إلغاء عقوبة الإعدام

تقرير منظمة العفو الدولية حول واقع عقوبة الإعدام عبر العالم، والذي جرى تقديمه في الأسبوع الماضي، أعاد إلى الواجهة مطلب إلغاء العقوبة القصوى في بلادنا، وجدد التعبير عن تطلع الحقوقيين والقوى الديمقراطية لكي تقدم بلادنا على هذه الخطوة في القريب.
تفيد أرقام أمنيستي ومنظمات دولية أخرى، أن نصف دول العالم اليوم ألغت هذه العقوبة اللاإنسانية في القانون أو في الممارسة، وأوروبا صارت كلها خالية من عقوبة الإعدام، باستثناء بلد واحد هو بيلاروسيا، كما أن القارة الأمريكية، من جهتها، دفنت هذه العقوبة ما عدا بعض الولايات داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وفِي إفريقيا نفسها، هناك 38 دولة ألغت العقوبة من أصل 54 بلدا، والدول المتبقية داخل القارة هي تلك المنتمية إلى جامعة الدول العربية، على غرار: المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا، ليبيا، السودان، الصومال ومصر.
يعني هذا إذن وجود دينامية كونية متنامية لفائدة إلغاء عقوبة الإعدام، ومعظم شركاء المملكة ينخرطون في ذلك، علاوة على تنامي هذا التوجه العام داخل إفريقيا نفسها، وهو ما يفرض على المغرب الانخراط، بدوره، ضمن هذا الاتجاه الإنساني، وتسريع إعلان بلادنا “منطقة خالية من عقوبة الإعدام”.
من جهة ثانية، هناك توصية واضحة نادت بها، من قبل، هيئة الإنصاف والمصالحة بهذا الخصوص، وهناك مقتضى دستوري تضمنه دستور 2011 على ضوء ذلك، كرس، بدوره، لأفق الانتصار للحق في الحياة، ويمكن اعتبار ذلك بمثابة ركيزتين مرجعيتين لتأسيس الخطوة المطلوبة، بالإضافة إلى أن عددا من الأحزاب الوطنية، وأغلبها تتواجد ضمن التحالف الحكومي وفِي البرلمان، سبق أن أبدت تأييدها لإلغاء عقوبة الإعدام، ودعمت تشكيل “شبكة البرلمانيات والبرلمانيين ضد عقوبة الإعدام”، وكانت أيضا وراء تقديم مقترح قانون من أجل إلغاء العقوبة، كما أن بعضها كانت أدرجت مطلب إلغاء عقوبة الإعدام ضمن مذكراتها في إطار إعداد خطة إصلاح العدالة، ومنها هيئات تتواجد ضمن هياكلها القيادية شخصيات حقوقية مناضلة ومعروفة، وكل هذا يفرض اليوم على القوى المعنية الانتقال بمقترحاتها والتزاماتها من القول إلى الفعل، ومن ثم حث بلادنا على الخروج من دائرة التعبير عن النوايا إلى التكريس الفعلي للخطوة في القانون.
صحيح أن بلادنا لا تنفذ العقوبة القصوى منذ حوالي ربع قرن، وهذا في حد ذاته إيجابي، ولكن بالنظر لكل ما سلف من اعتبارات يجب اليوم الإقدام على خطوة أخرى إلى الأمام، من شأنها رفع الازدواجية عن خطاب المملكة وموقفها بهذا الخصوص، وبالتالي الانضمام إلى الدول التي ألغت عقوبة الإعدام من قوانينها وتوقفت محاكمها عن النطق بها، بالإضافة إلى وقف تنفيذها في الواقع والممارسة، وأن تتزعم داخل الاتحاد الإفريقي ريادة الاتجاه الإنساني الملتزم بقيم حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه كونيا، وأن تكرس تميزها وتفرد ديناميتها الديمقراطية داخل الفضاء العربي والمغاربي.
الحكومة الجديدة يجب أن تبعث للوسط الحقوقي الوطني والكوني هذه الرسالة، وأن ترسخ موقع بلدنا ضمن الدول الديمقراطية المنخرطة في دينامية النهوض بحقوق الإنسان، وذلك عبر إلغاء عقوبة الإعدام بشكل تام من قوانينها، ومن خلال تعزيز إصلاح قانون المسطرة الجنائية ومراقبة ومنع التعذيب وتأهيل عمل قوات الأمن وتمتين استقلالية القضاء وتطوير آليات محاربة الفساد، وأيضا منع العنف ضد النساء وتطوير المساواة، وبالتالي ضمان كافة الحقوق لشعبنا، مدنية وسياسية، وأيضا اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية، وتشديد التعبير عن الالتزامات الصريحة لبلادنا بذلك وبأجندة التطبيق على أرض الواقع، بما يتيح للمواطنات والمواطنين تلمس الأثر في حياتهم المباشرة.
البرنامج الحكومي مناسبة سانحة للتعبير عن هذا الأفق وتقديم الإشارات في هذا الاتجاه.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top