أيها اللصوص أتركوا قصائدي وشأنها

 أحبتي، تمت سرقة قصائد الهايكو التي كنت أنشرها على الفايسبوك تحت عنوان “وشوم على الحائط” من شعراء فيسبوكيين، منهم من نسخ الصور الشعرية بمعجمه الخاص وحوره كما يحلو لمزاجه في “تلاص واضح”، ودمج جل هذه القصائد في قصيدة واحدة، ليحظى بلايكات مجانية وقائمة مدح طويلة وعريضة، وسارع بنشرها أيضا على إحدى المواقع الإلكترونية. ومنهم من هو حاذق في قنص الشرارات الأدبية، أخذ الصور الشعرية بدون عناء ولا جهد فكري ليعيد صياغتها بأسلوب ركيك. أريد أن أعرف شيئا واحدا فقط: كيف يشعر هؤلاء المنتحلون صفة لصوص الأدب في جنح النهار بالرضا عن ذاتهم المزعومة، وهم يغرقون في أوهام سيل من المدح والمجاملة من أجل قصائد لم ترو بدمائهم، ولم يشعروا قط بمخاضها، ولا اكتووا حرقة بنارها مذرفين الدموع على البياض؟
 إنهم يلجؤون لكل هذه الحيل التي لا تنطلي على أحد لضعف أفقهم الشعري وفقر في خيالهم الفكري ولأنهم “إنشائيون جدا”، فعدتهم هو الترقب والقنص من أجل الإجهاز على الجهود الفكرية للآخرين بلا وجل ولا ذرة استحياء. لن أذكر الأسماء حفاظا على كرامتهم لكن السارقون سيعرفون أنفسهم بأنفسهم بمجرد أن يقرؤوا هذا البيان (هذا إذا كانت عندهم كرامة في الأصل).
 هذه خيانة للشعر قبل أن يخون هؤلاء ضمائرهم الميتة.. ومن شر بلائهم، القصيدة تبكي بحرقة طعناتهم الغادرة.
 أيها الأحبة، لا بد من وقفة تأملية لهذا المشهد الثقافي الموبوء. ولا أتكلم هنا عن المعجم اللغوي الذي هو معين كل الشعراء ولا عن المواضيع المشتركة التي يكتب فيها الشعراء، بل أتكلم عن السرقات الأدبية الذي تأخذ شكل التناص وما هو بتناص، إنما سرقة موصوفة للنصوص الأدبية بصورها الشعرية وأشكالها التعبيرية عن سبق إصرار وترصد وفي غفلة من كاتبها الحقيقي. والغريب في الأمر أن السارق معجب جدا بنفسه وتجده يتشبث دائما بما يسرقه أكثر من صاحب النص ليتباهى به أمام الناس، ولم لا وهي غنائم نفيسة وثمينة لا يقدر عليها إلا الراسخون في النصب والاحتيال.
 لقد ضقت درعا بما يحدث لي من سرقات أدبية متواصلة من أشخاص أعتبرهم أصدقا،ء ومن آخرين مؤخرا لم أكن أعرفهم، حتى تفاجأت بسرقاتهم الأدبية الموصوفة، منهم من تاجر بها في مجلات خليجية ومنهم من سارع إلى طبعها في ديوان على نفقته الخاصة عبر اغتنام فرصة تسجيل القصائد صوتا وصورة في اللقاءات الشعرية، من دون أن يأخذوا إذنا منك. كنت أسكت عن هذه السلوكات الغير أخلاقية في حق نصوصي لسبب بسيط جدا هو أنني أحترم الصداقة، ولا أريد أن أجرح مشاعر الآخرين. وكنت أقنع نفسي دائما بأن هذه الحالات هي حالات عرضية لن تتكرر وخاصة من نفس الأشخاص. اكتشفت فيما بعد أن بعض الصداقات أكبر شرك ينصبه الآخرون لك لكي يمصوا دماء قصائدك لتعاني من الشحوب الدائم ويجنوا من ورائك الشهرة الزائفة. ولأنني أصمت احتراما وتقديرا لأناتهم المنتفخة، أجد نفسي قد تواطأت معهم بشكل غير مباشر في النصب علي.
هل يستوي السارق والكاتب؟
الذي يمتهن سرقة كتابات الآخرين هو شخص ضعيف وأناني ولا يلزمه أي مستوى تعليمي ولا مستوى فكري لكي يصبح شاعرا في خمسة دقائق، يكفيه النقر بأصبع واحد على ما لذ وطاب من مقاطع شعرية ثم النسخ واللصق، ونقرة أخرى لينشرها على المواقع الإلكترونية، لتأتيه بعد ذلك الغنائم والولائم تباعا وطنيا وعربيا. أما الكاتب الحقيقي فيلزمه سنوات طويلة بكل فصولها المتنافرة ولياليها المؤرقة، لكي يجمع حفنة قصائد في ديوان قد تجد حظها في النشر أو يتركها مسودات في دولاب بئيس.
 أيها الأحبة، إننا نعيش الانحطاط الفكري والأخلاقي، ولن نرقى بالأدب إذا سمحنا بجواز هذا “التشرميل الأدبي”، ليتمكن من تثبيت جذوره في الأعماق. لهذه الأسباب سأتوقف عن نشر قصائد الهايكو لأنني بصراحة لا أريد أن يتفرق دمي عند قبيلة الشعراء المشبوهين، ولأنني أيضا أحترم ذكاء القارئ النبيه.

بقلم: كريمة دلياس

Related posts

Top