الحقيقة المرة: تعليم بلا منطق ولا فلسفة

ألم يحن الوقت لإعادة النظر في البرامج والمناهج التعليمية الخاصة بمادة الرياضيات على المستوى الثانوي «الإعدادي والتأهيلي»؟. وخصوصا ما يفترض أن يتوفر عليه التلاميذ من عتاد لاستيعاب المفردات التي تفتح بها الأسئلة «برهن، بين، استنتج، تحقق، …»، وإتقان طرق الاستدلال بناء على تلك المفردات، وتحصيل ما يلزم من عبارات وروابط منطقية تمكن من تيسير عمليات التعلم والتطبيق والفهم الجيد. وكذا إعادة النظر في مجموعة من المصطلحات التي تم اعتمادها بالمغرب فقط، عند تعريب الرياضيات، علما أنها غير معتمدا عربيا، وأنه لا امتداد لها عند حصول التلاميذ على شهادة الباكلوريا.
قصور البرامج والمناهج الخاصة بمادة الرياضيات، يعتبر من بين أسباب تدني مستويات التلاميذ علميا ونفور بعضهم، وهي أزمة وجب إحداث لجنة وطنية علمية من أجل إيجاد بدائل. ولا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عنها، أو محاولة تجاوزها بالحديث عما قد يحققه التلاميذ والطلبة من إنجازات علمية وطنيا أو دوليا.
على هامش التتويج الذهبي للمنتخب الوطني المدرسي خلال الدورة الـ 28 من الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات «عن بعد» التي احتضنتها الجمهورية التونسية، يومي 23 و24 ماي 2021. بعد حصوله على الرتبة الأولى «178 نقطة» على صعيد ترتيب الدول الـ 11 المشاركة. وحصد ستة ميداليات «ميداليتان ذهبيتان وأربع فضيات ولقب ملكة الرياضيات الإفريقية 2021». أريد أن أعيد التذكير بأن هذا التتويج لن يمحو الأزمة ولا القصور الذي يجب تداركه.
الحقيقة أنه لم يعد للمنطق العلمي المفروض ترسيخه في أذهان وعقول كل التلاميذ، أي أثر في البرامج والمناهج المعتمدة بكل الأسلاك التعليمية. بعد أن أصبح «المنطق» مجرد درس من بين مجموعة دروس غامضة، يدرس في ثمان ساعات لتلاميذ مستوى الأولى البكالوريا بكل شعبها الأدبية والعلمية والتقنية فقط. والمفروض أنه المنطق اللازم لبناء فقرات الدروس وتركيبتها وتسلسلها وترابطها وتدرجها. المنطق الذي يوفر الآليات الديداكتيكية وطرق الاستدلال والبرهان لتبيان وتوضيح البيانات والمبرهنات والعمليات المعقدة، والكفيل بمد التلاميذ بالأساليب اللازمة لحل المسائل والتحقق من النتائج وتحقيق الأهداف التعليمية. ارتأت الوزارة ومديرية البرامج أن تحرم منه تلاميذ المستويات الابتدائية والإعدادية وشعب الجذع المشترك عكس ما كان في المناهج الفرنسية. علما أن تلاميذ تلك المستويات مجبرون على التعامل منطقيا مع مجموعة من الدروس وخصوصا العلمية منها التي تتطلب طرقا وأساليب منطقية صرفة لفهمها والإجابة على تمارينها وفروضها. ليجد التلميذ نفسه مجبرا على الاستدلال بعشوائية وضبابية واستعمال روابط غير منطقية. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الحديث عن مادة الرياضيات. التي تفرض على التلميذ اكتساب تعاريف وخاصيات ومبرهنات ومسلمات. والاستفادة منها من أجل الإجابة على مجموعة من التمارين. حيث يضطر تلميذ بالثانوي الإعدادي أو الجدع المشترك إلى اعتماد طرق غير منطقية بروابط غير علمية من قبيل «بما أن .. فإن، إذن، لكن، وحيث، نستنتج، ومنه..». عوض الروابط المنطقية العلمية «الاستلزام، التكافؤ، الفصل، العطف، ..»، وعوض الطرق الاستدلالية التي تحكمها ضوابط وشروط علمية. بل إن درس المنطق، يمر على أذهان التلاميذ مرور الكرام. كباقي الدروس دون أن يترسخ ضمن الآليات الأساسية للاستدلال والبرهان العلمي لدى التلاميذ. حيث يتخلص هؤلاء من كل ما جاء فيه، ويعودوا للتعامل بعشوائية مع كل الدروس العلمية وتمارينها. فبفضل المنطق يمكن للتلميذ أن يدرك أن الصحيح لن ينتج سوى الصحيح. وأن الخطأ يمكن أن ينتج الخطأ والصحيح.. ويمكنه أن يدرك المعنى الحقيقي للشيء وضده.. وأن ضد «الواقف» ليس هو الجالس.. بل هو «غير الواقف». وأن ضد الأبيض ليس هو الأسود، بل «غير الأسود» وأن يعلم كيف يختار طرق الاستدلال المحددة في درس المنطق، لحل كل التمارين والمساءل. وكيف يتحقق من ردوده ونتائجه.. تعليم بلا منطق علمي ولا فلسفي.. خصوصا بعد أن تم تهميش مادة الفلسفة وتجريدها من حق الأمومة المكتسب لكل العلوم والثقافات. وحصرها ضمن خانة باقي المواد الأدبية، ببرامج ومناهج غير محفزة للتلاميذ والأساتذة. حيث الكل يستدل ويناقش ويحلل ما دونه فلاسفة القرون السالفة. ولم نعد نسمع عن مواقف وآراء ومذاهب فلسفية جديدة. فقد أريد لتلك المادة أن تكون ضيفا ثقيلا على التلاميذ. بالكاد يحرصون على حضور حصتيها الأسبوعية. حيث يغيب المنطق العلمي والترابط بينها وبين المواد العلمية. الفلسفة أو كما لقبت سابقا بـ «أم العلوم». لم تعد تربطها أية صلة قرابة بالمواد العلمية.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top