

وقدم الدكتور المريني قراءة في سيرة وإرث العالم الموسوعي ابن المؤقت الدي قال إن تميز في إصداراته بالمزاوجة بين الدراسة النقدية والدراسة العروضية المضامينية،  مع منطلقات فكرية وإديويلوجية وفلسفية وتاريخية جعلت جزءا من هذه المؤلفات التي ما زالت حاضرة ذات رمزية كبيرة لما تبرزه من موسوعية الفكر والاستشراف وبعد الرؤيا، داعيا إلى ضرورة تجميع باقي الإصدارات وإعادة طرحها.

بدوره، عاد الدكتور عبد الوهاب الأزدي إلى الحديث عن الأطروحة الجامعية التي أنتجها الدكتور عبد العزيز أبايا والتي قال إنها تأتي ضمن سياق أكاديمي جاد وبقيمة علمية بمعايير أكاديمية متقدمة، مبرزا أن إعادة نشر الأطروحة على شكل كتاب من قبل مؤسسة الموقت تزيد من التأكيد على ضرورة نهج مسار تجميع تراث وفكر العالم المراكشي الموسوعي ابن المؤقت.

ودعا عبد الوهاب الأزدي إلى ضرورة الحرص على استمرار عمل المؤسسة بقوة أكبر والبحث والتنقيب عن إصدارات العالم ابن المؤقت وكذا الاستمرار في دراسة أفكاره وإنتاجاته في الميادين المختلفة، وكذا الاقتداء بسيرته، وجعل مؤسسة الموقت جامعة علمية موازية.

وذهب الأزدي للتأكيد على أن سيرة المفكر ابن المؤقت سيرة خاصة مليئة بالعطاء ومليئة بالعبر ومليئة بالانتاجات الفكرية والفلسفسة والتصوفية وما يتعلق بعلم الوقت وعلم الحرف والرواية، وغيرها من المجالات، مشيرا إلى أن ابن المؤقت كان شموليا وموسوعيا وخاض في علوم عصره بدهاء وبصيرة.

ودعا الأزدي مؤسسة الموقت إلى طبع الدراسات والأبحاث حول العالم وحول سيرته، والاقتداء به في هذا النهج، حيث قال إن العالم ابن المؤقت وكما كان يطلق عليه المؤخون كان “قليل الكلام كثير الطباعة والنشر”.

الأكاديمي الأستاذ الباحث أحمد متفكر، بدوره، عاد إلى مسار ابن المؤقت وعلماء من أبناء جيله، والذين قال إنهم لم يحظوا بالتعريف اللازم ولم يتم استثمار أرصدتهم الفكرية الغنية، مشيرا إلى أن المغرب كان يزخر بشخصيات بارزة في الفكر والتراث والعلوم والفلسفة وعلم الرواية، والأدب وغيرها من العلوم، والتي لم يتم استغلالها بالطريقة اللازمة.

ولفت متفكر إلى أن هناك أعلاما مغربية عديدة على مر قرون تميزت بالموسوعية في الفكر والأدب والعلوم والقضاء، والذين لم يهتم أحد بتراثهم هنا بالمغرب، أمثال العالم  محمد بن عبد المالك المراكشي الذي له أعظم كتاب في فترة المرينيين والذي حضي باحتضان الشرق له قبل الغرب، كذا المؤرخ محمد الصغير الإفراني الذي له كتب عديد في التراجم، والعالم الفذ الذي ألف معجم المعاجم “أحمد الشرقاوي إقبال”، الذي كان داهية وتميز بسرعة الفحظ وغيرها، والذي حظي بمعرفة واسعة في الشرق فيما لم يحظة بالاهتمام الكافي بالمغرب ولم تدرس مؤلفاته ولم تجرى عنه الأبحاث والدراسات الضرورية له ولأمثاله من العلماء.

ونوه متفكر بكتاب “ابن المؤقت المراكشي وكتاباته الإصلاحية” لصاحبه الدكتور عبد العزيز أبايا والذي قال إنه يبقى من نقاط الضوء لإعادة إحياء سيرة العلماء والمفكرين المغاربة، داعيا إلى ضرورة أن تنخرط الجامعة المغربية في هذا الورش الهام.

وكشف متفكر أنه يحتفظ بوثيقة تاريخية أصلية بخط يد العالم الموسوعي ابن المؤقت، والذي يقول فيها إن عدد إصداراته يبلغ 200، في حين أن عدد الإصدارات الحالية التي طبعت ونشرت 45 فقط، وكذا الحديث في ثنايا كتبه تقارب 73  إصدارا فقط، متسائلا عن مصير الإصدارات الأخرى، خصوصا وأنها كانت هامة وكانت تقارب مختلف المجالات من علم الحرف والرواية وعن أحوال الناس وعلم التوقيت وغيرها.

ودعا متفكر إلى ضرورة البحث عن إصدارات ابن المؤقت وأن تتدخل مختلف الجهات في البحث عن أرشيفه وعن دراساته وإعادة تجميعها وإغناء المكتبة الوطنية بما، لاسيما وأن تتعلق بإنتاجات هامة وغزيرة لواحد من أهم أعلام مراكش والمغرب، والذي حظي بالشهرة من الغرب إلى الشرق.

من جانبه، توقف مؤلف كتاب “ابن المؤقت المراكشي وكتاباته الإصلاحية” الدكتورعبد العزيز ابايا عند السيرة الغنية والمتنوعة لابن المؤقت الذي قال إن موسوعيته في الفكر وطريقته وحضوره في القرن العشرين دفعه للبحث أكثر في هذه الشخصية التي كانت محور أطروحة الدكتوراه.

وكشف أبايا أن ابن المؤقت المراكشي لم يكتب فقط في علوم عصره، بل كان ممتدا في أفق التفكير، حيث سبق زمانه وكتب عن الاحتباس الحراري في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ كتب في كتابه “اليواقيت العصرية.. الشيخ والشارخ في جولة من التواريخ” أن الأرض في يوم من الأيام ستبلغ درجة حرارتها درجة لا تطاق والتي ستؤدي إلى زيادة ملوحة في البحر وفيضانه على اليابسة”.

وأوضح أبايا أن تنبؤه بالاحتباس الحراري كان دقيقا في الوصف في زمن لم يكن الحديث فيه حول هذا الأمر، مشيرا إلى أنه كان بالفعل عالما موسوعيا، منعزلا للتأليف والنشر والإصدار، مختلفا عن علماء بن يوسف.

ولفت أبايا إلى أنه من خلال مؤلفات ابن المؤقت يظهر أنه كان من العلماء والمفكرين المصلحين، بحيث كان معروفا من شعراء الملحون وله قصائد في الملحون كثير ، من ضمنها قصيدة “سبحان الله صيفنا ولا شتوة” التي أعادتها مجموعة ناس الغيوان الشهيرة في أغنية لها.

وزاد أبايا أن ابن المؤقت كان كثير الحديث بشكل دقيق عن كثير من المظاهر المجتمعية والمتغيرات التي تطرأ على المجتمع المغربي، من خلال قصائده، وكذا من خلال كتاباته المتعددة، والتي قال إنها بالمناسبة كانت تتميز بكونها موجهة، بحيث كتب مؤلفات خاصة موجهة للعاملين في الصناعة التقليدية، وكتاب خاص سماه “أصحاب السفينة” والذي كتبه وسط البحر، وكانت له فيه رؤية خاصة ومتميزة.

وفسر أبايا هذا التميز والموسوعية وكذا بالخصوص التوجيه في استهداف جمهور القراء، لكونه كان من الملمين والعارفين بعلم سر الحرف، وحساب الجمل والترميز في الكلام، وغيرها من العلوم اللغوية التي اعتمد عليها في إصداراته الأدبية والفكرية وقي قصائده الزجلية، والملحون والتي كان يتحدث فيها بالخصوص عن أحوار الناس ويرصد الانحرافات التي تقع في المجتمع ويقدمها في قالب خاص غني وثري أدبيا وفكريا وتراثيا.

محمد توفيق أمزيان

تصوير: رضوان موسى

Top