حبست الأنفاس، ارتجفت الأصوات، خفقت القلوب، انهمرت الدموع، فحمل ليونيل ميسي أخيرا كأس العالم لكرة القدم للمرة الأولى في مسيرته الزاخرة، بقيادته الأرجنتين إلى لقب مونديال قطر 2022 على حساب فرنسا، بركلات الضربات 4-2، بعد التعادل 3-3 في الوقت الأصلي والإضافي.
وأمام نحو تسعين ألف متفرج في ملعب لوسيل، قاد “البرغوث” بلاده إلى لقبها الثالث بعد 1978 و1986، حارما المنتخب الأزرق المتوج في 1998 و2018 من الانجاز عينه.
وافتتح ابن الخامسة والثلاثين التسجيل من نقطة الجزاء المبتسمة له مرة رابعة في قطر (23)، وضاعف نجم الشوط الأول أنخل دي ماريا الأرقام (36)، فبدا أن طريق اللقب الثالث معبدة، لكن المحنك ديدييه ديشان أجرى سلسلة تبديلات شجاعة قلبت الطاولة بهدفين لكيليان مبابي (80 من ضربة جزاء و81).
وأبى السيناريو العجيب الاكتفاء بذلك، فعاد ميسي ومنح “ألبيسيليستي” التقدم في الوقت الإضافي (108)، قبل أن يحقق كيليان مبابي ثاني ثلاثية في تاريخ النهائيات منحته لقب الهداف (8)، ويفرض ضربات الجزاء.
مجددا، سجل النجمان الرائعان مبابي وميسي، لكن صدة من الحارس الأرجنتيني إيمليانو مارتينيس أمام كينغسلي كومان وأخرى خارج الخشبات لأوريليان تشواميني، أشعلت مدرجات ممتلئة بأكثريتها من مشجعي الأرجنتين، فرقصوا وهللوا وقفزوا وبكوا فرحا .
ميسي أفضل لاعب، مبابي الهداف، مارتينيس أفضل حارس والأرجنتيني إنسو فرنانديس أفضل لاعب شاب، وصولا إلى اللحظة المنشودة.
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يضع البشت الخليجي (عباءة رجالية يرتديها العرب) على كتفي ميسي، لاعب نادي باريس سان جرمان الفرنسي “المملوك قطريا”.
فعلها ميسي أخيرا، قبل واحتضن وحمل الكأس التي طاردها أربع مرات دون فائدة، أقربها في نهائي 2014 عندما خسر أمام ألمانيا بهدف قاتل بعد التمديد.
وانضم أفضل لاعب في العالم سبع مرات، إلى مواطنه الأسطورة الراحل دييغو مارادونا الذي قاد بتشكيلة عادية بلاده إلى لقب 1986 بعد هدفين “خارقين” في مرمى إنكلترا في ربع النهائي، وبات بمقدور عشاقه المقارنة بينهما، وربما مع البرازيلي بيليه بطل العالم ثلاث مرات بين 1958 و1970.
وبعد 64 مباراة على مدى 29 يوما، اختتم مونديال قطر، أحد أكثر النسخ جدلية في التاريخ، بنهائي متلألئ بين الأرجنتين وميسي الذي رفع الكأس الذهبية الغالية.
إذا، على غرار مارادونا، قاد ميسي في موندياله الأخير “على الأرجح”، تشكيلة خالية من الأسماء الرنانة، ولم يتوقع كثر أن يمثل “ألبيسيليستي” التي تعج عادة بالنجوم أمثال كريستيان روميرو، إنسو فرنانديس، أليكسيس ماك اليستر وخوليان ألفاريس صاحب أربعة أهداف.
لكن عبقرية ميسي، رغم تقدمه في السن، انتشلت منتخب التانغو من خسارة أولى صادمة أمام السعودية (1-2)، ما أجبرها على خوض ست مباريات بنكهة المباراة النهائية وصولا إلى مجد النهائي الحقيقي.
واجتاح العالم شعور بضرورة حصول ميسي على لقب يستحقه، بعد أربع مشاركات مخيبة نسبيا، يتقدمهم مدربه الأصغر في هذه النهائيات ليونيل سكالوني.
وبعد العثرة الافتتاحية، تخطت الأرجنتين كلا من المكسيك وبولندا (2-0)، أستراليا في ثمن النهائي (2-1)، هولندا بركلات الترجيح في أصعب مبارياتها (2-2)، ثم كرواتيا بسهولة في نصف النهائي 3-0.
أما فرنسا المتوجة في 2018 عندما بزغ نجم مبابي بعمر التاسعة عشرة، فأخفقت بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أن تصبح أول منتخب يدافع عن لقبه بنجاح بعد البرازيل في 1962، علما أن الفريق الثاني حقق هذا الانجاز كان إيطاليا في 1938.
وحققت فرنسا بداية واثقة وتأهلت بعد جولتين بفوزين على أستراليا (4-1) والدنمارك (2-1)، في ظل تألق مبابي زميل ميسي في سان جرمان، وأنطوان غريزمان وأوليفييه جيرو والحارس المخضرم هوغو لوريس.
بتشكيلة رديفة خسرت أمام تونس 0-1، قبل ان تتابع تألقها أمام بولندا في ثمن النهائي (3-1)، ثم تتجاوز أصعب الاختبارات أمام إنكلترا القوية (2-1)، فيما أوقفت القصة الخيالية للمغرب في نصف النهائي (2-0)، قبل أن يحل صاحب أفضل مشوار إفريقي في التاريخ رابعا وراء كرواتيا (1-2).
لكن فيروسا غريبا ضرب “الزرق” بدءا من نصف النهائي وتسبب بابعاد لاعب الوسط أدريان رابيو والمدافع دايو أوباميكانو، تمدد إلى قلب الدفاع رافايل فاران وكينغسلي كومان وإبراهيما كوناتيه.
وظهرت عوارض مختلفة على اللاعبين مثل الحمى وآلام المعدة وصولا إلى الصداع، فخضعوا لعلاج طبي وع زل اللاعبون المصابون، في حادثة أثرت ربما على مردود لاعبي ديشان الذي أخفق بإحراز اللقب الثاني تواليا كمدرب ومعادلة رقم الإيطالي الشهير فيتوريو بوتسو.
تصوير: احمد عقيل مكاو