ظلت الساحة الثقافية المغربية تعاني من خصاص فادح في ما يخص المجلات الورقية التي تعنى بالأدب والفكر والفنون؛ فبعد مصادرة مجموعة من عناوين المجلات الجادة التي كان لها دور فاعل في تجديد حركتنا الثقافية ذات زمن بعيد ومشرق، ساد الجمود واضطر بعض الأدباء والمبدعين إلى البحث عن منفذ خارج المغرب لإيصال إنتاجاتهم، كما لعبت الملاحق الثقافية للجرائد الحزبية بالخصوص ولا تزال، دورا أساسيا في خلق متنفس لتلك الأقلام، وطبعا كانت هناك محاولات لإصدار مجلات جديدة من طرف مجهودات فردية، غير أنها لم تستطع أن تصمد أمام إكراهات السوق، وبالموازاة مع ذلك استمرت بعض الجمعيات الثقافية من قبيل اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر والشعلة للتربية والثقافة وغيرها من الجمعيات المحدودة العدد؛ في إصدار أعداد من مجلاتها الخاصة، إلا أن ذلك لم يكن يتم بشكل منتظم، حيث يحدث في كثير من الحالات أن يفصل بين عدد وآخر أكثر من سنة، إلى حد أننا ننساها أو نعتقد أنها توقفت بالمرة، ولا شك أن ذلك مرتبط بوجود السيولة المالية.
وحاليا هناك جمعيات ومؤسسات، صارت تستفيد من منحة دعم الدولة لإصدار أعداد جديدة من مجلاتها، غير أن ذلك يعد غير كاف، ما دام أصحاب المجلات المدعمة لم يتمكنوا من تحقيق نجاح على مستوى التسويق، يسمح لهم بأن يدعموا مجلتهم بأنفسهم، دون انتظار منحة من هذه الجهة أو تلك.
لكن الثورة التي تحققت، إذا جاز تسمية ما أريد التحدث عنه بالثورة، هو ما قامت به وزارة الثقافة الحالية، حيث قامت بإعادة الحياة لمجموعة من المجلات، بعد أن أصاب القراء والمتتبعين اليأس من إمكانية عودة تلك العناوين إلى السوق، بحلة جديدة وبتصور متطور.
عادت مجلة الثقافة المغربية
عادت المناهل
عادت كذلك مجلة الفنون
وهناك في الطريق إلى السوق مجلة خاصة بأدب الطفل، بعد أن تم تعيين طاقمها التحريري.
أربعة عناوين مجلات ورقية تعود إلى الحياة في فترة متقاربة جدا، شبيهة بيوم الحشر، إذا جاز التعبير، لا يسع المرء إلا أن يشيد بهذه الفورة التي من شأنها أن تخلق حركية على مستوى الإنتاجات التي تعنى بها تلك المجلات؛ فمن الملاحظ على سبيل المثال أن النقد الفني ببلادنا، سواء في مجال السينما أو التشكيل أو المسرح أو غير ذلك، يعد شبه منعدم، بالنظر إلى أنه لم يكن يجد متنفسا حقيقيا ومحفزا على التعبير، ولا شك أن مجلة الفنون ستقوم بملء هذا الفراغ، بدليل أن إدارة تحرير هذه المجلة اضطرت إلى تأجيل نشر كم هائلا من المراسلات النقدية، وكما يقول المثل الشعبي:
حرك الما يبان العطشان.
الأمر نفسه يسري على باقي عناوين المجلات العائدة إلى الحياة.
يظل هناك إشكال، وهو المتعلق بمستوى الإقبال على قراءة هذه المجلات، سيما وأن هناك مؤشرات على تعثر عملية التوزيع، هذا يشكل تحديا حقيقيا في عصر الثقافة الرقمية والعوالم الافتراضية، فمثلا الإصدار الأول من مجلة الثقافة المغربية في حلتها الجديد لم يوزع بعد في السوق، رغم مرور عدة شهور على تنظيم حفل الدعاية لصدوره، تم الاكتفاء لحد الآن بعرضه في رواق الوزارة خلال الدورة الأخيرة من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، وطبعا هذا يعد غير كاف لترويج وتسويق المجلة أو أي كتاب آخر، سواء في هذا المعرض أو في غيره.
يبقى التأكيد على أن إعادة إحياء المجلات المذكورة، يعد مبادرة شجاعة، وينبغي أن لا تكون رهينة بالولاية الحالية للوزارة المشرفة عليها، بل من الواجب اعتبارها مكتسبا لا تراجع عنه، مهما تعاقب المسؤولون ومهما تلاحقت الحكومات.
عبد العالي بركات