أكد وزير الصحة، أنس الدكالي، على أن الانتشار الرهيب لظاهرة تزييف الأدوية أصبح واقعا يمس جميع بلدان العالم خاصة القارة الإفريقية، مشيرا إلى أن شبكات الجريمة المنظمة تتحكم في هذه التجارة التي وصل حجمها سنة 2010 إلى 75 مليار دولار، وهي مواد أصبحت تهدد صحة المريض والأمن الصحي داخل البلدان، مشددا على أن المغرب الذي جعل التعاون خيارا استرتيجيا للنهوض بعلاقاته المتعددة الأطراف، خاصة مع بلدان القارة السمراء، يبذل في هذا الإطار جهودا حثيثة من أجل بلورة خارطة طريق ووضع استراتيجية متكاملة لاستهداف مكافحة والقضاء على الأدوية المزيفة وطنيا وإقليميا.
وكشف أنس الدكالي، خلال افتتاح أشغال المناظرة الوطنية للدواء والمواد الصحية المنظمة تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس، في دورتها الثانية، التي اختتمت زوال أول أمس السبت، معطيات إحصائية تظهر الحجم الخطير لتجارة الأدوية المزيفة عبر العالم والقارة السمراء، حيث تمثل نسبة تتراوح ما بين 6 و15 في المائة من الأدوية التي تروج في السواق.
وأضاف الدكالي أن تجارة الأدوية التي يتم ترويجها عبر الانترنت، أظهرت أن دواءين على الأقل من الأدوية التي يتم شراءهما عبر هذه الشبكة، تكون مزيفة أو لا تستجيب تركيبتها للمعايير الموضوعة، في حين يتراوح حجم الأدوية المتداولة في بلدان القارة الإفريقية ما بين 30 إلى 70 في المائة، حسب كل بلد وفق إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية، إذ أن الأودية المزيفة تقتل يوميا مئات المرضى بالقارة السمراء، فمثلا بالنسبة للأدوية المخصصة لعلاج داء الملاريا فهي تودي بحياة 60 ألف شخص.
وربط المسؤول الحكومي انتشار هذه الظاهرة بتنامي الطلب على الأدوية فضلا عن وجود الفساد والرشوة، ومحدودية عمل الأجهزة الرقابية أو غيابها، وغياب ترسانة قانونية دقيقة، الأمر الذي يساعد شبكات الجريمة المنظمة على نشر نشاطها عبر عدد من بلدان القارة الإفريقية، لافتا إلى أن بلدان القارة باتت مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بتأمين توافر الأدوية وتيسير الوصول المادي والمالي إليها، مع ضمان احترام الأخلاقيات الطبية والصيدلانية. وأكد في هذا الصدد على الرهان الذي ينبغي رفعه لضمان استدامة جهود التعاون جنوب جنوب عبر تطوير شراكات فاعلة، بحيث تكون محفزة لقطاع الصحة ومكافحة الأدوية المزيفة، وأشار في هذا الإطار إلى الدور البالغ الأهمية الذي يمكن أن يلعبه القطاع الصيدلي المغربي داخل القارة على هذا المستوى، خاصة بعد الإصلاحات الهيكلية العميقة التي أطلقها المغرب خلال السنوات الأخيرة، بتوجيهات ملكية، من أجل ضمان تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، حيث لعبت الصناعات الصيدلية دورا هاما من خلال ضمان توفير 40 ألف منصب شغل وتحقيق ما بين 1 إلى 2 في المائة من حجم الناتج الداخلي الخام، فضلا عن مساهمتها القوية في محاربة التزوير والغش في الأدوية، فضلا عن أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية متنوعة وغنية تجنب البلاد هذه الآفة، وبنية مؤسساتية للمراقبة أبانت عن نجاعتها ممثلة في المختبر الوطني لمراقبة الأدوية .
ومن جهته، أكد محسن الدوسري، الوزير المفوض مكلف بالصحة لدى الأمانة العامة لمجلس التعاون لبلدان الخليج، على الإرادة السياسية واعتماد خيارات صارمة لمواجهة خطر الأدوية المزيفة، قائلا” لا و جود لحل بسيط فظاهرة تزييف الأدوية أخذت بعدا عالميا، ويتعين على كل دولة وصع الخيارات المناسبة وإظهار الإرادة السياسية في مكافحتها”.
وأشار إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، بمشاركة المغرب بذلت جهودا ملموسة لمكافحة تزوير الأدوية، حيث قامت بإنشاء لجنة مراقبة الأدوية تحرص على أن تكون الأدوية مصحوبة بالشهادات اللازمة، مشيرا إلى أن الاجتماع الأول الذي نظم بالرباط سنة 2014، تم خلاله تبني خطة متكاملة تشمل مراقبة الأدوية والأمن الصحي، والمراقبة واليقظة الدوائية”، لافتا على هذا المستوى إلى الدور الحيوي الذي قامت به مديرية الأدوية والمستلزمات الصحية التابعة لوزارة الصحة المغربية.
هذا وأوصى المشاركون في ختام أشغال هذه المناظرة على ضرورة تملك بلدان القارة السمراء لترسانة قانونية شاملة ومتكاملة لمحاصرة ظاهرة الأدوية المزيفة، خاصة وأن الأمر يتعلق بجريمة مزدوجة تقترف ضد الصحة وضد المجتمع، منبهين في ذات الوقت على ضرورة الاحتياط من تشويه جهود الصناعة الصيدلانية، لكونه يعد هو أيضا ضحية للشبكات الإجرامية التي تنشط في المجال، مشددين على الدول بخفض أثمان الأدوية لجعلها في متناول المرضى الفقراء.
هذا مع ضرورة عدم الاكتفاء بالتشريع بل ينبغي القيام في ذات الوقت بحملات تحسيسية وسط الرأي العام حيال الأخطار التي تمثلها الأدوية المزيفة، وتحذيرهم من اللجوء إلى المسارات التقليدية في العلاج، لكونها ليست الحل.
وأشار مارك جانتيلي، المندوب العام لبرنامج الولوج للأدوية ولصحة ذات جودة بمؤسسة جاك شيراك، في هذا الصدد “إلى أن مكافحة الأدوية المزيفة يمر بالضرورة عبر إقناع قادة الدول بالمخاطر التي تمثلها هذه الأدوية على الصحة العامة وضرورة مضاعفة الجهود باعتماد سياسية حقيقة يتم التحرك عبرها باستهداف الفساد في جميع المستويات التي ترتبط بالمنظومة الصحية”
من جهتها، شددت مفوضة الصحة العامة لوكالة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا، نانسي بييه يانج، على أن مكافحة الأدوية المزيفة في إفريقيا تتطلب مواءمة السياسات الوطنية، ووضع ترسانة قانونية قوية وتعزيز التعاون في مجال الصحة، وأكدت في هذا الصدد على أهمية التعاون جنوب-جنوب في مجال الصحة من أجل وضع سياسات وطنية فعالة وتقاسم الخبرات والممارسات الجيدة بين البلدان الإفريقية، مجددة الإعلان على أن مكافحة ومحاصرة تزييف الأدوية يشكل تحديا حقيقيا للبلدان الإفريقية التي تعد الأكثر تضررا، حيث تمثل المواد المزيفة 60 في المائة على مستوى أسواق الأدوية في بعض البلدان.
فنن العفاني