الجوكر المنتفض

طالما ضحكنا ضحكة الجوكر في فيلمه. لم نفهم بعد أي تفسير لتلك الضحكة غير ما ظهر أنها سخرية ما قبل “القتل”، ربما تكون حالة مرضية نفسية ممزوجة بنوع من الغضب على كل شيء. لا ثقة أبدا في أحد!
لسنا في وضعية كاملة لمشهد الجوكر في فيلمه الأميركي، لكن هناك تشابها كبيرا في كيفية التعبير عن الغضب وأن لا شيء يعجبنا في هذا الواقع الذي نعيش. هل اخترنا أين نعيش وأين نسكن وماذا نأكل ونلبس ونشرب؟ نعم، اختار لنا آباؤنا كل شيء. “الظروف” اختارت لنا أيضا ماذا نعمل وبأيّ تخصص نعمل وأين وفي أيّ بلد نعمل؟
في فيلم “الجوكر” هناك سر من وراء التعاطف الكبير الذي أبداه كل من شاهده مع البطل. فيلم جسد كل أنواع المعاناة اليومية لأيّ مواطن بسيط، يعيش في عالمنا العربي أو في أيّ بلد من هذه المعمورة، لماذا؟ لأن الفيلم بكل بساطة يحكي قصة “من هم فوق، ومن هم في الأسفل؟”. في الأسفل هناك من يعيش في القاع وعلى الأرصفة يبحث عن وطن يحتمي به من قسوة الأقرباء والأصدقاء والإخوة. أحيانا الأعداء يقدمون الخدمات بلا مقابل في سبيل، الرأفة أو الإنسانية! لكن هناك إخوة يقتتلون بلا إنسانية والأمثلة كثيرة في بلداننا.
ما لم يستوعبه السياسيون في عالمنا العربي، أن الانتفاضات تولد من رحم المعاناة. الثورات لا تحتاج إلى مبررات ومؤامرات خارجية لتحرك الآلاف في الشوارع ليطالبوا بإسقاط حكومة فاسدة وأخرى فاشلة. ذاك الجوع الذي يتجول في كل أروقة ديارنا وبيوتنا يستطيع بمفرده أن يقتلع مليون حكومة.
وفي الفيلم الأميركي أيضا، هناك الكثير من المعاناة الفردية والجماعية. معاناة البطل المهرج ومعاناة من تصدح أصواتهم في الشوارع غاضبين على الأثرياء الذين قُطعت لديهم الرأفة والإنسانية. وتعالت لديهم كل أنواع التسلط والجشع والبغض. يكفي النظر في عيون الذين يتظاهرون الآن في شوارع بغداد وبيروت لإدراك حجم المأساة. سئم هؤلاء كل أنواع الدجل السياسي والديني الذي يساق على ظهور المنابر السياسية والدينية. سئم هؤلاء أيضا كل أنواع المهدئات التي تجرعوها على مدار عقود. انتظر، غدا أفضل؟! انتهى اليوم وجاء الغد ولم يتغير أي شيء في عالمنا. يكفينا أن نشاهد الأفلام الأميركية لنتذكر مرارة عيشنا. فكم من جوكر جلس أمامنا يضحك بلا أيّ معنى!

  أحمد فايز صحافي فلسطيني

Related posts

Top