التقدم والاشتراكية يناقش الحقوق الإنسانية للنساء بين الأداء الحكومي والإنتاج التشريعي

 محمد حجيوي
دعا محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ووزير السكنى وسياسة المدنية إلى إعمال الذكاء السياسي، ليحظى مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء، بالقبول، من طرف الجميع، وذلك بعد تجويده ما أمكن، وتطعيمه من قبل البرلمانين والبرلمانيات.
وقال نبيل بنعبد الله، خلال الندوة الوطنية التي نظمها منتدى المناصفة والمساواة التابع لحزب التقدم والاشتراكية، حول موضوع “الحقوق الإنسانية للنساء بين الأداء الحكومي والإنتاج التشريعي” يوم الجمعة الماضي بالرباط، “إن الذكاء السياسي يقتضي قبول مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء، بعد تطعيمه، وتجويده، وذلك، أحسن من وضعية الصفر التي نوجد عليها اليوم”، مشيرا إلى ضرورة مراعاة موازين القوى داخل المجتمع المغربي دون التراجع عن المكتسبات على أساس النهوض بالتدرج بمسألة المرأة.
وبعد أن شدد على أن المساواة لها مضمون سياسي واضح، يقتضي إجراءات بعينها، حيث لا تستقيم مع إجراءات تكون في توجه آخر، أكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن المعركة من أجل نصرة قضايا حقوق الإنسانية للمرأة كقضايا المساواة والمناصفة هي معركة مستمرة ويتعين أن تستمر، مشيرا إلى أن المغرب قطع أشواطا مهمة في الكثير من المجالات، لكن لازالت هناك أمور حيوية مطروحة باستمرار  تتعلق بالمسألة النسائية التي توجد في قلب المعركة من أجل الديمقراطية.
وأوضح نبيل بنعبد الله، خلال هذه الندوة التي أدارتها شرفات أفيلال عضوة الديوان السياسي للحزب والوزيرة المكلفة بالماء،  أن المشروع المجتمعي الذي يناضل من أجله حزب التقدم والاشتراكية يضع في صلبه قضايا المساواة والمناصفة، على اعتبار أن المسألة النسائية تشكل محورا أساسيا في المعارك التي خاضها حزب التقدم والاشتراكية.
ولفت بنعبد الله الانتباه إلى وجود اختلافات في الطرح والتصورات داخل المجتمع بخصوص موضوع المساواة، مشيرا إلى وجود محافظين حتى من داخل التيارات الحداثية والتقدمية، ومؤكدا على ضرورة تضافر جهود الجميع من أجل الحفاظ على المكتسبات، وأيضا من أجل تحقيق ما يمكن أن يتحقق بشكل مشترك، معبرا عن خشيته من حدوث ما يشبه القطيعة أو الحكم المسبق على أساس أن كل ما يأتي من جهة ما لا يمكن أن يكون إلا سلبيا.
وأضاف الأمين العام لحزب الكتاب، أنه يتعين الإقرار بأن المجتمع المغربي فيه مشارب فكرية ومجتمعية وسياسية ومذهبية مختلفة، مشيرا إلى أن جهود الجميع،  خلال تجربة حزبه إلى جانب العدالة والتنمية، في الحكومة الحالية، تضافرت من أجل تقديم بعض المشاريع، وعلى رأسها مشروع قانون المناصفة ومحاربة كافة أشكال التمييز ومشروع قانون محاربة العنف ضد النساء، وأنه خلافا لما يعتقد البعض، لم تكن هناك مواجهة مع العدالة والتنمية أو مع الوزيرة بسيمة الحقاوي، بقدر ما كانت المواجهة في فضاءات أخرى، وأن العديد من المكونات كأشخاص وليس كأحزاب سياسية، لهم مقاربات محافظة.
وقال في هذا الصدد “إن الذكاء السياسي، هو أن نجد، في ظل الأوضاع المركبة كما هي، نقط الالتقاء، وهي التي ركزنا عليها في عدد من المواضيع لنحفظ الأساسي، وأن المقاومات الحقيقية التي وجدناها في الموضوعين معا وجدناها في فضاءات أخرى التي ترى أن هناك بعض القضايا التي لا يتعين أن نذهب فيها بعيدا”.
وبخصوص الصلاحيات التي يمكن أن تمنح لهيئة المناصفة، أوضح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن هناك من يرى أنه “يمكن إعطاء صلاحيات واسعة لهذه الهيئة كإعطائها صلاحية تسطير السياسة العمومية في المجال، ودور التحري ودور شبه قضائي”، متسائلا في هذه الحالة عن دور حكومة منتخبة لها صلاحيات تنفيذية محددة في الدستور؟.
وحذر في هذا السياق، من مقاربة هذه الهيئات، من زاوية صلاحياتها، واقتلاع صلاحية الحكومة، فقط لأنها بلون سياسي معين، مع إغفال أنها ستكون بلون سياسي مغاير غدا، وهذا، في نظره أمر غير مقبول، سواء كانت الحكومة بهذا اللون السياسي أو ذاك.
وشدد نبيل بنعبد الله، على أن الانفتاح، في نظر حزب التقدم والاشتراكية، لا يعني القبول بأي طرف كيف ما كان، ولا يعني، عكس  ذلك، الإقصاء تحت ذريعة الدفاع عن قيم الحداثة. فللآخرين آرائهم يدافعون عنها.
من جانب، آخر، ذكر محمد نبيبل بنعبد الله، بخصوص تمثيلية النساء في الانتخابات التشريعية المقبلة، أن احترام الدستور، يقتضي تجاوز الـ 60 نائبة برلمانية بمجلس النواب المقبل، حتى ولو بخمس أو عشر نائبات، لأن الدستور، يضيف المتدخل، يتحدث عن السعي نحو المناصفة، وبالتالي الإبقاء على 60 نائبة يعني أن هناك جمود وأنه ليس هناك أي  سعي نحو المناصفة.
وأفاد محمد نبيل بنعبد الله، في السياق ذاته، أن حزب التقدم والاشتراكية، يقترح لائحة وطنية للأطر تعطي الامتياز للنساء تتكون من 120 امرأة ورجل، فاللائحة التي ستحصل على عدد فردي سيكون الامتياز للمرأة كأن تحصل اللائحة على خمس نواب، سيكون ثلاثة نساء واثنين رجال، وهكذا يضيف الأمين العام، ستمكن هذه الطريقة، بالضرورة من رفع عدد النساء في مجلس النواب إلى أكثر من 60 نائبة.  
من جانبها، اعتبرت وزيرة المرأة والأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، بسيمة الحقاوي، في كلمة بالمناسبة، أن الحصيلة التشريعية في مجال النهوض بحقوق المرأة مهمة جدا، وأن العمل كان شاقا خلال الولاية الحكومية الحالية، وذلك باعتبار حقوق المرأة ومبادئ المساواة والمناصفة جزء لا يتجزأ من الحقوق الإنسان بشكل عام.
وأضافت الحقاوي أن الدستور المغربي، الذي يكرس مبادئ الديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص، مكن الحكومة من الاشتغال على مجموعة من الهيئات، من جملتها هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، إضافة إلى مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء وباقي الحقوق التي تتعلق بالمرأة ومبادئ المساواة بين الجنسين.
 وبعد أن أكدت على أن الحكومة تبقى منفتحة على مقترحات وتعديلات البرلمانين والبرلمانيات، دعت إلى إحداث قطيعة مع   من يقاطع كل عمل بناء، مشيرة إلى أن الحكومة عند وضعها لهذه المشاريع، استأنست بآراء الهيئات والمؤسسات الدستورية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجنة البندقية والمجتمع المدني باعتباره شريكا حقيقيا.
وحذرت بسيمة الحقاوي من وجود بعض الأطراف التي لا تريد أن ترى هذه المشاريع النور في ظل هذه الحكومة، مؤكدة على أن الدستور المغربي، قطع مع المنطق الإقصائي، مبرزة أن ما تقوم به الحكومة الحالية ينطلق من التراكمات الإيجابية للحكومات السابقة، وأن مشروع قانون العنف ضد النساء ظل يدور بين الدوائر الحكومية منذ قرابة ال 15 سنة، وصدوق عليه اليوم، من طرف المجلس الحكومي، على أمل أن يحظى بتفاعل البرلمان لإخراجه إلى حيز الوجود باعتباره حلم الحركة النسائية والمجتمع المغربي برمته.
وبخصوص مؤاخذات الحركة النسائية، على مشروع قانون هيئة المناصفة، خاصة الجانب المتعلق بالديباجة وتعريف التميز،  أكدت بسيمة الحقاوي أن الأمر يتعلق بقانون عاد، وليس قانونا تنظيميا، ولم يأت لإحداث الهيئة، مشيرة إلى أن المشروع احترم، مقتضيات الفصل 171 من الدستور.
وأضافت الوزيرة أن مشروع قانون هيئة المناصفة، جاء لتقديم الهيئة التي أحدثها الدستور للاشتغال على تحقيق المناصفة، مشيرة إلى أن الاختصاصات الموكولة لهذه الهيئة حسب المشروع، تنسجم مع مبادئ باريس التي لا تتحدث عن الاختصاص الشبه قضائي، وتتحدث عن تلقي الشكايات على غرار ما هو معمول به في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي صلاحيات قالت “إنها مكفولة بالقانون”.
بدورها، شددت النائبة البرلماني في فريق التحاف الديمقراطي، وعضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، رشيدة الطاهري، على أن مشروع قانون المناصفة، يتعين أن يتضمن تعريفا للتميز، وأن يصبح الإطار المرجعي الذي يتفق عليه الجميع.
وأضافت رشيدة الطاهري أن الاختلاف الأيديولوجي لا يجب أن يؤثر على موضوع المساواة، لأنه يرهن البناء الديمقراطي ويرهن التنمية والتقدم المجتمعي، مؤكدة على أن المجهود الجماعي هو الذي يمكن من تقريب وجهات النظر المختلفة.
وأضافت القيادية السياسية في حزب الكتاب، أن النصوص القانونية التي صادق عليها مجلس النواب، خاصة القانون الداخلي للمجلس وقانون المالية والقوانين الانتخابية، بذل فيها مجهود كبير لإقرار مشاركة النساء، لكن، تضيف المتحدثة، هناك دائما، نظرة تجزئية ومكملة، والتي تعتبر أن مشاركة النساء، ليست حقا بل مجرد امتياز، مؤكدة على أن الحق في تسيير الشأن العام هو حق إنساني يتعين على الجميع تملكه، وترجمته عبر القوانين الانتخابية، وأوردت، في السياق ذاته، أن المهم، بخصوص المشاركة النسائية في الانتخابات هو الاجتهاد من أجل بلوغ الثلث على الأقل.
وانتقدت رشيدة الطاهري، ضعف تمثلية النساء في المناصب العليا، والتي قالت “إنها لم تتجاوز الـ 11 في المائة من مجمل التعيينات في المناصب السامية، داعية إلى بلورة رؤية مندمجة تأخذ بعين الاعتبار التفاوتات الموجودة والسعي نحو المناصفة، مشيرة إلى أن الشروط التي يتم وضعها، تكون في كثير من الأحيان مجحفة في حق المرأة، خاصة بالنسبة لشرط الأقدمية.
ودعت رشيدة الطاهري إلى تفكيك كل المقاومات التي تسير ضد إقرار حقوق النساء، مشيرة إلى أن تفكيك هذه المقاومات سيؤدي إلى تقليصها، وفسرت الامتناع عن التصويت لتمديد فترة ثبوت الزوجية، بكون فريق التقدم الديمقراطي يرى أن سن الزواج هو 18 سنة، وأن هذا المقتضى سيستعمل من أجل تزويج القاصرات ومن أجل التعدد، “وهذا شيء مرفوض” تقول الطاهري.    
بدوره، اعتبر رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان،  إدريس اليزمي، أن المساواة قضية مجتمع، وأن المسألة النسائية تشهد ثورة هادئة في إطار الانتقال الديمقراطي الذي يعيشه المغرب وكرسه دستور 2011، مشددا على ضرورة إشراك مختلف الفاعلين في بلورة الأفكار والمقترحات التي تخدم مبادئ المساواة وتعزز حقوق المرأة.
وأكد إدريس اليزمي أن المغرب يوجد في مرحلة تاريخية، يتعين خلالها تفعيل الدستور الجديد، والبحث بشكل جماعي على توازن جديد بين كل المؤسسات، وهو ما اعتبره، مخاضا أساسيا من أجل بلوغ هذا التوازن الخلاق بين مختلف المؤسسات الدستورية، مشيرا إلى أن صلاحية الحكومة والبرلمان حسم فيهما الدستور، ولا أحد يمكن منازعة تلك الصلاحيات، مبرزا في الوقت ذاته، ضرورة الأخذ بعين الاعتبار فكرة العلاقة بين هذه المؤسسات والديمقراطية التشاركية التي نص عليها الدستور، وكانت مطلبا مجتمعيا.
من جانب آخر، أوضح اليزمي أن مهمة المجلس تتجلى في “انتقاد وتتبع السياسات الحكومية في مجال المساواة وحقوق الإنسان، وملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية، وذلك في ظل التراجع المسجل على مستوى الالتزام بالمساواة وانعدام الحريات والمناصفة في المسؤوليات، فضلا عن التراجع المتزايد للنشاط الاقتصادي للمرأة”.
وأكد المتحدث أن النقاش حول قضايا المرأة هو بمثابة معركة مصيرية ، داعيا إلى فتح نقاش عمومي لتبادل الآراء والأفكار بين مختلف الفاعلين والمتدخلين. 

Related posts

Top