لحظة استثنائية وإنسانية صعبة عاشتها بلادنا وهي ترْقُب والعالم بأسره طفلا يقبع في غياهب الجبّ، هناك حيث الطفل ريان يسكُن جوف العَتَمة، حين تكوّر جسده الصّغير في قعر دامس، وتقطّع عنه وصال الأحباب وحضن الوالدين ودفئ الأصحاب، في مشهد إنساني شاهد ومشهود التقطه العالم أجمع بترقب وذهول، فصار ريّان أيقونة ورمزا تتناقله العناوين الكبرى بالبُنط العريض، وترصده المشاهد المثيرة والمُؤثّرة باهتمام شديد.
في خضمّ هذا الزّخم الإنساني الجارف والمشاعر الجيّاشة الكامنة في تجاويف قضية صارت ذات بعد عالمي، يعتبر نقل المعلومة والتواصل السياسي والإعلامي أمانة ومسؤولية إنسانية بكل ما تحمله من أبعاد قيمية، إنها هكذا، وبهذا العمق يجب أن تحدد وتُوصف، بدل أن تقارب فقط بمنطق وظيفي تعاقدي مهني أو تقني جاف من كل إحساس وشعور وجداني، فهي “أزمة مركبة” بتعبير المفكر الفرنسي “ادكار موران”، قضية اختلط فيها العاطفي بالعقلي، الإنساني بالمهني، التواصلي بالإعلامي، النّفسي بالاجتماعي.
نحمل القراء في هذا الملف إلى فتح جديد ومتجدد للقضية من زاوية أخرى، تتعلق هذه المرة بإدارة أزمة سقوط الطفل ريان في بئر من خلال أبعادها التّواصليّة، أي من خلال زاوية التواصل السياسي الذي عرّفه المفكر الفرنسي دومنيك ولتون Dominik Wolton على أنه علم تتقاطع في خضمّه ثلاث مجالات -وهي نفسها التي سنَسْبر أغوارها- الصحافة، والسياسة، والفضاء العمومي، من خلال تفكيك القضية وتسليط الضّوء عليها بمقاربة تزاوج بين ما هو أكاديمي وما هو إعلامي، حين يَكشفُ أبعادها باحثُون وأساتذة في التواصل السياسي وعلم الاجتماع وعلم النّفس والاعلام، إضافة إلى متخصصين في الإعلام الرّقمي والافتراضي.
التواصل أثناء إدارة الأزمة
أسس نظرية واستراتيجيات منهجية لإدارة أزمة آنية وفجائية
في كتابه “دور العلاقات العامة في التعامل مع ظروف الأزمة”، وهي رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير في العلوم الأمنية، أكد الباحث سمحي محمد القحطاني، أن اتصال الأزمة يعتبر “عملية قائمة على خُطط موضوعة مسبقا من أجل التعامل مع ظروف الأزمة، حيث تشتمل أنشطة فنية ومنطقية لتوفير الاتصالات اللازمة لإدارة الأزمة أثناء وقوعها”.
وأضاف القحطاني، أن الخُطط المُعدة قبل وقوع الأزمة ترفع من مقدرات المنظمة بدرجة عالية في عملية تقديم المعلومات المطلوبة للجماهير أثناء وقوع الأزمة بسرعة ودقة مما سينعكس إيجابا على سمعة وصورة المُنظّمَة أمام جماهيرها المعنية.
وفي نفس السياق، أكدت دراسة “دور الاتصال في إدارة الأزمات”، التي أعدها بن لعربي يحيى، أستاذ محاضر قسم الإعلام والاتصال بجامعة وهران بالجزائر، أن علمية اتصال الأزمة هي تفاعل اجتماعي بين المؤسسات ومختلف الأطراف المؤثرة والمتأثرة بنشاطاتها، بهدف تسهيل تسيير الأزمة للأطراف المتدخلة للحد من الخسائر المادية والبشرية في حالة وقوع أزمات، وتمر من ثلاث مراحل، أولها: اتصال ما قبل الأزمة، وثانيها: اتصال أثناء الأزمة، وثالثها: اتصال ما بعد الأزمة.
اتصال ما قبل الأزمة
أشارت الدراسة أن التحضير للأزمة ضروري، رغم أن الأزمة في الأصل تُعرّف بأنها “حدث غير مُنتظر وعمل غير منسجم أو غير مُنسق”، وأنها تكون “فجائية بحيث لا يمكن معرفة أين ومتى تبدأ”، لكن تعتبر عملية التحضير، حسب المصدر ذاته، أساسية فهي “محطة للاستعداد لمواجهة التغيرات التي تولدها الأزمة، وهكذا ليكون الرد على أحسن حال”.
وفي هذا الصدد، أشارت الدراسة، لمقترح تقدمت به “جوديته وفمان”، وهو تطبيق استراتيجية سميت بـ (p4) لاتصال فعال في مواجهة الأزمة، وتقوم الاستراتيجية على أربعة أسس: الوقاية prévente، التخطيط plan ، التحضير prépare، والتدريب practice، وهي عناصر تُسهم في توقع الاختلالات ونقاط الضّعف التي يمكن أن تؤدي إلى أزمات معينة.
وأوضح المصدر ذاته أن هذه المرحلة -أي ما قبل الأزمة- تتيح رد فعل سريع يقلص ويحد من الخسائر التي يسببها الحادث، وذلك بتزويد المؤسسة بالمعلومات الضرورية عن الأشخاص والمنظمات التي يمكن الاتصال بها مباشرة في حالة وقوع الأزمة، وبالتالي السبق في التصريح المباشر من طرف المؤسسة، مبينة أن “أي تأخر في عملية الاتصال، سيفسر بعدم اكتراث المؤسسة وعدم اهتمامها بالأزمة، ويظهرها بالتالي كمؤسسة غير مسؤولة اجتماعيا”.
وشددت الدراسة على أن اتصال ما قبل الأزمة “يسهم في قياس علاقات المؤسسة ومحيطها، حيث تصبح المعلومات الموزعة حول طبيعة وأسباب الحادث أثناء وقوع الأزمة، مفهومة واضحة”، مؤكدة أن الاستعداد القبلي يسهم في “تدني وضعف مظاهر الحيطة والحذر من الأقوال والمشاعر التي تعبر عنها المؤسسة في شكل رسائل مكتوبة أو شفهية أو رمزية”.
أثناء وقوع الأزمة
أكد بن العربي في دراسته، أن الاتصال أثناء الأزمة عامل تنسيق مهم، حيث يسمح بالحد من نطاق ومدة الأزمة، كما يُمْكن، في المقابل، للتصورات القائمة حول الأزمة والمعلومات المقدمة حولها أن تزيد من تفاقمها، حيث تنتشر الخرافات والإنذارات الكاذبة والإشاعات.
وأوضح المصدر ذاته، أن هذه المرحلة تركز بالأساس على العمل الميداني من خلال تأسيس خلية باعتبارها أول خطوة تُمَيّز تسيير الأزمة، وكذا عن طريق مواصلة واستمرار العلاقات المبنية قبل الأزمة كمحرك حقيقي للتنسيق والربط أثناء وقوعها.
وأشارت الدراسة أن تأسيس هذه الخلية ليس لغاية الاتصال فقط، ولكن بهدف “اتخاذ، وفي آن واحد وبكيفية منسقة، القرار والإجراءات المناسبة على جبهات متعددة، من تسيير لوجستيكي وتقني للحدث، وعمليات الاتصال على جميع مستوياته الداخلي والخارجي”.
اتصال ما بعد الأزمة
يرى أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، أن طور التقييم والمراجعة بعد نهاية الاهتمام بالحدث، يعتبر في غاية الأهمية حيث يجعل المؤسسة “يقظة وهي تدخل في آن واحد طور الالتئام والاحتراف أي تقييم ومراجعة جهود الاتصال”.
وأوضحت الدراسة ذاتها، أنه حين تهدأ وسائل الاعلام “تبقى اليقظة واجبة لتفادي حدوث حادث آخر نتيجة هشاشة المنشآت أو أخطاء بشرية أو استغلال فرصة إعلامية متأخرة مثل الكشف المتأخر عن أسرار من طرف متحدث رئيسي أو إصدار حكم قضائي بعد عدة سنوات”.
وشدد على ضرورة أن تكون الأزمة موضوع تقييم يسمح بـ “نصيب مهم جدا في حلقة الوقاية وتسيير الأزمة، ويُسهم في تحليل نقاط الضعف والعجز في ميدان الاتصال، وكذا توزيع المعلومات قبل وأثناء وبعد الأزمة، كما يتم كذلك القيام عند الحاجة بتحسينات لمخطط الاتصال”.
***
التواصل السياسي للمؤسسة الملكية وقضية الطفل ريان
تكسير المألوف من تقاليد وتواصل خاص واستثنائي
من بين الأمور الملفتة، والتي نالت الكثير من النقاش وكذا التنويه والإشادة، هو إعلان القصر الملكي خبر وفاة ريان، في مشهد غير مألوف، وجاء ذلك في بلاغ للديوان الملكي دقائق قليلة بعد إخراج ريان من البئر وحمله في سيارة الإسعاف، حيث بادر الملك إلى اجراء مكالمة هاتفية مع والدي ريان لتعزيتهما.
ويرجع حجم الاهتمام ببلاغ الديوان الملكي واستثنائيته إلى أن القصر الملكي لم يسبق له أن أعلن عن مثل هذه الأخبار، إذ أن التقاليد المرعية لا تجعل الملك يحضر الجنائز أو يقدم أخبار الموت، لكن يبدو أن الملك كسّر هذا التقليد بإعلانه بنفسه وفاة الطفل ريان من خلال بلاغ رسمي.
المؤسسة الملكية مصدر قيم وقواعد التواصل السياسي
ورجوعا للتأصيل العلمي للتواصل السياسي للمؤسسة الملكية، يمكن هنا العودة لأطروحة دكتوراه عميقة في الطّرح والمقاربة، والتي –وبالمناسبة- لم يسلط عليها الضوء بما يكفي لما تحويه من تحليل وتفكيك مهم للتواصل السياسي ببلادنا، وهي الأطروحة المُعنونَة بـ “فضاء التواصل السياسي بالمغرب المعاصر من 1844 إلى 1999″، والتي أعدّها الباحث المومني ندير سنة 2002، حيث عَنوَن محورا في الصفحة 242 من الأطروحة بـ “الملك كـ “كائن تواصلي”.
وأكد المومني أن التواصل السياسي للمؤسسة الملكية، وبالإضافة للشرعية الدينية التي تستمد منها المؤسسة قوتها باعتبار الملك أميرا للمؤمنين، فإن للملك مكانة اعتبارية من خلال استخدام عدد من الأدوات التواصلية الخطابية، كـ “الاحتكار، وفي مرحلة لاحقة أسبقية الولوج إلى الوسائط، واستعمال حجة السلطة، إضافة إلى التنصيص الدستوري على عدم الخضوع للاختبار النقدي للصّلاحية من خلال وضع الكلام الملكي ضمن دائرة القداسة”.
وتابع الباحث أن الخُطب الملكية الموجهة للبرلمان وللأمة لا يمكن أن تكون محّل أي نقاش بناء على الفصل 28/ دستور 1996، والفصل 52/ دستور 2011، متسائلا: “هل يمكن أن نستنتج من ذلك أن الملك ككائن تواصلي حدد من خلال هذا التنصيص الدستوري مجاله التواصلي عبر تحديد منطقتي الكلام والصمت؟”.
وأكد الباحث، في رسالته للدكتوراه، أنه، وبهذا المعنى يعتبر دور الملك بوصفه أميرا للمؤمنين كـ “معهد لإصدار القيم وقواعد للتواصل السياسي امتدادا لدوره كمعهد القيم الدينية والدستورية والسياسية”، مشيرا إلى “استحالة حياد القواعد الدستورية والقانونية المنظمة للتواصل السياسي، فعبرها يتحدد دور الملك بوصفه كائنا تواصليا متمايزا”.
التواصل السياسي للمؤسسة الملكية مُتعالي عن باقي الوسطاء
ولفت المومني إلى أن الملك بوصفه فاعلا سياسيا “يبدي نوعا من الوعي بموقعه التواصلي المتعالي عن موقع الوسطاء الذين يمكن تعريض تصريحاتهم للاختبار النقدي للصّلاحية، ولذا يمكن افتراض انتهاج الملك لاستراتيجية تواصلية قصدية هدفها بناء هذا الموقع والحفاظ عليه”.
واستدرك الباحث قائلا: “مع توضيح منهجي أساسي مفاده أن انتهاج استراتيجية تواصلية مُعيّنة لا يعني بالضرورة التحكم في النتائج والغايات النهائية”، مستحضرا في هذا الباب حديث للمغفور له الحسن الثاني للتلفزة الدانماركية بتاريخ 14 فبراير 1988، الذي قال فيه: “أعتقد أن لدي نوعا من السلطة المادية والسلطة المعنوية التي هي في ذات الوقت رشد ومحبة وتعلق”.
وبيّن الباحث في أطروحته ما يمكن أن نعتبره تفسيرا لتملك الملك لشرعية الانفراد في إعلان خبر وفاة الطفل ريان، حين أكد المومني أن موقع الملك “جعله يحوز على أسبقية الولوج إلى الوسائط مما يتيح له إنتاج صورة متعددة إلى اللانهائي”، مذكرا في هذا الصدد بـ “الحضور المتزامن والفوري للمنتجات التواصلية للملك (خطاب، حديث) في الوسط التلفزي الصحفي الإذاعي”.
***
التواصل السياسي الحكومي أثناء أزمة سقوط ريان في البئر
بوشوار: الحكومة اتخذت موقف المراقب الصّامت وتركت المواطنين فريسة الإخبار غير المنضبط
قال ياسين بوشوار، باحث في الإعلام والتواصل السياسي، إن قصة الطفل ريان “تجاوزت حدود مدينة الشاون إلى أرض الله الواسعة، ومع ذلك ارتأت الحكومة اتخاذ موقف المراقب الصامت”، مؤكدا أن الحكومة كان من واجبها في شخص الناطق الرسمي باسمها “إعداد خطة استثنائية للتواصل مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، لا سيما في ظل شح أو بالأحرى انعدام المعلومات وسطوة الصورة الاستعراضية والأخبار الزائفة/وغير الدقيقة”.
ورأى بوشوار، أن موقف المراقب الصامت الذي اتخذته الحكومة أثناء تدبير الأزمة “غير مبرر أو بالأحرى غير موفق”، مبينا أنها “جعلت كل من يتابع الحدث فريسة الإعلام أو الإخبار غير المنضبط، واكتفت بالصمت منذ بداية الأزمة حتى نهايتها”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن هذا الصمت غير المُبرّر للحكومة شكل “تهديدا حقيقيا لسمعة وصورة الفعل التواصلي الرسمي (الحكومي) في المغرب، حيث حضر كل شيء وغابت المعلومة الدقيقة”، مستدركا بالقول: “باستثناء تصريح موجز يخلو من أي معلومة، إلى حين إعلان وفاة الطفل الذي كان باسم المؤسسة الملكية”.
وتابع بوشوار قائلا: “وحتى إذا سلمنا أن المؤسسة الملكية تنوب عن الحكومة، فماذا عن أثناء وبعد الأزمة، فبعد أسبوع من إعلان وفاته لم تنشر الحكومة ولو خبرا واحدا أو بلاغا توضح فيه للرأي العام أسباب وتفاصيل وفاة الطفل ريان، وهذا بحد ذاته يعتبر سقطة تواصلية أخرى”.
وأرجع الباحث في التواصل السياسي، هذا التعامل الحكومي مع الحدث، الذي وصفه بـ “المراقب الصامت”، إلى أنها “لم تكن ربما مدركة تمام الإدراك حجم هذه الواقعة، إذ يجب على الفاعل الحكومي أن يدرك أن وسائل الإعلام لا يمكن أن تقوم مقام التواصل الحكومي أو تواصل الفاعل الرسمي، خاصة في مثل هذه الطوارئ التي تحتاج إلى ظهور الفاعل الرسمي كمشارك مباشر في عملية الإنقاذ من خلال التواصل”.
إلى ذلك بين بوشوار، أن الحديث عن التوصل السياسي أو الحكومي على وجه التحديد في ”محنة سقوط ريان في البئر”، يستدعي تأطيره ضمن إدارة الأزمات، إذ معلوم عند أهل الاختصاص أن إدارة الأزمات تشمل بالأساس اتخاذ إجراءات قبل وأثناء وبعد الأزمة، كما يُعتبر التواصل أُسَّ هذه الإجراءات.
***
الإعلام الوطني في قلب الأزمة
محمد الرّكراكي: خليط إعلامي بعيد عن المهنية وومضة مُشرقة غطت الحدث بمهنية عالية
قال محمد الرّكراكي، أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والتواصل بالرباط، إن الإعلام الوطني يمر بمرحلة تعرض فيها للكثير من الهزّات والاضطرابات التي تعصف بأدائه، وإن هذا الخليط المتواجد حاليا “بعيد عن الأداء المهني، إذ لا يحترم شروط الممارسة الصّحفية، بل حتى قواعد وأساسيات الكتابة، حيث تكرس هذا الوضع بشكل كبير أثناء أزمة سقوط الطفل ريان في البئر”.
واستثنى الرّكراكي، ما سماه “الجانب المشرق” من الإعلام الوطني، مؤكدا أنه تعامل بشكل مشرف مع القضية من خلال أداء مهني لهذه الوسائط، “وأقصد تحديدا الصحف والجرائد والقنوات العمومية وبعض المواقع الإخبارية القليلة التي تعاملت بمهنية عالية مع الحدث بعيدا عن تضليل الرأي العام وبث أخبار زائفة أو إثارة القراء”.
أخلاقيات المهنة تعرضت لخرق سافر
وشدد المتحدث ذاته، على أن أخلاقيات المهنة تعرضت لخرق سافر، “بل إنني لن أبالغ إذا قلت إن ما وقع من قبل بعض الصحفيين والمواقع الإلكترونية، وحتى بعض الوسائط الاجتماعية كان كارثيا على المهنة”، واستدرك قائلا: “طبعا أنا هنا لا أعمم، فكما قلت هناك أداء مهني لبعض الوسائط، لكن بقي محدودا أمام حضور فوضوي لكل من أصبح يعتبر نفسه إعلاميا يملك الحق في البث المباشر وبث أخبار غير دقيقة وبلا مصداقية”.
وأكد الركراكي، أن الحدث طرح من جديد إشكالية مرتبطة بأخلاقيات المهنة، “والتي أعتقد أنها المفتاح لخروج الإعلام المغربي من أزمته الحالية، فنحن بحاجة لإعادة ترتيب البيت الداخلي من خلال إعلام مسؤول وصحفيين مدركين للمسؤولية الملقاة على عاتقهم”.
وشدد المتحدث ذاته، على أن هناك حاجة حقيقية لـ “إعلام دقيق وذي مصداقية يلتزم بشكل صارم بأخلاقيات المهنة”، منوها، في نفس السياق، بالمجلس الوطني للصحافة الذي “فعل خيرا بقراراته التي واجهت هذا الانحراف الكبير في العمل الصحفي لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية”.
التزييف والتضليل يسود ويحكم
إلى ذلك، أوضح الركراكي، أن هناك وسائل إعلامية تعتمد التزييف والتضليل “للأسف الشديد فهي المؤطرة للرأي العام القابل للاستهلاك لكل ما ينشر في هذه الوسائل، وهذا الرأي العام الواسع ليست له القدرة ولا الوسائل والإمكانيات للتحقق من الأخبار والمعطيات والمعلومات المتداولة في هذه الحوامل وهنا مكمن الخطر الدّاهم”.
وأشار أستاذ علوم الإعلام والتواصل إلى الكم الهائل من الأخبار الزائفة التي تم تداولها في فضاءات التواصل الاجتماعية، سواء في قضايانا الداخلية، أو حتى فيما يخص أطرافا خارجية معادية لوحدتنا الترابية، حيث تعتمد هذه الأطراف على استراتيجية الأخبار الزائفة للترويج لحرب وانتصارات وهمية غير موجودة على أرض الواقع.
الممارسة الصّحفية لها قواعد وأصول
وشدد المتحدث ذاته، على أن الممارسة الصحفية لها قواعد واضحة، كما أن الأداء المهني له مرجعياته وأصوله وقواعده، مبينا أن هذه الضوابط “تزداد أهمية أثناء الأزمات لأننا نكون أمام وضع استثنائي وأمام رأي عام ومجتمع مستعد لاستهلاك كل ما يمكن أن يلبي جزء من حاجته للمعلومة وللخبر”.
ولفت الرّكراكي، إلى أن الإعلام والأداء الصحفي يحتاج “للخبر الدقيق وللمعالجة الموضوعية للأحداث بتوازن بعيدا عن أي تهويل أو تلاعب بالرأي العام أو عدم التحقق قبل البث”، مؤكدا أن الصحفي “أمام مسؤولية كبيرة أمام المجتمع، فالسلطة الممنوحة للصحفيين ليست شيكا على بياض ليفعلوا ما يشاؤون”.
وتابع قائلا: “بل بالعكس الصحفي وكل وسائل الإعلام ملزمة باحترام والتقيد بقواعد العمل الصحفي وبأخلاقيات المهنة بشكل صارم إذا كنا نريد أداء مهني حقيقي، خصوصا أثناء إدارة الأزمات، حيث يخلق الإعلام والوسائط الاجتماعية الهلع إذا لم تلتزم هذه الوسائل بقواعد العمل الصحفي”.
***
4 أسئلة لمحمد عبد الوهاب العلالي
آن الأوان لإحداث هيئة وطنية لإدارة الأزمات الطبيعية والبيئية
أكد محمد عبد الوهاب العلالي، منسق ماستر التواصل السياسي والاجتماعي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أن أزمة واقعة الطفل ريان بينت أن إحداث لجن وزارية لتتبع أزمات مفاجئة لم يعد يكفي، بل إن الأمر يتطلب إحداث وكالة أو هيئة ذات سلطة وفعالية ونجاعة في التدخل السريع والمباشر تشتغل فيما يمكن أن نسميه بفترة ما قبل الأزمة بمراقبة وتأطير عمل كل الهياكل الأخرى على نحو استباقي.
وأضاف العلالي، أن التواصل السياسي والإعلامي أثناء إدارة الأزمات يتميز بخصوصيات كبيرة جدا، باعتبار أن الأمر يتطلب التأثير في الجمهور في ظروف خاصة واستثنائية قد تكون مفاجئة وغير متحكم فيها، خاصة إبان انبثاق أصناف متعددة من الأزمات التي تتطلب التدخل العاجل الناجع والفعال.
وفيما يلي تفاصيل نص الحوار:
-1 ما خصوصيات التواصل السياسي والإعلامي أثناء إدارة الأزمات؟
التواصل السياسي هدفه الأساسي هو الإقناع للمرور إلى الفعل والتأثير وتغيير القناعات في الحملات الانتخابية الكبرى أو الفترات العادية من الحياة السياسية، وتواصل إعلام الأزمات وظيفته وأهدافه مماثلة لإقناع الناس في ظروف استثنائية للقيام بسلوكات تحفظ الأرواح والممتلكات وتحفظ الأمن والنظام العام.
وبالتالي في حالات الأزمات السياسية والطبيعية وغيرها فإن خصوصيات التواصل السياسي والإعلامي كبيرة جدا، باعتبار أن الأمر يتطلب التأثير في الجمهور في ظروف خاصة واستثنائية قد تكون مفاجئة وغير متحكم فيها، خاصة إبان انبثاق أصناف متعددة من الأزمات التي تتطلب التدخل العاجل الناجع والفعال.
وبالتالي فالمقاربة السياسية ذات أهمية كبيرة إلى جانب المقاربة الإعلامية خاصة مع تبني ما يعرف باستخدام طرق مناهج وسائل الإعلام في إدارة الأزمات في فترات ما قبل الأزمة وأثناءها وما بعدها، ومن المعلوم اليوم أن الإدارة الإعلامية للأزمات والنزاعات الاجتماعية والطبيعية والبيئية هي جزء من التواصل السياسي كما أن علم إدارة الأزمات مجال يلاقي اهتماما كبيرا في الدول الكبرى.
-2 تابعتم التواصل السياسي للفاعلين الحكوميين أثناء أزمة سقوط الطفل ريان في بئر، ما تقييمكم لهذا التواصل بناء على فترات إدارة الأزمات؟
يمكن تقسيم ذلك إلى ثلاث مراحل: فترة اليومين الأولين حيث كانت الصدمة المفاجئة، إذ ظلت جهود الفاعلين الحكوميين شبه منعدمة وارتجالية ولم تتمكن من إقامة حتى حزام يحمي العاملين في الميدان من ضغط الجمهور والصحفيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
ولكن بعد ذلك، وفي المرحلة الثانية، ستعرف تحولا باهتمام متفاوت من لدن مسؤولين حكوميين وإدارات رسمية دخلت على الخط على نحو بدا واضحا، والظاهر أن هذه المراحل تفتقد لخطط استباقية ولوجستيكية مناسبة وموارد بشرية لإدارة هذه الأزمة في وقت سريع.
أما المرحلة الثالثة، فستتميز بتتبع عالي المستوى من العاهل صاحب الجلالة الملك محمد السادس للموضوع، حيث توج بالبلاغ الملكي والتواصل المباشر للملك مع عائلة الفقيد ريان في ظل اهتمام وتضامن عالمي واسع.
-3 انخرطت فضاءات التواصل الاجتماعي في هذا الحدث كمنصات تحقق السّبق، غير أن الكثير من الملاحظين اعتبروها فضاء تشويش على العملية التواصلية، هل تتفقون مع هذا الطرح؟
ليست هناك أوهام في هذا المجال فوسائل التواصل الاجتماعي لا دور إعلامي لها بالمعنى المهني للكلمة، والناس الذين يشتغلون بها هم مجرد نشطاء مكنتهم تكنولوجيا المعلومات من ممارسات شبه صحفية على منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تغطية وتقديم شهادات على الأحداث التي يرونها في الواقع، وفي أحيان كثيرة في مواقع يصلون إليها قبل السلطة وقبل الصحفي المهني وينقلون انطباعات وعواطف ومشاعر حول وقائع وأحداث يكونون شهود عيان حولها.
بخلاف الصحفي الذي لا ينقل فقط الوقائع، ولكن يتأكد من مصادرها قبل أن ينشرها للجمهور العريض ويحيطها بما تقتضيه عناصر القيم الصحفية من تمحيص وموضوعية ونزاهة واحترام للأخلاقيات وقوانين الصحافة والحق في الصورة والحياة الخاصة مما يجعل منها أخبارا موضوعية ومفيدة للناس.
ليس كل من يملك هاتفا ذكيا يسعى إلى النجومية والظهور والبروز والانتماء إلى ما يعرف بالمؤثرين يمكنه أن يمتهن الصحافة بدون بطاقة صحفية وتكوين في هذا المجال، لقد وجدنا أنفسنا في وضعية خطيرة جدا وأمام كم من المعلومات في الغالب لا فائدة منها، وإزاء حالة تلوث إعلامي شامل خاصة من لدن أفراد يبحثون عن النجومية وعن المال من خلال “اللايكات” دون اعتبار لمشاعر الضحايا ولا الجمهور.
-4 ما الدروس المستفادة من هذه الحادثة على مستوى تواصل إدارة الأزمات؟
فعلا تمت دروس مستفادة من هذه الحادثة، وأعتقد أن الدرس الأول هو أنه إذا كان المغرب قد أولى اهتماما كبيرا لهذه الأزمة من أعلى المستويات بتدخل جلالة الملك، فأعتقد أن هذه الرعاية يجب أن تتواصل لإحداث هيئة لإدارة الأزمات والكوارث الطبيعية التي يمكن أن تتوفر على الإمكانيات البشرية واللوجستيكية والإعلامية للتدخل السريع والفعال في فترات دقيقة.
أكيد أن المغرب يتوفر على هيئات لإدارة الأزمات على مستوى بعض القطاعات وبعض الوزارات متخصصة في هذا المجال أو ذاك، ولها خبرات وتجارب ومساهمات رفيعة في أكثر من حالة، ولكن هذه الأزمة تبين أن إحداث لجن وزارية لتتبع أزمات مفاجئة لم يعد يكفي، لذلك أعتقد أن الأمر يتطلب إحداث وكالة أو هيئة ذات سلطة وفعالية ونجاعة في التدخل السريع والمباشر تشتغل فيما يمكن أن نسميه بفترة ما قبل الأزمة بمراقبة وتأطير عمل كل الهياكل الأخرى على نحو استباقي.
ألم يكن ممكنا مثلا لوزارة الفلاحة أن تقوم بمراقبة الآبار وإحصائها ومراقبة حالتها ووضع خرائط وتصنيفات لها على الصعيد الوطني؟ كان من شأن ذلك أن ينقد أرواحا في فترة ما قبل هذه الأزمة من خلال مراقبة وتتبع هذه الهيئة والهيئات القائمة لدى وزارة الفلاحة والداخلية وغيرها لها، وهو نفس الشيء الذي يمكن أن نطبقه في مختلف المجالات.
أما الجانب الآخر فيتعلق بالتواصل والمعلومات، فهيئة من هذا الصنف لا بد أن تتوفر على قسم خاص بالمعلومات والتواصل تمكن من التدخل السريع مع توفير المعلومات الجيولوجية ومعلومات حول التربة وحول الطقس والخرائط وقواعد البيانات الضرورية وباقي المعطيات بحسب طبيعة الحادثة أو الأزمة في وقت قياسي.
هذا الأرشيف كله يمكن استعماله على نحو ناجع وفعال في الساعات الأولى من الأزمة، لأن حوادث من هذا النوع تتطلب السرعة والفعالية وجاهزية كبرى على الأصعدة المركزية والجهوية والمحلية للتدخل حتى في فترة ما بعد الأزمة، وإلا فستكون كافة الجهود المبذولة غير كافية، لذلك أعتقد أنه آن الأوان لإحداث هيئة وطنية لإدارة الأزمات والكوارث الطبيعية والبيئية.
* منسق ماستر التواصل السياسي والاجتماعي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال
***
3 أسئلة للمصطفى عمراني *
المؤسسة الملكية تدخلت لتجعل معلومة وفاة ريان يقينية وذات مصداقية
-1 ما خصوصيات التواصل السياسي والإعلامي أثناء إدارة الأزمات؟
يشكل التواصل إحدى الدعامات الأساسية في إدارة الأزمات بتلاوينها المتعددة وتشعباتها المعقدة، لا سيما في ظل التحول السريع الذي يشهده العالم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأهم مظاهر هذا التحول هو الانتقال إلى البنية الرقمية، وما رافقها من تَغير لأشكال الممارسة التواصلية في اتجاه الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يصطلح عليه الإعلام الإلكتروني في تدبير الأزمات.
لذلك، فإن أهمية الإعلام عموما والإعلام الإلكتروني بشكل خاص، هو التعريف بالأزمات، والاهتمام بنقل الحدث من موقعه، وسرعة انتشاره داخل قاعدة جماهيرية تتجاوز إطار المحلي ليعانق البعد العالمي، وقدرته على تشكيل رأي عام دولي.
أما رهان التواصل السياسي في إدارة الأزمات، فيكمن، إلى جانب التعريف بها والتفاعل مع مجرياتها، محاولة تطويقها والحد من تداعياتها.
إذن، فبين الاتجاه السياسي الذي يميل غالبا نحو تطويق الأزمة والحد من انتشارها، واتجاه الإعلامي غالبا صوب صناعة المحتوى المؤثر ونشره على أوسع نطاق، تكمن الفجوة على مستوى إدارة الأزمات.
لذلك كان طبيعيا أن تنشأ شروخا في النسق العلائقي الذي يربط بين السياسي والإعلامي في تدبير اتصال الأزمات، وهي شروخ مرتبطة بالأساس باختلاف على مستوى الأطر المرجعية التي ينطلقون منها، وبقواعد الممارسة، حيث يميل السياسي أكثر إلى سرية المعلومات، في حين يتجه الإعلامي أكثر إلى البوح بكل المعلومات التي بحوزته.
ولكن مع ذلك، يبقى السياسي والإعلامي فاعلين أساسيين في إدارة الأزمات، من حيث إن السياسي مهم كمصدر للمعلومات، والإعلامي مهم أيضا في نشرها على نطاق واسع لكسب الرأي العام وخلق تعاطف مع الحدث.
-2 ما تقييمكم للتواصل السياسي للفاعلين الحكوميين أثناء أزمة سقوط الطفل ريان في بئر؟
إن ما يميز حادثة سقوط الطفل ريان في البئر، بوصفها حدثا استثنائيا بامتياز، لأنه انتقل من حدث محلي إلى بؤرة العدسة الإعلامية الدولية، هو غياب خلية تواصل الأزمة، وغياب متحدث رسمي عنها، مما جعل أغلب القنوات الإعلامية تعتمد على شهود عيان وأطراف متعددة لا يستطيعون مدها بمعلومات يقينية، مما فسح المجال لبروز روايات متعددة، وخلق شائعات، تسببت في تجاوزات مهنية عند بعض وسائل الإعلام، لا سيما تلك المحسوبة على الصحافة الالكترونية.
ولذلك كان لابد، من وجود متحدث رسمي لإدارة مثل هذا النوع من الأزمات العابرة للحدود، للتصدي للشائعات التي قد تنتشر بسرعة فائقة، ودرء من أي انزلاقات أو ارتباكات يمكن أن يترتب عنها الخطاب التضليلي على الجمهور المحلي والرأي العام الدولي.
-3 خرجت المؤسسة الملكية بخبر وفاة الطفل ريان في خطوة اعتبرها المتابعون استثنائية، كيف تنظرون إلى هذه الخطوة التواصلية في هذا الحدث الاستثنائي؟
كان طبيعيا أمام هذا التخبط في المعلومات، وتعدد مصادرها، وعدم دقتها، أن تبادر جهة رسمية لاحتواء تداعيات الأزمة وعواقبها، لا سيما أننا أمام حدث استثنائي، تجاوزت تداعياته الإطار المحلي والوطني وحتى الإقليمي، ليثير انتباه الرأي العالمي، فكان لا بد لمخرجات الحدث أن لا يقترن بصحيفة أو قناة فضائية أو الكترونية، لأن بعض هذه الوسائل تركز على الإثارة أو أشياء أخرى، أكثر من إشباع الجمهور بحقيقة ما يحدث.
في ظل هذه المعطيات، كان لابد للمؤسسة الملكية أن تتدخل لتقطع الشك باليقين، وتبادر لجعل المعلومة التي كان ينتظرها العالم ذات مصداقية، وموثوق فيها، ويمكن أن تمثل مرجعا ومصدرا لكل وسائل الإعلام بتلاوينها المتعددة، فكان لها التفرد في إسدال الستار عن هذه الفاجعة، بإعلانها خبر وفاة الطفل ريان.
* رئيس شعبة علوم الإعلام والتواصل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس
***
التغطية الإعلامية للقضية من منظور علم النفس والعلوم الاجتماعية
المرابطي: مواقع التواصل الاجتماعي صارت تملك سلطة وتؤسس للوعي الزائف
معضور: فضاءات إعلامية خلقت فوضى ونوعا من الارتباك لدى المواطن
أكدت بشرى المرابطي، أخصائية نفسية وباحثة في علم النفس الاجتماعي، أن واقعة الطفل ريان رحمة الله عليه، وقبله الكثير من الوقائع بينت “السّلطة التي صارت تملكها مواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل رأي عام مؤثر وموجه حتى للسياسات العمومية والتدابير المتخذة، وأثره على الإعلام الرسمي نفسه”.
وأضافت المرابطي، أن مواقع التواصل الاجتماعي في قضية ريان “طبعها الكثير من الأخبار الزائفة وعلى رأسها ترويج أن الطفل ريان كان يتناول الماء والطعام، بل أعلنت أكثر من مرة عن خروجه في عناوينها الجاذبة قبل أيام من إخراجه الحقيقي وذلك لحصد أكبر عدد من المشاهدات واللايكات”.
الوعي الزائف
واعتبرت المتحدثة ذاتها أن هذه المنابر أسست لما سمته بـ “الوعي الزائف”، لدى المتلقي الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بهذه المواقع خلال الواقعة محوّلا إياها إلى المصدر اليقين، فـ “الحديث عن الشرب والأكل والصحة الجيدة التي يتمتع بها الطفل في البئر جعل الكثير من الأطفال نظرا لضعف ادراكهم للمخاطر ونظرا لصغر سنهم ينظرون إلى حادثة الوقوع باعتبارها حدثا بسيطا، وأنها تجربة جميلة جعلت ريان بطلا جذبت أنظار العالم إليه”.
وأوضحت المرابطي، أن هذا التصور الخاطئ من المحتمل أن يقع فيه الطفل لطبيعة سنه، حيث يتشكل لديه نوع من التماهي يدفعه لتكرار الحادث، وهو ما وقع لطفل بتيفلت رحمة الله عليه، حيث أكد محيطه العائلي وجيرانه أنه، وطيلة خمسة أيام كان يتحدث عن ريان باعتباره “بطلا جعله ذلك يستسهل عملية السقوط في البئر، وهذا ما يدعونا إلى ضرورة تنبيه الأسر لمراقبة أطفالهم في هذه المرحلة”.
صعوبة الضبط والمراقبة
من جهته، أكد يوسف معضور، كاتب متخصص في القضايا الاجتماعية، أن مواقع التواصل الاجتماعية، وما بات يعرف بالمواطن الصحفي الذي يستعين بهاتفه المحمول وصبيب أنترنت كأدوات اشتغاله صارت تشكل تلك “قوة مؤثرة حيث زاحمت المئات منها المؤسسات المختصة في نقل الخبر وتحليله بشكل مهني”.
وأضاف أن قضية ريان أظهرت لنا بالملموس أنه من الصعب ضبط تلك الصفحات والقنوات التي تنمو كالفطر على مواقع التواصل بخلاف قنوات الإعلام الرسمي والمواقع الإلكترونية المهنية التي تراقب من طرف هيآت رسمية كالهاكا والمجلس الوطني للصحافة وتشتغل بضوابط تراعي أخلاقيات مهنة الصحافة.
وأوضح أن هذه الفاجعة بينت أن الأمر أصبح يشكل فوضى عارمة في “سوق” الخبر مما ساهم بشكل كبير في إطلاق الإشاعة وترويجها وخلق نوع من الارتباك لدى المواطن وتضارب الآراء وتدفق المعلومات بشكل مبالغ فيه طيلة عملية الإنقاذ التي استمرت 5 أيام.
حالة اضطراب وقلق واكتئاب
في جانب آخر، وبخصوص المضامين التي تم تداولها من خلال متابعة بعض العينات، قالت بشرى المرابطي، الأخصائية النفسية، إن الشهادات والتصريحات والتدوينات التي عاينتها، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو على القنوات العربية والدولية، فالعديد من أصحابها، “دخلوا في حالة كآبة، والبعض الآخر في حالة قلق، مع ما يصاحبها من اضطراب النوم وتقلب المزاج”.
وبينت المرابطي، أن هذه المواقع كانت تضيف لصورة ريان كل يوم جزء من سيناريو غير متوقع، على عكس الأخبار الرسمية التي كانت تعمل على طمأنة الناس وامتصاص الغضب، لأننا كنا أمام جمهور متنوع بين الواقعي والافتراضي محكوم بسيكولويجا معينة، وهي نفسها السيكولوجيا التي تحدث عنها الطبيب والمؤرخ الفرنسي “كوستاف لوبون”، باعتباره أحد المنظرين لسيكولوجيا الجماهير.
سيكولوجيا الجماهير
وبينت أن مجموعة من الخصائص التي أشار لها لوبون في كتابه متوفرة في واقعة ريان، بحيث إن الموضوع وحّد الجميع وجعلوهم يلتفون حوله، باعتبار أن القضايا الإنسانية كثيرا ما تجمع وتحدث لمة عاطفية، عكس القضايا السياسية وغيرها، إضافة إلى الحمولة العاطفية التي تحملها القضية باعتبار أن الشخص طفل صغير في قرية مهمشة ووسط بئر لا يقدر أن يتحرك فيه، فكل هذه العناصر تحرك “الجانب العاطفي والإنساني الذي له أثر على النفسية الجماعية للجماهير”.
وأشارت المرابطي أن هذه الحمولة من العواطف لم تبق في مستوى المشاعر والأحاسيس، بل تحولت لأفكار وأفعال ويظهر ذلك في انتقال أشخاص كثيرين اإى عين المكان وهنا نتحدث مثلا عن “علي الصحراوي”، الذي يعتبر حفار آبار محترف، وكذا الكثير من المبادرات الشخصية من شباب لإنقاذ الطفل ريان فقد “تحول تعلق الكثيرين بالقضية عاطفيا إلى اتخاذ قرارات عملية لإنقاذه ولو كلف ذلك حياتهم”.
إنجاز: محمد الطالبي