الحرب الروسية الأوكرانية..الحلقة 6

عرفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت منذ 24 فبراير 2022، اهتماما واسعا من قبل الرأي العام الدولي، نظرا لمكانة البلدين في الساحة العالمية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، ناهيك عن الجانب التاريخي المعقد الذي تمتد سرديته إلى التطورات الأخيرة في العلاقة المتوترة بين موسكو وكييف.
ويتوالى الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي يصفه الكرملين بـ”العملية العسكرية” المحددة الأهداف، بتدمير المنشآت العسكرية، ونزع سلاح هذا البلد، ودفعه إلى الحياد تجاه حلف الشمال الأطلسي”النيتو”.
ولا توجد حاليا مؤشرات دالة على قرب انتهاء هذه الأزمة التي أرخت بظلالها على العالم، بفعل دمار “الغزو” الذي لحق أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب.
وتعد هذه الحرب الدائرة رحاها فوق الأراضي الأوكرانية، والتي أدت إلى نزوح أزيد من 10 ملايين أوكراني داخل البلاد وخارجها، تطورا حتميا للعلاقات المتشنجة بين الكرملين والغرب، هذا الأخير الذي يقدم مساعدات عسكرية لفائدة القوات الأوكرانية لمواجهة الجيش الروسي، وهو ما يدفع إلى مزيد من المواجهة في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات بشكل “ثقيل” على حد وصف وزارة الخارجية الروسية.
ومن خلال هذه الزاوية الرمضانية، سنعيد تركيب قطع “البوزل” لمحاولة فهم ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، والوقوف عند تداعيات هذه الحرب، وما سيترتب عنها في المستقبل من إعادة لرسم خريطة العلاقات الدولية، وهو ما ظهر بشكل واضح بتحالف التنين الصيني مع الدب الروسي في وجه الغرب”أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”.

خطر الناتو

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ووفاء روسيا بالتزاماتها اتجاه الدول التي طلبت استقلالها، وسحب كل الترسانة الحربية منها، وإرجاعها إلى الثكنات العسكرية بروسيا الاتحادية، شرع الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالتوسع ابتداء من عام 1990، وبالضبط عندما كان يجري الجدل حول إعادة توحيد ألمانيا.

ومع هذه العملية أصبح الناتو يتقدم شيئا فشيئا، في شرق ووسط أوروبا، بحجة مساعدة هذه الدول في التغلب على انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، لكن الحقيقة بحسب الوثائق الروسية، هو أنه بدأ تعزيز القدرات العسكرية لهذه الدول وحلف الشمال الأطلسي استعدادا لضرب روسيا في تسعينيات القرن الماضي، وفي بداية القرن العشرين.

وبالرغم من حسن النية التي تبديها روسيا وفق الكرملين، من خلال مختلف أشكال التعاون “مجلس روسيا- الناتو”، وفي إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إلا أن الغرب حربائي في تعامله، ويرفض أي تقدم في العلاقات مع روسيا، حيث وصل الأمر إلى رفض فكرة انضمام روسيا إلى الناتو، ما يعني أن الفلسفة الوجودية لهذا الحلف قائمة على مواجهة روسيا.

والدليل على ذلك، يقول فلاديمير بوتن الرئيس الروسي، هو توسع هذا الحلف بالجنبات وبالقرب من الحدود الروسية، فلقد قاموا بخمس موجات وضموا دولا في أوروبا الشرقية إلى هذا الحلف، مثل رومانيا وألبانيا وسلوفاكيا وكرواتيا وغيرها، كما ضموا الجبل الأسود عام 2017 وشمال مقدونيا عام 2020، وهكذا كانت قد توسعت البنية التحتية لهذا الحلف إلى أن وصل إلى الحدود الروسية.

ويتساءل بوتن حول “لماذا تفعلون كل ذلك إذا كنتم لا تريدون النظر إلينا نظرة الصديق، لماذا تحولوننا إلى عدو لكم؟”، خصوصا وأن هذه التحركات تمت بالتوازي مع الانسحاب من معاهدة الدرع الصاروخية.

والسياسة التقليدية الأمريكية، بنت سرديتها دائما على وجود عدو خارجي، وهو روسيا، لهذا لا تكف عن شيطنة دول الاتحاد الأوروبي، وباقي الدول الأخرى التي تربطها علاقات اقتصادية بروسيا، من أجل تشديد الخناق عليها، في محاولة لتقليص امتدادها وحجمهما ووجودها في العالم.

واستنادا إلى بيان الأمن الأوروبي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي تم اعتماده في إسطنبول عام 1999، وإلى إعلان أستانة الذي تم تبنيه عام 2010، لا يمكن تعزيز أمن دولة على حساب تهديد أمن دول أخرى، وهو ما لا يحترمه الناتو.

وتحذر روسيا في هذا الصدد، من ضم أوكرانيا إلى الناتو الذي تفسره بالتهديد المباشر لأراضيها، لأن ذلك يعني، نشر طيران تكتيكي للناتو في مطارات عديدة في أوكرانيا وضرب الأراضي الروسية وصولا إلى فالغاغراد، كما أن نشر رادارات في أوكرانيا بإمكانها أن تسيطر على الفضاء الروسي حتى الأورال، إلى جانب أن نشر أسلحة وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى يمكن أن تصل إلى 5 آلاف كيلو متر في روسيا.

وليس هذا فحسب، بل إن نشر صواريخ توماهوك قد تستغرق حوالي 35 دقيقة للوصول إلى موسكو، وبينها صواريخ قد تصل خلال 7-8 دقائق، فضلا عن الصواريخ فرط الصوتية التي ستصل موسكو خلال 4-5 دقائق.

ولا تستبعد الرئاسة الروسية وجود هذه الخطة في ذهن الناتو، وهم الذين توسعوا في السابق إلى الشرق وقربوا هذه المعدات إلى الحدود الروسية متجاهلين مصالح هذه الدولة واهتماماتها، وهو ما ترفضه ولا توافق عليه قطعا.

ويشدد الكرملين على أن الأزمة في الأمن الأوروبي، وفقدان الثقة في العلاقات الدولية، وتدهور الوضع الاستراتيجي، سببها الناتو، الذي بدأ في نشر المواقع المضادة للصواريخ للدول التي انضمت للحلف، على أساس استخدامها كقواعد للمنظومات الهجومية ضد روسيا، تحقيقا للرغبة التوسعية للولايات المتحدة الأمريكية.

وبات الناتو بهذا التقدم التكتيكي السريع، على مقربة من الحدود الروسية من بوابة أوكرانيا التي لا تتوانى في تقديم طلبها مع كل مرة للانضمام للحلف بشكل رسمي، وهي التي تحتضن تدريبات عسكرية للناتو، وتتوصل بالأسلحة من قبل هذا التكتل.

غير أن التهديد الروسي، وتحذيره الشديد من التصديق على قرار دخول أوكرانيا إلى الحلف العسكري، يحول دون دخولها إلى الآن، وعيا من الناتو بخطورة هذه الخطوة التي ستجر أوروبا إلى حرب ضروس مع روسيا، التي لن تسمح بضربة مفاجئة من قبل الغرب، لا سيما وأن الوثائق الأمريكية للتخطيط الاستراتيجي حصلت عليها موسكو، تكشف مبدأ توجيه الضربة الوقائية للعدو الروسي.

ويعني هذا، أن القواعد العسكرية الأوكرانية التي خلفها الاتحاد السوفييتي، ستصبح منصات لضرب روسيا، وشن الحرب عليها، وهو السيناريو الذي لا تقبل روسيا حصوله.

> إعداد: يوسف الخيدر

Related posts

Top