الأمازيغية تختبر المواقف

مثل مطلب دسترة الأمازيغية، واحدا من العناوين الكبرى للنقاش العمومي المتصل بإعداد الوثيقة الدستورية المرتقبة، وشكل في نفس الوقت اختبارا للمواقف وللعقليات، وعندما تسرب ما يفيد أن القانون الأسمى للمملكة سينص على كون اللغة الأمازيغية رسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية، خرج البعض يحمل معاول رفض تستند إلى تبسيطية متجاوزة.
من المستغرب فعلا أن أصواتا قتلتنا صراخا بترديد المتن الحقوقي والقيم الكونية، واليوم تنسى أن الحقوق اللغوية والثقافية هي من ضمن منظومة حقوق الإنسان، وتفر بعيدا إلى الخلف محاولة الاحتماء بعباءات إيديولوجية عامرة بالثقوب وبالخواء.
وعندما يعرض الباحثون المتخصصون في اللغة واللسانيات والتاريخ مرافعاتهم بشأن دسترة اللغة الأمازيغية، وعندما تنادي منظمات حقوقية مغربية أيضا بذلك، وتقول بدسترة جميع الحقوق للجميع، وعندما تورد أحزاب وجمعيات المطلب نفسه ضمن مذكراتها، يخرج علينا فجأة بعض مثقفينا ليصروا على الشرود وعلى معاداة الكل، وعلى جر اللحظة كلها إلى الوراء.
من قال إن المثقفين هم الطليعة؟
نعرف أن هيئات ثقافية عبرت عن رفضها لهذا الشرود، ونعرف أن مواقف مهمة صدرت عن مؤسسات وشخصيات ثقافية وطنية وازنة، لكن مع ذلك فإن الخروج الشارد لبعض أسمائنا الإبداعية كان قاسيا على النفس، ومخيبا لثقتنا فيها.
إن دسترة الأمازيغية اليوم يعتبر تتويجا طبيعيا ومنطقيا لجهود بذلت منذ سنوات انطلاقا من خطاب أجدير، وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وبعد المنجز الكبير على صعيد إعداد الكتب والمقررات والبرمجيات، وبعد تجربة التدريس والإعلام واعتماد حرف الكتابة وجهود المعيرة، وبالتالي فإن الحماية الدستورية اليوم لكل هذا ستدفع نحو مزيد من التأهيل والتطوير، بما يؤمن تعددية المغرب وتنوعه الحضاري والثقافي، وينمي الشعور الوطني وسط شعبنا.
أما الترويج اليوم لكون دسترة الأمازيغية لغة رسمية في البلاد، أمر يهدد نسيجنا الوحدوي، ويعيدنا لعهود ما قبل الدولة، أو إلى صراعات قبلية لا توجد إلا في مخيلة البعض، فإن شعبنا أكبر من ذلك، كما أن إعلاء قيم التعدد اللغوي والثقافي، واستثمار الخزان الحضاري والقيمي للأمازيغية من شأنه تعزيز سيرنا نحو الحداثة وتكريس الانفتاح والمصالحة مع الذات.
إن الأمازيغية في المغرب ليست لغة أقلية أو جهة، ومن ثم فإن ما راكمته المملكة من منجزات مؤسساتية وعلمية وميدانية على هذا المستوى، يؤهلنا لمواصلة ذات المنهجية، عبر إعداد نصوص وقوانين تنظيمية للمساعدة على إنجاح هذه الخطوة الثورية، وهو الموقف الذي عبر عنه حزب التقدم والاشتراكية بشراكة مع مختلف مكونات الحركة الثقافية الأمازيغية، في سابقة منهجية ونضالية صفق لها كثير من المراقبين والمهتمين.
لنلتقط إشارة اللحظة وتاريخيتها، بعيدا عن كل تخويف أو شرود.
[email protected]

Top