أصدر رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء أمرا استعجاليا ( رقم 170 في ملف عدد 53/7101/2021 بتاريخ 01/03/2021) قضى فيه بتحميل النيابة العامة مسؤولية تمكين أم من شهادة المغادرة المدرسية الخاصة بطفلها، تفعيلا لمقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة.
أهمية هذا الأمرالاستعجالي، الذي قدم على هامش إحدى الندوات التي نظمتها اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بجهة الدار البيضاء سطات، تكمن في كونه يكرس دور النيابة العامة كطرف رئيسي في قضايا الأسرة لتمكين الأم من القيام بالمصالح الاستعجالية لأطفالها أمام تماطل بعض الإدارات دون حاجة للجوء الى القضاء الاستعجالي أو قضاء الموضوع.
ملخص القضية
تعود فصول القضية الى تاريخ 18/01/2021 حينما تقدمت المدعية بمقال استعجالي لرئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء تعرض فيه أنها متزوجة وقد أثمر هذا الزواج طفلا، وأن زوجها غاب مند سنوات عن الأنظار وتعذر الاستماع اليه بمناسبة شكاية اهمال الاسرة، وتم تأكيد غيابه بمحضر الدرك الملكي، وأنها بسبب الفقر وغياب المعيل اضطرت الى تغيير عنوانها بالقدوم الى مدينة الجديدة للعمل كمساعدة منزلية، وسعت الى تسجيل ابنها بمؤسسة تعليمية بهذه المدينة الا أن مدير المدرسة التي يتابع ابنها دراسته فيها رفض منحها شهادة المغادرة، كما راسلت المدير الإقليمي وتوصلت منه بجواب مفاده أنه لا يمكن لإدارة المؤسسة تسليم شهادة المغادرة الا لولي أمر التلميذ طبقا للمادة 236 من مدونة الأسرة التي تعتبر الأب وليا شرعيا على أبنائه، ملتمسة الاستجابة الى طلبها وتمكينها من شهادة المغادرة المدرسية. وأجابت المديرية الإقليمية للتعليم وهي الجهة المدعى عليها بأن المدعية سبق وأن تقدمت بطلب استعجالي أمام رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة الذي قضى فيه بعدم الاختصاص، ملتمسة التصريح بعدم الاختصاص في البت في القضية لكونها تدخل ضمن اختصاص قضاء الموضوع.
موقف المحكمة
اعتبر رئيس المحكمة أن صلاحية السهر على تمكين المدعية من شهادة المغادرة المدرسية الخاصة بالطفل هو اختصاص أصيل يعود الى النيابة العامة، ولا يستدعي اللجوء الى القضاء الاستعجالي ولا قضاء الموضوع اعتمادا على العلل التالية:
الدعوى أسست على أحقية المدعية كأم في طلب شهادة المغادرة حتى تتمكن من تسجيل ابنها بإحدى المؤسسات التعليمية المتواجدة قرب سكنها الحالي بعد اختفاء الأب وتحرير مذكرة بحث في حقه؛
بموجب المادة 54 من مدونة الأسرة “للأطفال على أبويهم مجموعة من الحقوق على رأسها التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع وعلى الآباء أن يهيئوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني”؛
تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها، وتسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ هذه المقتضيات.
تعليق على الأمر الاستعجالي
يعتبر هذا الأمر الاستعجالي نموذجا عمليا للصعوبات التي تواجه بعض الأمهات في القيام بالأمور الاستعجالية لأطفالهن، فوفق مدونة الأسرة يبقى الأب هو الولي الشرعي على الأبناء، ولا تنتقل الولاية الى الأم الا استثناء في حالة عدم وجود الأب أو فقد أهليته؛
ورغم أن القانون يعط للأم إمكانية القيام ببعض المصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب، إلا أن تفعيل هذا المقتضى التشريعي على أرض الواقع يواجه بتماطل الإدارات العامة التي تشترط على الأمهات ضرورة الادلاء بحكم قضائي، وهو ما يستغرق وقتا طويلا قد يفوت إمكانية القيام بالمصالح المستعجلة للأطفال خاصة إذا تعلق الأمر بحق أساسي كالتعليم أو الصحة؛
يتشبث مدراء المدارس الرافضون لتسليم الأمهات شواهد المغادرة الخاصة بأطفالهن بمضمون مذكرة وزارية تجعل الحق في الحصول على هذه الشواهد مقصورا على الأب لكونه ولي شرعي طبقا لمقتضيات مدونة الأسرة، وهو ما دفع عدة أصوات حقوقية للمناداة بإعادة النظر في المذكرة الوزارية المذكورة؛
الملاحظ في هذه القضية ورغم أن غياب الأب ثابت بمقتضى مذكرة بحت وبمقتضى محضر للشرطة، وهو ما يفرض أن تنتقل الولاية تلقائيا للأم للقيام بالمصالح المستعجلة للطفل، إلا أن إدارة المدرسة رفضت تسليم شهادة المغادرة للأم لتنقيل طفلها الى المدرسة المتواجدة في المدينة التي استقرت للعمل بها كمساعدة منزلية، بل وتصدت مديرية التعليم لمختلف الدعاوى الاستعجالية التي رفعتها الأم، ملتمسة التصريح بعدم الاختصاص للقضاء الاستعجالي لكون صلاحية البت يعود للقضاء العادي بالرغم من طول إجراءات التقاضي دون ان تلتفت لحق الطفل في التمدرس، ولمخاطر طول إجراءات التقاضي على متابعة الطفل لدراسته، بعدما اضطر الى مغادرة المدرسة فعليا لمرافقة أمه، والتي اضطرت بدورها الى طرق أبواب القضاء الاستعجالي بالمحكمة الابتدائية العادية، ثم الانتقال الى القضاء الإداري الاستعجالي في سبيل تأمين حق طفلها في متابعة دراسته؛
اعتبر رئيس المحكمة الإدارية أن تخويل الأم شهادة المغادرة المدرسية لابنها لا يستدعي اللجوء الى القضاء الاستعجالي أو قضاء الموضوع وانما تبقى الصلاحية موكولة لمؤسسة النيابة العامة لكونها الساهرة على تطبيق المقتضيات المتعلقة بحقوق الطفل طبقا للمادة 54 من مدونة الأسرة.
من المأمول أن يسهم هذا الاجتهاد الجديد للقضاء الاستعجالي الإداري –الذي يأتي عكس أحكام قضائية سابقة في تقليص الصعوبات التي تواجه الأمهات في القيام بالمصالح المستعجلة لأطفالهن، وذلك بتكريس التدخل التلقائي للنيابة العامة كطرف رئيسي في قضايا الأسرة، وهو دور يمكن تعزيزه من خلال آلية التنسيق داخل خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالمحاكم والتي تترأسها النيابة العامة ومن أعضائها ممثلون عن مختلف القطاعات الوزارية من بينهم وزارة التربية والتعليم.