في لحظة متميزة تميز التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية في المحيط الإقليمي والعربي للمغرب، والذي اختار الإقرار بأخطاء جسيمة لحقوق الإنسان، والاستجابة لمطالب التسوية العادلة ووضع ضمانات عدم التكرار، ووسط حضور ضم وزراء أولين لحكومات سابقة ووزراء في الحكومة المنتهية ولايتها، وفعاليات تنتمي لمختلف الأطياف السياسية والحقوقية والمدنية، قدم شوقي بنيوب وامبارك بودرقة عضوا هيئة الإنصاف والمصالحة مذكرات كتباها بشكل مشترك في كتاب حمل عنوان “كذلك كان”.
“وكذلك كان”، بما يحمله بين دفتيه من أحداث وحوارات ومسارات سبقت مرحلة الإعلان عن تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، وما تلى ذلك من تقصي وتحري للوقوف على حقيقة ما جرى ونبش في سراديب ظلت طي كتمان من كانوا مسؤولين عنها، أو من كانوا بالقرب منها، أعلن من خلاله الحقوقيان شوقي بنيوب وامبارك بودرقة أن لحظة البوح قد حلت خاصة بعد أن مرت أكثر من عشر سنوات، على تجربة كان من بين الفاعلين في تدبير مسارتها، البوح بمنطوق أحداث وشخوص تجربة فريدة عاشها المغرب حينما قعد للعدالة الانتقالية التي انطلقت بتأسيس الهيئة المستلقة كآلية تابعة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وتوجت بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة.
خلال هذا اللقاء الذي حضره كل من الوزير الأول لحكومة التناوب عبد الرحمان اليوسفي، وكذا إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، ورئيس الوزراء الأسبق عباس الفاسي، ووزير العدل والحريات مصطفى الرميد، والوزير المنتدب في الداخلية الشرقي الضريس، ونبيل بنعبد الله الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية ووزير السكنى وسياسة المدينة، وإلياس العماري، الأمين العام لحزب الاصالة والمعاصرة، وإدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، ونبيلة منيب رئيسة فيدرالية اليسار، وعدد كبير من الحقوقيين والسياسيين وفعاليات من المجتمع المدني، أشاد المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، بإصدار هذه المذكرات التي تأتي لتقدم تجربة فريدة في مجال العدالة الانتقالية والتي اختار المغرب طوعا إطلاقها، وهي التجربة التي تتميز بكونها جاءت في إطار نفس النظام السياسي، مبرزا أن خصائص التجربة المغربية في العدالة الانتقالية لم تكن إملاء فوقيا، ولم تأت بشكل فجائي أو قرار أحادي من الدولة، بل جاءت في إطار صيرورة، وشكلت تفاعلا إيجابيا بين النظام والفاعلين الحقوقيين.
وأوضح المحجوب الهيبة، الذي عاش رفقة الكاتبين ما تضمنته مذكراتهما، تجربة البحث عن الحقيقة، الآثار العميقة التي كانت للتوصيات الصادرة على هيئة الإنصاف والمصالحة على مسار الإصلاحات الديمقراطية في المغرب، واصفا تلك التوصيات بالتوجيهية حيث تم تضمينها في المتن الدستوري لسنة 2011، بل وشكلت أحد المصادر الأساسية لمقتضياته، سواء فيما يتعلق بالجانب المعياري أو المؤسساتي أو بتقوية السلطة القضائية، أو بتعزيز فصل السلط.
وأبرز المحجوب الهيبة أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تكن وسيطا بين الدولة والضحايا بل كانت آلية لتدبير مسار وطني، يهم اختلالات الماضي.
من جهته، وصف الأكاديمي نورالدين أفاية كتاب “و كذلك كان” بـ “المجهود التوثيقي الاستثنائي لتجربة غير مسبوقة في المجال العربي والمتوسطي”، حيث عرض الكاتبان، بحكم دورهما داخل هيئة الإنصاف والمصالحة تفاصيل لتجربة “سياسية وثقافية بكل ما تحمله من رمزية ميزت المغرب في محيطه العربي والإقليمي، وقدمته كنموذج للمصالحة مع المواطن ومع الذات”.
واعتبر أفاية أن هذه المذكرات تعد دعوة مجددة لتحسين البناء الديمقراطي وتحقيق الكرامة، مشيرا إلى أن تجربة الإنصاف والمصالحة التي خاضها المغرب بكل شجاعة وجرأة مهدت الطريق لربط “علاقة أكثر ديمقراطية بين الدولة والمجتمع”.
من جانبه، اختار النقيب مصطفى الريسوني الذي عاش بدورة التجربة مع صاحبي المذكرات، الإشادة بخصال الكاتبين النضالية وحسهما وأخلاقهما الرفيعة وحكمتهما المتواصلة وكفاءتهما والتي انعكست داخل هيئة الإنصاف والمصالحة.
فنن العفاني