التقدم والاشتراكية: معجم الوضوح دائما…

يعيش حزب التقدم والاشتراكية، على غرار باقي الأحزاب الوطنية، مناقشات داخلية، على ضوء نتائج ومجريات العملية الانتخابية، التي لا زالت بعض محطاتها متواصلة، ويرتقب أن تفضي إلى تجديد المؤسسات وتشكيل برلمان وحكومة جديدين…
هذا الحوار والتفاعل داخل الأحزاب الجدية والحقيقية هو مطلوب، ودليل حياة، ومن شأن ذلك منح حياتنا السياسية الوطنية دينامية متميزة، وتعزيز الوعي العام لشعبنا، وتقوية انخراطه في الاهتمام بالشأن العام…
ولتثمين هذا التفاعل، يجب الارتقاء به من مجرد إفراز المشاعر الذاتية إلى مستوى التفكير السياسي المؤطر والموضوعي، وأيضا الخروج به من عوالم التدوينات الفردية السطحية على مواقع التواصل الاجتماعي، وجعل النقاش السياسي يندرج داخل الوعي بالمسؤوليات والالتزامات والواجبات، إلى جانب التمسك بالحقوق طبعا.
وبهذا سيكتسب مثل هذا النقاش مصداقيته ومشروعيته وجديته وإنتاجيته لفائدة الممارسة السياسية والحزبية الوطنية.
أما حزب التقدم والاشتراكية، باعتباره حزبا يساريا تقدميا وطنيا يمتد تاريخه على أزيد من سبعة عقود ونصف، فليست المرة الأولى التي تطرح ذاته التنظيمية والداخلية للنقاش والتفكير، وليس جديدا كذلك أن يطرح للبحث مستقبله وسلوكه التنظيمي والسياسي، فهو فعل ذلك مرارا وفِي محطات عديدة طيلة تاريخه…
ويكفي أن نتذكر هنا النقاش الداخلي الواسع وسط مناضلاته ومناضليه إثر ما شهده العالم من تحولات عقب انهيار المعسكر الاشتراكي، وتنامي السؤال عبر العالم عن المستقبل، وطرحت حينها استفهامات وجودية كبرى، قاربها الحزب بكثير من الذكاء والواقعية، وانتصر على إكراهاتها التي لم تكن سهلة.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك مرحلة الموقف من الغزو العراقي للكويت، والسجالات الساخنة في البلاد، والاستهداف الذي تعرض له الحزب من طرف العديدين، كما يمكن أن نتذكر مراحل الموقف من الإصلاحات الدستورية، ومن التناوب، وما عاشته القوى الوطنية الديمقراطية من توترات فيما بينها واختلاف في تقييم المرحلة وتحديد الموقف، ولا ننسى أيضا ما استهدف الحزب أيضا في السنوات الأخيرة، وما روجه البعض عن نهاية وشيكة لهذا الحزب التقدمي العريق، واختفائه…
هذا التذكير، بلا تفاصيل، يجعلنا نسجل أن حزب التقدم والاشتراكية يطرح باستمرار واقعه الداخلي ومستقبله للمناقشة والبحث، ولا يخشى ذلك، كما أنه دائما ينتهي إلى الخلاصات المناسبة، وإلى بلورة مقومات الانبعاث وتجديد انطلاقته.
اليوم، وعكس ما كان يروج له الكثيرون قبل شهور فقط، استطاع الحزب تحقيق نتيجة إيجابية في انتخابات ثامن شتنبر، ونجح في تشكيل فريق نيابي، وكرس لنفسه موقعا مهما ضمن الأحزاب الأساسية في البلاد، واحتفظ بدوره كفاعل سياسي في الخريطة الوطنية له تميزه وصوته واختلافه عن القوى الأخرى.
وعندما نربط هذه الحصيلة الإيجابية بمجريات الاستحقاق الأخير وكل ما قيل وروي حول استعمال المال والخروقات الأخرى، فليس منطقيا القفز على النتيجة أو إنكار ما تحقق للحزب انتخابيا وعلى المستوى الإشعاعي والتواصلي والسياسي.
وبناء على النتيجة الانتخابية، وعلى ضوء ما شهدته الساحة الوطنية، عقب ذلك، من اصطفافات وتحالفات، قيل حولها الكثير، تميز الحزب أيضا بموقفه الواضح الذي تضمنه بلاغ المكتب السياسي، والذي ورد فيه أن الحزب: «سيقارب المرحلة الراهنة، كما فعل دائما، بوطنية ومسؤولية، وبسعي متواصل نحو خدمة المصلحة العليا لوطننا وشعبنا، انطلاقا من موقع المعارضة الوطنية الديمقراطية، المسؤولة والبناءة…»، وهو الموقف الذي لقي تثمينا واضحا في الساحة الوطنية، تماما كما استقبل تصريح الأمين العام للحزب عقب استقباله من لدن رئيس الحكومة المكلف…
لقد أثبت الحزب، مرة أخرى، إذن، تميزه في صياغة الموقف وإنتاجه والتعبير عنه، وبالتالي كرس التزامه المبدئي المعروف بـ «التحليل الملموس للواقع الملموس»، ومن ثم أعلن مباشرته للمرحلة القادمة ضمن موقف واصطفاف واضحين، وهو، بلا شك، ما ستكرسه كذلك دورة اللجنة المركزية المرتقبة في 16 أكتوبر المقبل.
من المؤكد أن الأحزاب الديمقراطية الجادة وذات المصداقية تتطور ضمن حرصها على التقيد بحياة وممارسة ديمقراطيتين داخليتين، وعبر الالتزام المستمر بالحوار الداخلي المنفتح، ولكن، في نفس الوقت، هي تتطور عبر الاستقرار التنظيمي والوحدة الداخلية، ومن خلال الجدلية الدائمة بين الحقوق والواجبات، وبين حرية الرأي ومسؤولية السلوك، وضمن الاحترام الجماعي لقواعد التنظيم الداخلي المشترك.
يستحيل اليوم التطلع لتقوية عمل الأحزاب ومتانة حياتها الداخلية والإشعاعية، بدون الحرص على إضفاء المعنى على كل مقومات أداء الحزب وحياته الداخلية ومنطقية الانتماء إليه…
لا يعني هذا فقط حزب التقدم والاشتراكية، ولكن يهم مختلف القوى السياسية الجادة، ومن مصلحة بلادنا، حاليا ومستقبلا، أن تكون لها أحزاب حقيقية، قوية وموحدة ومستقرة، وأيضا تمتلك المصداقية ووضوح الرأي واستقلالية القرار…
حزب التقدم والاشتراكية، لم يتلعثم، في الأسابيع الأخيرة، في اختيار مفردات معجمه أو في تحديد موقعه واصطفافه، ولكنه كان واضحا منذ البداية، ولم يمتط ظهر أي شكل من أشكال المساومة أو الابتزاز أو اللبس، وهو ما يجسد هويته المرجعية والتاريخية المتأصلة، وبذلك هو اليوم يباشر انخراطه في مرحلة سياسية وتنظيمية جديدة، ويستعد لها بإنتاج مواقفه ومقارباته الملائمة، وأيضا بصياغة أشكال العمل التنظيمي الداخلي المناسبة…
في المرحلة الجديدة، كما في المراحل الأخرى التي سبقتها، الحزب يتمسك فقط بالمصلحة العليا للبلاد، وبالقضايا الحقيقية للناس، وبضرورة العمل وسط المواطنات والمواطنين، وخوض النضال المستمر من أجل مصالح ومستقبل المغرب والمغاربة.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top