الثقافة والتربية.. ليست حقائب وزارية

بات من الواجب الانتباه إلى تلك الكائنات البشرية التي باتت تدعي المعرفة والفقه في كل شيء. تزاحم الشرفاء والكفاءات والكوادر. تفرض أفكارها وآراءها في تدبير شؤون كل المجالات. حتى لو كانت تافهة وتعارض القوانين المنظمة ودستور البلاد. فسدت وأفسدت التربية والثقافة والحياة العامة بكل تجلياتها. لا من يجتهد من أجل الوصول إلى حلول وبدائل، ولا من يقدم النصائح اللازمة، من أجل بناء (الوطن) الذي نريد. لن يكون المغربي (مواطنا صالحا)، بوطنية وغير أكيدة على سمعة وشرف البلد الذي يحتضنه. إلا إن تجسدت له تلك الروح في من يحكمونه، في سكونه وترحاله. الوطنية لا تقف عند قيام المواطن بالواجبات التي يفرضها الدستور أو المهنة أو الوسط. لكنها تتجاوزه كل هذا، إلى التضحية والقيام بالأعمال التطوعية والمبادرات الهادفة. لتحقيق المبتغى لابد أن يكون للمواطن قائد وقدوة في قمة هرم المسؤولية. والقدوة تقتضي الكفاءة والأخلاق وحب خدمة الناس. كم من قائد منزل بمظلات السياسة والنقابة والولاءات. يفتقد لكل مقومات القيادة والقدوة. لن يرقى أبدا إلى مستوى الريادة. وكم من رائد حكم عليه بالتهميش والانزواء والاندثار التدريجي.
لماذا نحصر مصطلح (التربية) الذي يخص الإناث والذكور بمختلف فئاتهم العمرية والمجتمعية. داخل المنازل والمدارس والدور القرآنية. وغيرها من المرافق التعليمية؟. ولماذا سميت وزارة التعليم الابتدائي والثانوي، بوزارة التربية الوطنية. عوض أن تخلص لأهدافها الرئيسية في التعليم والتكوين. وتكتفي باسم وزارة التعليم فقط أو التعليم والتكوين. وأن تعي بأن التربية الوطنية هي جزء من التعليم. المفروض أن يترسخ في كل مغربي أينما حل وارتحل. وأن برامج التربية الوطنية لا يجب أن تكون حكرا على التلميذ والطالب. بل يجب أن تتعداهما، لتصل إلى العامل والموظف والتاجر وكل فئات المجتمع. وأن تكون برامج جادة ودائمة التجديد والعصرنة؟.
لماذا نحصر مصطلح (الثقافة) داخل دور ومراكز الثقافة التابعة لوزارة هي الأخرى تحتكر اسم (الثقافة)؟. علما أن مفهوم الثقافة، يشمل حركات وسكون كل الناس في حيواتهم الخاصة والعامة. وأن مستوى المثقف يقاس بالرصيد المعرفي والإدراكي والتفاعلي، للأمور والقضايا والمشاغل الإنسانية التي تتعدى وتفوق وتتجاوز حقيبة وزارة الثقافة. والتي قد لا تكون لها علاقة بالرصيد التعليمي والعلمي واللغوي.
لن نحصل على مسار تنمية صحيح ومجد دائم، ما دمنا نسجن التربية الوطنية والثقافة داخل حقائب وزارية. ونضع مفاتيح تلك الحقائب في أيادي من يحترفون السياسة والمهووسين بالتموقع والقيادة. الذين يمزجون كل برامجهم ومخططاتهم ورؤاهم بأهدافهم السياسية. ونواياهم الحزبية. ويسطرون برامج تظهر الثقافة، كواجهة أو (فيترينا) لأهداف ومقاصد تخدم نواياهم وأهدافهم الخاصة.
لن نحقق نموذجا تنمويا بديلا، ونحن نحصر (قيم المواطنة) في الخضوع والخنوع والامتثال للنخب. ونحصر الوطن في البلد، ونقيس درجة المواطنة بمستوى الولاءات للمسؤولين. لن نتقدم شبرا واحدا عن رفقائنا داخل عدة دول، العالقين منذ سنوات في وحل (الانتقال الديمقراطي)، والمصنفين منذ عقود ضمن ما يعرف بـ «دول العالم الثالث» أو «الدول السائرة في النمو».. ما دمنا لا نغذي أطفالنا وشبابنا بقيم المواطنة الحقة، التي تفرضها الإنسانية والطبيعة بكل تجلياتها. لن نرقى بتعليمنا وثقافتنا، في ظل ما يعرفه القطاعين من قصور وتجاوزات وثغرات.. وما دامت المبادرات والمخططات والمشاريع والرؤى الحكومية دخيلة ومستوردة، يسكنها الهاجس الأمني.
لن نختزل (قيم المواطنة) في الامتثال لقوانين ومساطر لا تخدم الإنسانية برمتها. لأنه من العيب والعار أن نسمي سلوكات تخدم فئة بشرية، وتضر فئات أخرى، بقيم المواطنة. قيم المواطنة يجب أن تدخل ضمن قيم الإنسانية المطلقة والمفروض أن تضمن حقوق وواجبات كل إنسان بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه أو بلده. المواطنة الحقة تقتضي أن يحظى أطفالنا وشبابنا بالتربية اللازمة في كل المجالات السلوكية والتعليمية والثقافية والصحية والرياضية. وأن يكون هناك في قمة الهرم شرفاء يؤمنون بقدرة الأجيال على تسريع عمليات الانتقال بدون حاجة إلى دعم ملغم هم أصحابه ثرواتنا الطبيعية وتدمير طاقاتنا البشرية وإعادة الاحتلال.
هي إذن دعوة للإيمان والتحلي بروح الإصلاح لمفاهيم التربية قبل الانكباب على تنفيذ إصلاحات في معظمها غير جادة، تزيد الشعب إحباطا ويأسا وانحطاطا. فكما أن الثقافة والتربية مفهومان لا يمكن أن تسعهما حقائب وزارية، وأن رقيهما يفرض إطلاق سراحهما، وتمكين روادهما من حرية التنقل بين كل القطاعات العمومية والخاصة. وتأمين حركيتهما. فإن المواطنة لن تقبل بربطها بنزوات حكام أو مسؤولين، ولن تعيش وتنمو في بلد حكومته تهمش وتحتقر الكفاءات والكوادر. وتجعل الجهلة والمفسدين قيمين عليها. فهل تستفيق النخب، من سباتها، وتدرك أنها ماضية في ضرب كل شيء جميل بهذا البلد الأمين. وأن ما تعيشه من نعيم اليوم، على حساب المستضعفين، لن يدوم. وعاجلا أم آجلا سيتحول النعيم إلى جحيم. لأنه ما ضاع حق وراءه مطالب. والشعب المغربي مصر الآن وأكثر من أي وقت مضى على الإنصاف. وقد صمم على أنه لا بديل عن ثورة جديدة للملك والشعب. من أجل تبديد النخب الفاسدة. وإعادة هيكلة البلاد بالكفاءات والطاقات الجادة والخلاقة.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top