الاكتظاظ وغياب التصنيف يؤثر على الحقوق الأساسية للسجناء

كشف أعضاء المهمة الاستطلاعية المؤقتة التي وقفت على وضعية المؤسسات السجنية، عن تفاقم إشكالية الاكتظاظ داخل هذه المؤسسات، كما سجلت الانعكاس السلبي لتصنيف السجناء المعتمد من قبل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، لكونه يؤثر على إمكانية استفادة جميع السجناء من كل الحقوق الأساسية التي تكفلها القوانين الناظمة لتدبير الاعتقال والمؤسسات السجنية.
وأفاد رئيس المهمة الاستطلاعية، عمر عباسي، خلال الاجتماع الذي عقدته لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب ، بحضور وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، و المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والذي خصص جزء منه لمناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على وضعية المؤسسات السجنية، أن “العديد من الملاحظات سجلها أعضاء المهمة، من ضمنها عدم تجاوب قطاعات حكومية مع المهمة الاستطلاعية رغم أن هذه القطاعات معنية بشكل مباشر بها، مما يطرح إشكالية تعامل الحكومة مع البرلمان، علما أن هذه المهمة تعد مبادرة تؤكد على أن البرلمان يقوم بأدواره الدستورية خلافا للصورة التي يتم ترويجها من طرف من يريد تبخيس السياسة والمؤسسات الدستورية”.
وأفاد التقرير أن أعضاء المهمة سجلوا، خلال زيارتهم للمركب السجني عين السبع بالدار البيضاء، والذي عين على رأسه مدير جديد، تواجد المؤسسة في مكان دائب الحركة ممثلا في منطقة صناعية ، ووطأة هذا التواجد على الساكنة بالمنطقة، مشيرين إلى وقوفهم على الامتيازات التي يستفيد منها سجناء أحداث الحسيمة، سواء من حيث عدد السجناء في كل زنزانة، والاستفادة من الفسحة اليومية لأطول مدة، وزيارة الأهل، فيما تلقوا من الصحافي حميد المهداوي النزيل بهذه المؤسسة والذي التقوا به بالبهو، إشادة بإدارة المعقل.
كما أشار التقرير إلى أن لقاء أعضاء المهمة الاستطلاعية بمعتقلي ما يسمى السلفية الجهادية والعائدين من بؤر التوتر، طبعه تركيز هؤلاء المعتقلين على ظروف المحاكمة وأسباب الاعتقال أكثر من تركيزهم على ظروف الاعتقال التي هي أصلا موضوع المهمة التي من أجلها تم ترتيب هذه الزيارة.
وأضاف التقرير أنه بالنسبة لبرنامج المصالحة، عبر عدد من المعتقلين السلفيين عن استغراب بقائهم قيد الاعتقال في حين تم إطلاق سراح القادة السلفيين.
وأبرز النائب رضا بوكمازي، خلال تقديمه لملخص عن مضامين تقرير المهمة الاستطلاعية، أن أعضاء المهمة الاستطلاعية اختاروا عينة من ثلاث مؤسسات سجنية كنماذج يمكن أن تقدم صورة عامة عن باقي المؤسسات السجنية.
حيث قاموا في إطار تنفيذ مهمتهم بزيارة السجن المركزي “مول البركي” بأسفي، كنموذج للسجون المركزية، وذلك باعتباره سجنا حديثا يضم فئة معينة من المعتقلين.
فيما النموذج الثاني الذي وقع اختياره يتمثل في المركب السجني المحلي عين السبع بالدار البيضاء، والذي يتميز بتواجد ثلاث فئات أساسية من السجناء، وهي فئة الأحداث وفئة النساء وفئة سجناء الحق العام الذين يتواجدون بشكل كبير ويمثلون فئة كبيرة من المعتقلين الاحتياطيين على أساس أن الاعتقال الاحتياطي يعد أحد الإشكالات التي تطرح بالنسبة للفضاءات السجنية.ذ
أما النموذج الثالث، فيتمثل في السجن المحلي “تولال1 ” بمكناس، والذي يضم السجناء ذوي المدد المتوسطة، ونزلاء ليسوا في وضعية الاعتقال الاحتياطي.
ووقفت المهمة، فضلا عن إشكالية الاكتظاظ، على إشكالية النظافة، وأحيانا إشكالية سوء المعاملة، حيث سجلت على أنه بسجن “مول البركي” الذي يعد سجنا حديثا يمكن اعتباره مؤسسة من الجيل الجديد للفضاءات السجنية، وقفت على إشكالات تخص حالة سوء المعاملة خاصة عندما يتعلق الأمر بإجراءات تأديبية في حق السجناء والتي يلجا إليها لأسباب بسيطة جدا، ومشكل النظافة، وصعوبة الحصول على المشتريات في وقتها رغم الأداء، حيث تصل مدة الانتظار أحيانا إلى 20 يوما، فضلا عن مشكل قصر المدة الزمنية المخصصة للفسحة اليومية.
كما سجلت بالنسبة للموقع الجغرافي لهذا السجن بعده وصعوبة الوصول إليه، فالطريق المؤدية إليه رديئة، ولا توجد وسائل نقل، مما يضاعف من مصاعب الأسر ويرفع كلفة تنقلهم، مشيرة إلى أن هذا الأمر انعكس سلبا على تواصل السجناء بأسرهم، حيث أن معدل الزيارة ضعيف جدا و لا يتعدى 0.37 في المائة، لكل سجين من طرف أسرته.
وسجل النائب ضمن تقرير المهمة الاستطلاعية، الاستعدادات المسبقة التي قامت بها إدارات المؤسسات السجنية تحضيرا لزيارة أعضاء المهمة، منبها إلى أن هذا الأمر يطرح سؤال الوقوف على الوضعية الحقيقة داخل المؤسسات السجنية، مشيرا إلى أن أعضاء المهمة رصدوا الاستعداد الكبيرة التي تم القيام بها واستعمال معدات جديدة لأول مرة ، الأمر الذي أكدته شهادات متقاطعة لعدد من نزلاء هذه المؤسسات.
ومن جانب آخر، سجل أعضاء المهمة، خلال زيارتهم لسجن تولال قيام أعوان وموظفي المعقل بتسجيل رقم الاعتقال الخاص بكل سجين يتحدث لأعضاء المهمة، كما بدت علامات القلق والخوف على بعض السجناء ، وتوجسهم من الزيارة.
وسجل التقرير على أن التصنيف الذي تعتمده إدارة السجون وإعادة الإدماج بالنسبة للسجناء يخلق نوعا من التمييز، حيث أن الحقوق الأساسية بالنسبة للسجناء من صنف باء وجيم، هي جيدة مقارنة مع ظروف أداء العقوبة بالنسبة للسجناء المصنفين حرف “أ” ، ملاحظا عدم إلمام السجناء بالمقتضيات القانونية التي تبين مساطر الاستفادة من بعض الحقوق ، خاصة ضمن مقتضيات المسطرة الجنائية من قبيل مسطرة العفو والإراج المقيد بشرط.
كما وقف التقرير على عدم قدرة المصحة داخل المؤسسات السجينة في الاستجابة لكل حاجيات التطبيب ، وذلك بسبب قلة الموارد البشرية الطبية.وكذا محدودية برامج التكوين المهني، والتي تفي بالطلبات التي يرفعها السجناء
وأشار التقرير إلى ضعف فعالية آليات الرقابة والتتبع المنصوص عليها ضمن مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، بالنسبة للجان الإقليمية والتي يخول لها وفقا للمادتين 620 و621 من هذا القانون، مواكبة وتتبع المؤسسات السجنية لتفقد أحوال النزلاء والنزيلات، وكذا الاطلاع على أوضاع المعتقلين ، مبرزا أن هذا الأمر كشفته معدلات الزيارة الضعيفة التي أكدت عليها الاستمارات التي وزعتها المهمة الاستطلاعية على إدارات المؤسسات السجنية.
هذا، وحرص النائب عضو المهمة الاستطلاعية في عرضه، على ذكر المنهجية التي اتبعها أعضاء المهمة، وتعداد المراحل التي سارت عليها، والتي توزعت بين الزيارات وعقد اللقاءات مع الفاعلين المعنيين خاصة داخل هيئات المجتمع المدني، ودراسة الإطار التنظيمي والمعياري الذي تشتغل في ظله المؤسسات السجنية.
ولفت إلى أن المهمة تهدف أساسا إلى تكوين صورة متكاملة عن الأوضاع داخل السجون، وتقديم تقرير موضوعي مرتبط بشكل خاص بمدى إنفاذ المنظومة القانونية الخاصة بتدبير المؤسسات السجنية، وفق تعبير المتحدث، مشيرا إلى أن المهمة تطلبت عقد 18 لقاء ، و57 ساعة من العمل المستمر ، و17 يوما من العدل داخل مجلس النواب بمعدل 20 ساعة لبلورة التقرير في صيغته النهائية.

< فنن العفاني

Related posts

Top