يفتح هذا الكتاب القيم عين القارئ على بعض من تاريخ الطب وعلم الأوبئة، وعلاقة الانتشار الوبائي بجشع الإمبريالية والحركة الاستعمارية. ويبين شلدون واتس مؤلف الكتاب، كيف استخدمت قوى الاستعمار مفهوم “مقاومة الأمراض الوبائية” ليسهل أمامها اختراق دول أفريقيا وآسيا والأميركيتين. ولم تكن نشأة المؤسسات الطبية الغربية خارجة عن هذا السياق العام الذي يحكمه منطق القوة وسيطرة القوى الاستعمارية على شعوب العالم. يجد قارئ بيان اليوم في هذا الكتاب تفاصيل مذهلة تؤكد في مجملها ارتباط مفهوم “مقاومة الأوبئة” بغايات استعمارية.
- وجد الناس أن دفن الجثث بسرعة في الجير الحي في مقابر جماعية فرضت تهديدا أكبر من المرض نفسه
وجد الناس العاديون غالبا أن السياسات التي وضعت بالقوة خلال الأوبئة مثل دفن الجثث بسرعة في الجير الحي في مقابر جماعية ومصادرة ممتلكات المتوفی وغلق الأسواق وإقامة المحاجر الصحية، فرضت تهديدا أكبر بكثير لعالمهم من حيث التجربة المعاشة والتوقعات أكثر من المرض نفسه. ولكن القلة من أصحاب الامتيازات لم يستطيعوا أبدا أن يفهموا لماذا لم تؤخذ أفكارهم) المبنية على سبيل الاقتداء بحكم التقاليد العظيمة التي تعلموها كمعايير عامة). ثم أصبح الاختلاف بين النخب والموقف الشعبي أكثر اتساعا مع حدوث التنوير في فرنسا وإنجلترا وسكوتلندا في الفصول السنة التالية، وضعت كل مرض وبائي في مجموعتين ثقافيتين مختلفتين، واحدة أوربية والأخرى غير غربية. وضعته في السياق الزمني، والمكانی والوسائل الثقافية وقد حددته بنفسی کمهمة مختلفة عما حدده ولیم ماكنيل لنفسه من عشرين سنة مضت. مافعله ماكنيل بالأساس كان تقدير تأثير الأمراض الوبائية على النوع الإنساني بصورة عامة، مراعيا التسلسل الزمني، بدأت بدراسة الطاعون الدملی في أوربا الغربية وفي الإمبراطورية المملوكية وقاعدتها القاهرة. كلاهما ضربه المرض في عام 1367م. اختفى المرض في أوربا في تسعينيات القرن السابع عشر عشرينيات القرن الثامن عشر، ولكنه ظل في الشرق الأوسط حتى أربعينيات القرن التاسع عشر. في الغرب وبعد قرون من اختفائه ظل الطاعون الآفة الجوهرية التي تقارن بها باقي الأزمات فيما بعد. على الرغم من تجربة أوربا المرعبة، على الأقل لم يغزها الطاعون بواسطة الغرباء بالطريقة التي فعل بها بعد ذلك الجدري في الأمريكتين.
يدور الفصل الثاني عن الجذام الذي يبدأ في العصور الوسطى في أوربا، يتفحص الفصل نمو الموقف المؤثر من المجذومين كمخلوقات موصومة. ثم يستطرد الدراسة حالات استخدام هذا الموقف في العالم المستعمر إبان القرن التاسع عشر. بداية من هاواي والهند، حتي اتجهت إلى جنوب أفريقيا ونيجيريا والفلبين وماليزيا. ينتهي الفصل بملاحظة تحذيرية: على الرغم من وجود علاج فعال للجذام الآن إذا استخدم في الوقت المناسب، يظل “موقف العصور الوسطى من الجذام كما هو، لذا فإن الناس الميالين لقبول الحكمة الغربية السائدة حول الموقف من المجذومين، لا يبحثون أبدا عن علاج طبي في وقت مبكر كاف لمنع فقدان الأصابع وأطراف الأقدام التي لا يمكن تعويضها.
تعامل الفصل الثالث مع الجدري في الأمريكتين وأوربا. أما الفصل الرابع فيفحص الطاعون الخفي، الزهرى التناسلي، في أوربا وفي أمريكا بعد عام، 1993 وينتهي الفصل بمناقشة الطرق التي واجهت فيها حضارة الصين المعتزة بنفسها الموقف من الزهري.
الكوليرا في الهند وبريطانيا هي موضوع الفصل الخامس، خلال سنوات الحكم البريطاني 1789 – 1997 سببت الكوليرا وفاة أكثر من 28 مليون فرد. لكن قبل وصول البريطانيين، ما كان من المحتمل أن توجه الكوليرا مثل هذا التهديد الكبير الشبه القارة ككل، لذا يمكن النظر إلى الكوليرا باعتبارها مرض الاحتلال الجوهري. في الجزر البريطانية، حيث ضرب المرض أولا في 1831، كان ينظر إلى الكوليرا والموقف منها في هذا المثل “الموقف لا ينتمي إلى تجربة الاحتلال) كسندان تضرب عليه الطبقة الوسطى الناشئة أعداءها الاجتماعيين وهم طوائف المهنيين والعمال، الذين كانوا السكان الحقيقيين في إنجلترا حسب المفهوم القديم.
عولجت الملاريا والحمى الصفراء في عالم الأطلنطى (إفريقيا، الكاريبي، الأراضي الأمريكية في الفصل قبل الأخير. في تطور هذين المرضين كانت التنمية شملت الهجرة الإجبارية لجهد ملايين العمال من الشرق إلى الغرب مرة أخرى هي القوة المحركة الأساسية. كانت المواقف من المرض مهمة في تشكيل التوجهات السائدة للناس مثلما حدث مع الجذام في القرن التاسع عشر. يقرر الموقف من مرض الحمى الصفراء أن الأفارقة السود لديهم مناعة طبيعية ضد المرض . هذا الفهم الخبيث تم تبنيه لإظهار أن إله المسيحية خلقهم بصورة خاصة ليخدموا كعبيد في شمال ووسط وجنوب أمريكا. في أفريقيا وليفربول في تسعينيات القرن التاسع عشر همش رجال الطب البريطانيون السود أكثر بإيجاد موقف من الملاريا.
هذه الرؤية الجافة في استعمال الأمراض الوبائية في الماضي تؤدي إلى الفصل الأخير “ماذا بعد” والذي تبني مناقشة مختصرة عن هذا الوضع حتى الوقت الذي ذهب فيه هذا الكتاب إلى المطبعة. وقبل أن أنتهي أقرر حقيقة أنه بناء على رؤية روبرت كوخ أنجز الأطباء والفنيون في النهاية القدرة على مقاومة كل الأمراض الوبائية التي نوقشت في هذه الدراسة. في حالة الملاريا، مازال هذا المرض إلى اليوم القاتل الأكبر. يمكن الجدل بأن الفشل في مقاومته يعود إلى حواجز اجتماعية – ثقافية – اقتصادية أكثر منه إهمالا تقنيا بحد ذاته. وقد تم القضاء على مرض الجدري بعد التغلب على حواجز مماثلة، من على وجه الأرض في عام 1977.
بالرغم من تقدم المعلومات الطبية سنة بعد سنة، يبقى رجال الطب جزا من نظام اجتماعي أكبر، ولا يمكن تفادي الدور الذي تلعبه قيمهم الكامنة. بهذا يكون في الشمال المتقدم وفي بعض المناطق الحضرية في المناطق الحارة، مجموعات رئيسية من السكان عندها جدول أعمال للمكاسب الشخصية لا يعطي أولوية كبيرة لمقاومة الأمراض المعدية التي توجد غالبا الآن في الجنوب.
> إعداد: سعيد ايت اومزيد