التقدم والاشتراكية يطرح مشروع أطروحته السياسية للنقاش العمومي بمشاركة سياسيين وجامعيين وإعلاميين

قال محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن هناك “حيرة” إزاء الوضع السياسي العام، يتم التعبير عنها والإحساس بها في أوساط مختلفة، سواء تعلق الأمر بالسياسيين، أو رجال العمال، أو غير ذلك.
وأضاف بنعبد الله الذي كان يتحدث في لقاء نظمه حزب التقدم والاشتراكية، أول أمس الخميس بالرباط، حول “قراءات متقاطعة في مشروع الأطروحة السياسية للمؤتمر الوطني العاشر”، أن هناك “حيرة حقيقة، ومشكل حول الرؤية وأين نذهب، وأين نسير؟”، معتبرا أن تقدم الحزب بهذا التصور في ظل هذه الأوضاع الحالية، يعد بحد ذاته إنجازا، مشيرا إلى أنه في مرحلة ما كانت الأمور سهلة، عكس المرحلة الحالية التي تعرف العديد من التعقيدات في طرح مجموعة من الأفكار والتوجهات.
ولاحظ الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية غياب نقاش حقيقي في الساحة السياسية، الشيء الذي انعكس على وضع مشروع الأطروحة السياسية للحزب، مؤكدا الحاجة إلى صياغة مشروع يساري جديد في المغرب بالنظر إلى الأعطاب الموجودة في إنتاج هذا المشروع.
وذكر نبيل بنعبدالله أن منتديات النقاش التي نظمها الحزب حول مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية وغيرها ساهمت في تحديد معالم مشروع الأطروحة السياسية ورسم ملامحها، سواء تعلق الأمر-يقول بنعبد الله – بضرورة وضع مقوماتها ومنطلقاتها الفكرية والإيديولوجية.
وأمام الحيرة التي تحدث عنها زعيم حزب “الكتاب”، أبرز أن الحل يكمن في العودة إلى الثوابت، مشيرا إلى أن الحزب من خلال أطروحته وضع شحنة إيديولوجية قوية ينطلق منها، وهي الاشتراكية والتأكيد على أن الحزب سيظل حزبا اشتراكيا، يعمل من منطلق اشتراكي، مشيرا إلى أن المشكل الكبير لا يكمن فقط في القدرة على صياغة المشروع، بل في وجود عطب حقيقي في إنتاج هذا المشروع الاشتراكي، وفي المتلقي.
من جانب آخر، أكد بنعبد الله، في هذا اللقاء الذي أداره الصحافي والإعلامي محتات الرقاص مدير نشر جريدتي بيان اليوم والبيان، على ضرورة استرجاع المبادرة، من طرف القوى اليسارية والتقدمية والديمقراطية والحداثية، في مختلف المستويات والمجالات الاقتصادية والاجتماعي والثقافية، واستنهاض الهمم، أجل مواجهة كل التناقضات الملتبسة التي باتت تطبع المشهد السياسي المغربي.
وبدوره، بسط خالد الناصري عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية الخطوط العريضة التي تضمنتها أطروحة حزب التقدم والاشتراكية التي تشكل أرضية لمؤتمره الوطني العاشر المزمع انعقاده في 11/12/13 ماي المقبل ببوزنيقة.
وقال الناصري إن أطروحة حزب التقدم والاشتراكية تشكلت انطلاقا من مجموعة من الأسئلة أولها “ما هية الحزب السياسي؟”، الذي يعني في نظره البعد التنظيمي المرتبط بالواقع المجتمعي، والعمل الميداني، ما يجعله مختلفا عن النادي، بالإضافة إلى بلورته برنامج عمل انطلاقا من هدف استراتيجي وإيديولوجية.
وذكر عضو المكتب السياسي لحزب الكتاب أن مشروع الأطروحة السياسية قارب مجموعة من القضايا السياسية والفكرية والثقافية والأيديولوجية ضمن ستة أقسام وهي، حزب التقدم والاشتراكية ومنظومته الفكرية، وحزب التقدم والاشتراكية والمسار السياسي، وحزب التقدم والاشتراكية والأفق الاقتصادي والاجتماعي والإيكولوجي، فيما تطرق القسم الرابع الباب الرابع والخامس للقضايا المجتمعية والثقافية، ثم الحزب والسياق الدولي. أما الباب السادس والأخير فخصص لإبراز القيمة المضافة لحزب التقدم والاشتراكية في المشهد الوطني.
وأكد القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أن محطة المؤتمر الوطني العاشر تشكل محطة للتأمل في مسار الحزب من خلال إعمال النقد والنقد الذاتي الموضوعي وعدم الإفراط في جلد الذات وفي الوقت ذاته عدم تبخيس ما تم إنجازه، وهي في الوقت ذاته، محطة لتجديد روح التضامن والتكامل والتآخي بين مناضلات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية كعائلة واحدة تستند إلى مرجعية فكرية موحدة، وهو ما سيؤكده المؤتمر جليا.
من جانبه، ذكر صبح الله الغازي، الأستاذ والباحث الجامعي، أن مشروع الأطروحة السياسية للمؤتمر الوطني العاشر، تترجم العمل الجبار الذي قام به حزب التقدم والاشتراكية لتوضيح رؤيته بخصوص الوضعية السياسية الراهنة، انطلاقا من قراءة علمية وواقعية، وهي أيضا تحدد التوجهات العامة والكبرى للحزب خلال الخمس سنوات المقبلة، في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأيكولوجية وغيرها.
وأبدى صبح الله الغازي، من خلال قراءته لأطروحة حزب التقدم والاشتراكية، مجموعة من الملاحظات التي يرى أن الأطروحة قد أغفلتها أو سكتت عنها، أو قد تشكل إضافة لقراءة وتحاليل الحزب، مؤكدا على أن فتح أطروحة الحزب للنقاش العمومي هي سنة حميدة دأب عليها حزب التقدميين المغاربة، منذ التأسيس إلى اليوم، وأصبحت تقليدا يعتمده الحزب كمنهجية في إعداد مشاريع أطروحاته السياسية ومناقشتها بكيفية واسعة.
وفي سياق ذي صلة، أفاد صبح الله الغازي أن تنامي ظاهرة الإسلامي السياسي، يرجع، بالإضافة إلى ما ذكرته الأطروحة، إلى عوامل أخرى، في مقدمتها نكسة 1967 التي ساهمت في تنامي التيارات الإسلامية مقابل بداية تراجع الحركات اليسارية.
وأضاف المتحدث أن حزب التقدم والاشتراكية عندما يحدد موقفه من التيارات ذات المرجعية الدينة، والتي لا يقف ضدها، خاصة تلك التي تحترم الحريات الفردية والجماعية، يتساءل عن ماهية هذه الحركات والأحزاب ذات المرجعية الدنية التي تؤمن بالمرجعية الكونية والحداثية، مشيرا إلى أنه من غير الممكن وضع كل تلك الحركات الدينية على مستوى واحد.
وبخصوص الشعار الذي يؤطر أطروحة المؤتمر الوطني العاشر “نفس ديمقراطي جديد” والحديث عن كل ما يعتري المشهد السياسي المغربي من مشاكل، كتنامي ظاهرة العزوف السياسي، لاحظ صبح الله الغازي أن الأطروحة أغفلت، في سياق حديثها عن هذا الجانب، فكرة إعادة هيكلة الحقل الحزبي، مشيرا إلى من بين أسباب العزوف السياسي هو تناسل الأحزاب السياسية بسبب طبيعة ونوعية نمط الاقتراع.
ودعا، في هذا الإطار، إلى ضرورة عقلنة المشهد السياسي والتفكير في إعادة النظر في نمط الاقتراع المعتمد حاليا، والذي يعتبر في نظره، من بين العوامل التي ساهمت في التشرذم الحزبي، بالإضافة إلى إعادة النظر في الحقل النقابي الذي يعرف بدوره أزمة، وصفها ب “الحادة”.
وبحسب صبح الله الغازي، يتعين الحديث عن الانتقال الديمقراطي بدل الحديث عن مفهوم المسلسل الديمقراطي الذي هو نتاج لمدرسة حزب التقدم والاشتراكية، في ظروف وسياقات تاريخية مغايرة.
من جهته، نوه حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية بالتقليد الذي دأب عليه حزب التقدم والاشتراكية من خلال فنح النقاش حول أطروحته السياسية والتي يعبر من خلالها عن إرادته للحوار. مشيرا إلى أن الحزب تمتع بالشجاعة لكي يناقش سياقات المرحلة وتقديم مسالك وحلولا للوضع.
واعتبر حسن طارق أن المرحلة السياسية الحالية صعبة وتقتضي نقاشا مجتمعيا ونقاشا داخل الهيئات السياسية، مذكرا، في هذا الجانب، بالنقاشات التي تميز حزب التقدم والاشتراكية خلال مؤتمراته الوطنية، والتي قال إنها تتميز بالقوة والشجاعة في طرح عدد من الأفكار.
وفي سياق حديثه، عاد حسن طارق لمرحلة ما قبل دستور 2011 والنقاش الذي كان دائرا خلال سنة 2008/2009 حول خصوصية تلك المرحلة السياسية والتي كانت تعرف بالإعداد والترتيب لمسار ومرحلة جديدة قبل أن يحل الربيع العربي الذي غير عددا من المعطيات، مشيرا إلى أن حزب “الكتاب” طرح في مؤتمره آنذاك ما أسماه “جيل جديد من الإصلاحات”.
واعتبر حسن طارق أن أهم خلاصة يمكن يمكن استخلاصها من مشروع الأطروحة هي تلك الفقرة التي تشير إلى أن المغرب بحاجة إلى إصلاحات ديمقراطية متقدمة تفرض نفسها بقوة، و إلى نفس سياسي قادر على بعث دينامية جديدة في الفعل السياسي، يطمئن لها الرأي العام ويسترجع من خلالها حماسه وتفاؤله.
وأشاد أستاذ العلوم السياسية بجودة العمل الذي قام به حزب الكتاب”، مشيرا إلى أن ذلك ليس بغريب عن هذا الحزب التقدمي الذي يعتني بتأصيل الممارسة وتجويدها والبحث في المرجعيات وطرح الأسئلة، كما اعتبر أن التقدم والاشتراكية حزب يتوفر على تراث من الفكر والأدب النظري فريد من نوعه، بالإضافة إلى كونه حزبا رائدا في إنتاج المفاهيم في إطار العمل الحزبي والممارسة السياسية.
وأبرز المتحدث أن أطروحة الحزب المؤطرة لمؤتمره الوطني العاشر يجب أن تجيب عن أسئلة كبرى، من قبيل “أين نحن من شعار الانتقال الديمقراطي؟”ـ “أين وصلت وعود دستور 2011؟” – “هل نحن نتقدم على مستوى البناء الديمقراطي وعلى مستوى الحريات؟” وهل نحن فعلا على أبواب مرحلة جديدة؟، وما هي عنوانيها؟، وأسئلتها؟”.
وحدد طارق ثلاث نقاط اعتبرها “بياضات” في الأطروحة وهي عدم التركيز والقفز على مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية لـ 2016، وما الذي وقع بالضبط؟، والنقطة الثانية تتعلق بالسؤال حول “ما العمل” ثم النقطة الثالثة “مع من؟” أي من هم شركاء الحزب، مشيرا كذلك إلى أن هذه الأطروحة لم تترجم وهج الحزب الذي طبعه عمله خلال الخمس سنوات الماضية، إذ أن الأطروحة لا تتضمن نبرة هذه الحرارة التي اشتغل بها الحزب.
بدوره، أكد الإعلامي عبد الله الترابي، أن المؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية، ينعقد في وقت استثنائي وفي سنة حاسمة، على اعتبار أن سنة 2017 هي أهم سنة، في نظره، خلال السنوات الأخيرة، بما فيها سنة 2011، وتكمن أهمية هذه السنة في كونها سنة اهتزازات، مشيرا إلى أن من أبرز الأحداث التي ميزت هذه السنة أحداث الريف وما عرف ب “البلوكاج الحكومي” وأيضا ما عرف ب “الزلزال السياسي”، مؤكدا أن سنة 2017 هي سنة حاسمة، وهي سنة قلق تولد لدى الجميع عند رجال الأعمال وعند الطبقات الوسطى والعاطلين حيث أن الجميع بات لا يعرف أين يسير المغرب.
وبحسب عبد الله الترابي فإن أحداث الريف أظهرت أن هناك مشاكل داخل المغرب هي عبارة عن تراكمات، أبانت عن وجود ضعف كبير في الدولة، مشيرا إلى أن المغاربة منذ الاستقلال إلى اليوم فشلوا في بناء دولة وطنية قوية، وأن جزء من المجتمع يتساءل هل هو جزء من هذا الوطن أم لا.
كما أظهرت أحداث الريف وغيرها من الحركات الاحتجاجية على امتداد التراب الوطني، بحسب المتحدث، أن هناك غيابا لهيئات ومؤسسات الوساطة من أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات المجتمع المدني، وهو ما يهدد البناء الديمقراطي برمته، لأنه ليست هناك ديمقراطية دون أحزاب سياسية ونقابات وهيئات المجتمع المدني.
وذكر الترابي بالتحولات التي طرأت على البنية الاجتماعية والثقافية المغربية، والتي جعلت ثقافة الاحتجاج لدى المواطن تلقائية، إذ أصبح يرى أن له الحق في النزول إلى الشارع للتعبير عن احتياجاته وتطلعاته.
وبخصوص ما جاء في أطروحة المؤتمر الوطني العاشر، شدد الترابي على أهمية الأيديلوجية مشيرا إلى أن الذين يروجون لموت هذه الأخيرة والقول على أنها لم تعد صالحة، إنما ينطلقون من فكرة أيديولوجية، مبرزا الحاجة إلى خطاب كبير يؤسس لمشروع مجتمعي ويحدد التوجهات الكبرى والقيم ويفتح أفق انتظار المجتمع كما كان الشأن عند اليسار في مرحلة تاريخية سابقة، بالإضافة إلى إعادة النظر في العديد من المقولات التي كان يعتمدها اليسار مع إعادة انتاج أفكار جديدة.
واعتبر عبد الله الترابي أن الأطروحة انطوت على مفارقة أساسية وهي تعريف الحزب على أنه حزب الطبقة الكادحة والعاملة، مع أنه في الواقع حزب الطبقة الوسطى، مشيرا إلى أن اليسار في عمومه، لا يلتفت إلى الطبقة الوسطى ولا إلى مشاكلها وهمومها مع أنها تعتبر صمام أمان وتوازن داخل المجتمع.

> محمد حجيوي ومحمد توفيق أمزيان

Related posts

Top