أسدل الستار عن مشروع “الإدارة المتكاملة للموارد المائية والدفع مقابل الخدمات، في سياق تغير المناخ في منطقة تانسيفت (GIREPSE)”، هذا البرنامج البيئي الذي سبر أغوار أهم منطقة بالمغرب الممتدة فضاءاتها بالحوض المائي تانسيفت والتي تضم موارد طبيعية استثنائية ومنتجعات جبلية جميلة وساكنة بشرية متأقلمة مع مسالك ومجالات جغرافية خطيرة.
وتتميز المنطقة بارتياد مهم للسياح المحليين والعالميين خاصة خلال فصل الصيف. كما عرفت بخطورة وكثافة فيضاناتها، وأشهرها الفيضان المميت الذي وقع يوم 17 غشت 1995. ولا جدال أن تغير المناخ بالمنطقة يعد السبب الرئيسي لهذا الوضع الصعب فضلا عن الأنشطة البشرية المختلفة التي تؤدي إلى تدهور التربة والغطاء النباتي بالأراضي الغابوية والحقول الزراعية، وبالتالي تسارع مظاهر التعرية وتدفق المياه السريعة.
من هنا جاء مشروع بحث التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت (GIREPSE)، ليمتد برنامجه إلى ما يناهز 42 شهرا من الدراسات والرصد واستكشاف مواطن الهشاشة والعزلة في المجالات السوسيو- اقتصادية والبيئية بحوض تانسيفت وخصوصا حوض أوريكا.
وتضمن المشروع مجموعة من الأبحاث التي همت عدة مجالات تروم الكشف عن المحددات المؤثرة على المياه وإدارتها وديناميكيتها على الاستخدامات المختلفة، وذلك من خلال رسم المحددات الأساسية الفيزيائية الحيوية، والاجتماعية والاقتصادية، وتأثير هذه المحددات، ثم رصد نقاط الضعف القطاعية على مستوى تغير المناخ وتحديد قوى التغيير التي تضغط على نظام الطلب وإمدادات المياه بحوض أوريكا. هذا فضلا عن المشاكل التي من المحتمل أن تسببها هذه الديناميكية في المجال الاقتصادي المحلي وعلاقات التوازن التي تحكم السياق الاجتماعي والاقتصادي والإيكولوجي.
وعرض المشاركون في الورشة الختامية للمشروع، المنعقدة مؤخرا بمدينة مراكش، الملامح الكبرى التي تم رصدها بالمنطقة. وتناولوا بالدرس والتحليل التوصيات الاستراتيجية للإدارة المتكاملة للموارد المائية مع مراعاة الدفع مقابل الخدمات البيئية في سياق التكيف مع تغير المناخ. كما قدموا الرؤى الاستراتيجية للتدبير المندمج للموارد المائية على أساس فهم الوضع الحالي واتجاهات المجال البيوفيزيائي والاجتماعي والاقتصادي، وكذا تدبير إمدادات وطلب المياه بمنطقة تانسيفت عامة، والتي تحتاج الى استراتيجية تراعي الدفع مقابل الخدمات البيئية باعتبارها بعدا استراتيجيا للتكيف وبناء قدرة النظم البيئية والمجتمعات المحلية وتعزيز الوظائف الإيكولوجية، لا سيما الخدمات الهيدرولوجية.
ولا تكتفي مختلف الأبحاث والدراسات المنجزة بالجانب النظري بل جاوزت مساعيها إيجاد حلول عملية للتأقلم والإبداع لصد الظواهر المناخية وكذا التكيف مع آثارها، وتحويل مخرجات الأبحاث إلى نتائج تنعكس إيجابا على الساكنة المحلية ومحيطها الطبيعي ومنظومتها البيئية.
وكرس مشروع “بحث التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت” (GIREPSE) مهامه البحثية حول إدارة المياه ودفع مقابل الخدمات البيئية في سياق تغير المناخ، وذلك أمام التدهور الملفت للنظم الإيكولوجية. وتمت صياغة خارطة طريق ستنعش المنطقة وساكنتها وتجد بديلا سوسيو- اقتصاديا. وخلق المشروع ديناميكية وتفاعلا محليا من خلال تبادل المعلومات ووجهات النظر بين مختلف أصحاب المصلحة، ذلك أن المنطقة شهدت بفضل المشروع حراكا تنمويا جليا من خلال إدماج المرأة القروية في المنظومة البيئية والمحيط السوسيو-اقتصادي عبر تأسيس ودعم تعاونيات نسائية تهدف إلى المساهمة في حل مختلف الاشكالات البيئية وتأقلم الساكنة المحلية مع التغيرات المناخية. كما تنشد تحسين الوضع المعيشي عبر خلق فرص الشغل وتوفير دخل مادي للنساء المنخرطات. وباتت بعض التعاونيات رائدة في أنشطتهن في بمنطقتي “أوريكا” و”ستي فاضمة” و”أوكايمدن” كتعاونية نساء الحوز لتدوير وتثمين النفايات الصلبة وتعاونية تثمين نفايات البلاستيك والنفايات العضوية عبر صناعة الحلي والسماد الطبيعي.
وأفاد عبد اللطيف الخطابي أن اتخاذ القرار في مجال البيئة لا يعتمد على المعرفة العلمية فحسب، بل يعتمد أيضا على فهم التفاعلات بين الانسان والبيئة. ويعتبر الدمج الملائم للمعرفة العلمية وفقا لمنطق تداولي يضمن الحكم على العلم كأساس موثوق به لاتخاذ القرارات من قبل جميع الأطراف المعنية أو المتضررة. وفي هذا السياق استهدف المشروع العمل كذلك على زيادة وعي أصحاب المصلحة وتطوير آليات صنع القرار الخاصة بهم في تصميم الاستراتيجيات المناسبة للتكيف مع تغير المناخ والحفاظ على الخدمات البيئية.
واستعرض بعض المستفيدين من المشروع ومرافقيه من باحثين ومجتمع مدني وإعلام، ومؤسسات حكومية وغير حكومية، شهاداتهم التي أجمعت على نجاح المشروع وأهميته في خلق تنمية دينامية محلية. وعبروا عن رغبتهم في المساهمة في تنفيذ نتائجه بغية الحفاظ على البيئة الطبيعية وتحسين رفاهية الساكنة المحلية وأملهم في نقل التجربة إلى مناطق أخرى.
يشار أن الورشة الختامية شهدت مشاركة 120 شخصا يمثلون مختلف القطاعات المتدخلة من جامعات ومنتخبين وقطاع خاص وجمعيات وتعاونيات وطلاب، فضلا عن ممثلي وسائل الإعلام.
< محمد التفراوتي