كبد قرار المغرب استثناء موانئ الجارة الشمالية من عملية “مرحبا 2021″، في ظل الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة المتفاقمة بين البلدين، خسائر مالية فادحة تقدر بملايير الدراهم.
وكانت إسبانيا تراهن على عملية العبور التي دأب المغرب على تنظيمها من الموانئ الإسبانية “Operacion de estrecho”، لإعادة الحياة الاقتصادية إلى عدد من القطاعات السياحية المهمة، التي أصابها الشلل لأزيد من سنة على خلفية انتشار فيروس كورونا كوفيد19، إلا أن كل توقعاتها ورهاناتها تبخرت عقب قرار المغرب عودة جاليته بشكل حصري من نفس موانئ العبور المستعان بها العام الماضي، أي على متن السفن من مينائي مرسيليا وسيت الفرنسيين، بالإضافة إلى السفن القادمة من جنوة الإيطالية.
وكانت السلطات المغربية، أعلنت “بشكل ضمني” الاستغناء عن نقاط العبور البحري على مستوى إسبانيا في عملية “مرحبا 2021″، حيث أكدت أن العملية ستتم انطلاقا من نفس موانئ العبور التي تم العمل بها السنة الماضية.
وجاء في بلاغ لوزارة الخارجية، أن عودة المواطنين المغاربة القاطنين بالخارج، بحرا، في إطار عملية “مرحبا 2021″، ستتم انطلاقا من نفس نقاط العبور البحري التي تم العمل بها خلال السنة الماضية ووفق الشروط الصحية المحددة، مع التنبيه إلى أنه بالإضافة إلى تحليل PCR الذي أدلوا به لركوب الباخرة، سيخضع الوافدون لتحليل PCR ثان خلال الرحلة توخيا لأقصى درجات السلامة الصحية لهم ولذويهم.
يشار إلى أن السلطات المغربية قررت استئناف الرحلات الجوية من وإلى المملكة ابتداء من يوم الثلاثاء 15 يونيو 2021. وستتم هذه الرحلات في إطار تراخيص استثنائية بالنظر إلى كون المجال الجوي للمملكة مازال مغلقا.
ضربة موجعة
ووصفت بعض الأوساط الإسبانية قرار الرباط بـ”الضربة الموجعة” لمدريد في عز الأزمة السياسية بينهما، لكون الخطوة لن تؤثر سلبا على الجزيرة الخضراء وطريفة فقط، بل على مناطق واسعة من التراب الإسباني، حيث كان يستفيد سكانها من مرور مئات الآلاف من المغاربة ذهابا وإيابا.
وحسب معطيات إحصائية، فقد بلغ عدد السفن التي زارت المغرب من موانئ إسبانيا برسم عملية “مرحبا 2019″، حوالي 800 ألف مركبة بحرية، استفادت من مداخيل مالية مهمة أداها 3 مليون مهاجر مغربي، فضلا عن المهاجرين الذين استعملوا الطائرات، والمقدر عددهم بحوالي 5 ملايين فرد. وفي السنة نفسها، عبر 38 في المائة من إجمالي الجالية المغربية المقيمة بالخارج الممر البحري الرابط بين إسبانيا والمغرب.
اعتراف تاريخي
وفي هذا السياق، وبعد أن كانت جل الجرائد الإسبانية تخصص مساحات مهمة للتهكم على الجالية المغربية، والاستهزاء بها من خلال تسليط الضوء على بعض التصرفات الجانبية والمحدودة التي قد تعرفها عملية العبور، وجعلها قاعدة رسمية عامية تلصقها بكافة أفراد الجالية، وجدت نفسها هذه السنة مضطرة ولأول مرة في تاريخها، إلى إثارة الأهمية الكبيرة والدور الاستراتيجي الذي تلعبه هذه الجالية بالذات في تحريك عجلة الاقتصاد الإسباني.
وفي هذا الصدد، ذكرت جريدة لاراثون La Razon الإسبانية، أن المغرب ضيع على إسبانيا 1150 مليون أورو كعائدات مباشرة مصدرها أكثر من ثلاثة مليون مهاجر مغاربي يعبرون إسبانيا سنويا للحاق بالعبارات التي يسافرون فيها عائدين إلى بلادهم لقضاء عطلتهم الصيفية وذلك بعد قرار الرباط الأخير بإقصاء الموانئ الإسبانية من عملية مرحبا لهذه السنة إذ يأتي ذلك في خضم الأزمة الدبلوماسية الحادة بين البلدين.
واعتبرت الجريدة ذاتها، أن الأمر سيؤثر بشكل مباشر على كثير من القطاعات الحيوية مثل الفنادق، والمطاعم، ومحطات الوقود، ومداخيل تذاكر العبارات… كما سيكون له أثر سلبي على وضعية الشغل حيث من المنتظر أن يزداد عدد العاطلين خاصة بمنطقة الأندلس حيث يتم خلق فرص شغل كثيرة أثناء هذه العملية.
من جهتها، أكدت جريدة الإسبانيول En español، أن حجم الخسارة سيكون كارثيا لقطاع الموانئ حيث قالت إن ميناء الجزيرة الخضراء لوحده سيفقد أكثر من 11 مليون أورو وسيعرف تسريح ما يقارب 300 عامل.
وضع متأزم
كما أكدت الجريدة نفسها، من خلال تصريح عمدة مدينة الجزيرة الخضراء، إغناسيو لاندلوسي أن الموانئ الإسبانية تحملت كثيرا منذ بداية أزمة كوفيد 19 لكن قرار كهذا سيزيد الوضع تأزما وسيكون ضربة قاسية لهذا القطاع خاصة بإقليم الأندلس.
نفس الموقف عبر عنه رئيس جمعية مقاولات قطاع الموانئ حيث أكد على أهمية هذه العملية لإنعاش هذا القطاع حيث فقط توقف سفينة بإحدى مرافئ الميناء يضفي دخل بآلاف الأوروات لإدارة الميناء.
غضب حكومي
وأمام هذا الوضع المتأزم، خرج رئيس حكومة إقليم الأندلس مانويل مورينو بتصريح ناري ضد حكومة سانشيز وحملها المسؤولية الكاملة لما يقع. كما قال إنه ليس من المعقول أن يكون إقليم أندلسيا دائما هو الضحية أمام أي سوء تدبير حكومي لأزمة دبلوماسية مع المغرب البلد الحار.
بالمقابل، لم تغفل أصوات أخرى تحميل المسؤولية كذلك للجانب المغربي على غرار ما صرح به ميغيل ألبرتو دياز رئيس النقابات العمالية بمنطقة الجنوبية حين اعتبر أن هذا الإجراء سيطيل من هذا الوضع المؤلم الذي تعيشه مئات الشركات ويعرض للخطر حاضر ومستقبل الآلاف من فرص الشغل في الموانئ بما في ذلك العاملين في الأساطيل البحرية وشركات الشحن وسلطات الموانئ ووكالات السفر.
كما انتقد في نفس الوقت القرار المغربي واصفا إياه بالقرار الذي “يهدف إلى الإضرار بالاقتصاد الإسباني بالخصوص كما أنه لم يعط أي اهتمام للمواطنين المغاربة المقيمين بإسبانيا، الذين سيواجهون صعوبة أكبر في العودة إلى بلادهم عبر موانئ فرنسا و إيطاليا”.
معاناة الجالية
في نفس السياق، قالت جريدة إلموندو El mundo إن المغرب فرض على مواطنيه المقيمين بإسبانيا الاختيار الأصعب وهو قطع آلاف الكيلومترات من أجل العودة لوطنهم في حين المسافة بين الضفتين لا تتعدى الساعتين، كما تضمن المقال تصريح لرئيس جمعية العمال المهاجرين المغاربة محمد الغريب الذي اعتبر قرار المغرب استثناء الموانئ الإسبانية من عملية مرحبا لهذه السنة بالقرار الخاطئ وغير العادل معتبرا أن مغاربة إسبانيا ملزمون بدفع ثمن يزيد على سبع مرات إن أرادوا زيارة بلدهم مع عائلاتهم.
وفي هذا الصدد، عبر العديد من أفراد الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا، عن تضامنهم وقبولهم لقرارات المغرب، وترحيبهم بكل القرارات التي تدافع عن سيادة الوطن، ورفضهم لكل مساس بوطنهم الأم حتى ولو كان على حسابهم، داعين في الوقت ذاته، إلى أخذهم بعين الاعتبار والاهتمام بهم من خلال تقديم حلول بديلة، حتى يلتحقوا بوطنهم الأم في ظروف جيدة.
***
الفاعل الحقوقي المقيم بإسبانيا الدكتور المرابطي ل “بيان اليوم”
لأول مرة إسبانيا تعترف بفضل المغاربة اقتصاديا وعلى الحكومة المغربية تقديم حلول بديلة
قال الفاعل الحقوقي والجمعوي المقيم بإسبانيا، الدكتور عبد العالي المرابطي، إن إسبانيا منذ سنوات تعد البوابة الأوروبية لعدد كبير من مغاربة أوروبا للدخول إلى وطنهم المغرب عبر سياراتهم الخاصة، موضحا أن عملية مرحبا أو “Operacion de estrecho” تعد بمثابة العمود الأساسي الذي يضمن لهم العودة لوطنهم في ظروف منظمة ومريحة.
وأضاف عبد العالي المرابطي، الدكتور في القانون الدولي، في تصريح خاص لجريدة بيان اليوم، أن عملية مرحبا تسبقها استعدادات طويلة تجمع بين كل دول العبور المعنية بهذه العملية والتي تنطلق من 15 يونيو إلى 15 شتنبر من كل سنة.
وتابع المتحدث نفسه، أن “المغرب يختار اليوم للعام الثاني على التوالي تنظيم عملية مرحبا بطريقة مغايرة بعدما قرر إقصاء الموانئ الإسبانية من هذه العملية، حيث عزى ذلك للظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم والتي تتعلق بجائحة كورونا وما يقتضيه ذلك من اتخاذ جميع الاحتياطات الأزمة لتفادي مفاجآت غير سارة”.
واستطرد المرابطي قائلا “لكن مسؤولي الجارة الإسبانية يعتبرون استثناء المغرب للموانئ الإسبانية من عملية مرحبا لهذه السنة لا علاقة له بالوضع الصحي، بقدر ما هي ردة فعل دبلوماسية على الأحداث الأخيرة وخاصة بعد قضية استضافة رئيس جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، وما نتج عن ذلك من تشنج العلاقات بين البلدين، كما يعتبر آخرون أن المغرب بهذا الإجراء يحاول الإضرار بالاقتصاد الإسباني والدفع بمزيد من أصوات الاحتجاج ضد حكومة سانشيز”.
وأكد الدكتور المرابطي، أن هذا الوضع المتأزم دفع بكل وسائل الإعلام والصحف الإسبانية للحديث لأول مرة عن عملية مرحبا بكل تفاصيلها وخاصة من جانب الأرباح المالية المهمة التي تجنيها إسبانيا سنويا من خلالها، مشيرا إلى أنها أرقام تتداول لأول مرة بشكل رسمي وتناقش يوميا بأشهر البرامج التلفزية، بعدما كانت تعمل تلك القنوات فقط للحديث على سلوك مغاربة أوروبا عند عبور إسبانيا ومحاولة تشويه صورة المهاجر المغربي من قبيل الفوضوية وسوء التنظيم مع تغييب تام لفضله في إنعاش عدة قطاعات حيوية.
وكشف المرابطي، أن لعنة بن طبوش كبدت إسبانيا خسارة تقدر بـ1150 مليون أورو “أكثر من 1150 مليار سنتيم مغربية”، مؤكدا على أنها أرقام لأول مرة تتداولها الصحافة الإسبانية بشكل دقيق واصفة إياها بالخسارة المالية الكبرى للاقتصاد الوطني الإسباني خاصة بالقطاع السياحي.
وأبرز المتحدث نفسه، أن المغرب وفق الجرائد الإسبانية الذائعة الصيت، ضيع على إسبانيا 1150 مليون أورو كعائدات مباشرة مصدرها أكثر من ثلاثة مليون مهاجر مغاربي يعبرون إسبانيا سنويا للالتحاق بالعبّارات التي يسافرون فيها عائدين إلى بلادهم لقضاء عطلتهم الصيفية وذلك بعد قرار الرباط الأخير بإقصاء الموانئ الإسبانية من عملية مرحبا لهذه السنة إذ يأتي ذلك في خضم الأزمة الدبلوماسية الحادة بين البلدين.
وأشار الدكتور في القانون الدولي، إلى أن الجرائد ذاتها كشفت أن حجم الخسارة سيكون كارثي لقطاع الموانئ حيث قالت أن ميناء الجزيرة الخضراء لوحده سيفقد أكثر من 11 مليون أورو وتسريح ما يقارب 300 عامل.
وقال الناشط الحقوقي ذاته، إنه “بعيدا عن تصريحات هنا وهناك بين من يتحدث عن تأثير قرار الرباط على عدة قطاعات حيوية إسبانية وأخرى تنتقد وتحمل الحكومة الحالية المسؤولية الكاملة أمام هذا الوضع المتأزم بين البلدين تبقى، الجالية المغربية بإسبانيا هي الضحية والمتضرر الأول من خلال هذا التعنت في الموقف الدبلوماسي بين البلدين، وبالأخص عدم أخذ الحكومة المغربية بعين الاعتبار مخلفات وسلبيات هذا القرار على مغاربة إسبانيا سواء من خلال وضعيتهم داخل بلد الإقامة أو بالنسبة لمعاناتهم في حالة ما أرادوا زيارة أهاليهم بأرض الوطن”.
واعتبر الدكتور المرابطي أن الحكومة المغربية كان عليها أن تفكر في حلول ولو مؤقتة لتسهيل عملية مرور أكثر من مليون مهاجر من مغاربة إسبانية لبلدهم كحالة استثنائية عبر التفاوض من أجل فتح بعض الموانئ الإسبانية حصريا في وجه المهاجرين المقيمين بإسبانيا حتى يقل الضغط على الموانئ الفرنسية والإيطالية التي تقرر اعتمادها لهذا الغرض، أو اعتماد خطوط بحرية جديدة مع دول أخرى، أو على الأقل تخصيص تخفيضات استثنائية لمغاربة إسبانيا فيما يخص تذاكر البواخر”.
أضاف الدكتور المرابط “أعتقد أن هؤلاء يستحقون عناية أكثر لأنهم أبانوا عن وطنية شرسة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن القضية الوطنية حيث خرج حشود منهم بكل المدن الأسبانية للتنديد بأي فعل معادي لمصالح بلادهم، لهذا ليس من المعقول أن يعطي المغرب بظهره لشريحة كبيرة من مواطنيه خاصة أمام هذه الأزمة”.
> عبد الصمد ادنيدن