الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية والإتحاد العام للمقاولات لم ينجح في صياغة اتفاق بين الأطراف لحد الساعة، وينتظر أن تعرض الحكومة في الأيام المقبلة مقترحات جديدة سعيا لبلورة مخرج للمنغلق الذي يوجد فيه الحوار اليوم.
لا شك أن كل طرف من الأطراف الثلاثة المعنية مباشرة بالحوار الاجتماعي لديه مواقفه وتفسيره للمنغلق، ويدافع عن وجهة نظره، ولكن يبقى أن الأساس في النهاية هو حاجة بلادنا وشعبنا إلى الخروج من هذا المنغلق في أقرب وقت، وبالتالي التوقيع على اتفاق يستطيع ضخ نفس جديد في حياتنا الاجتماعية ويساهم في تحسين ظروف عيش الموظفين والعمال والمنتجين الحقيقيين للخيرات والثروات في بلادنا، ومن ثم تثبيت السلم الاجتماعي.
طبيعي أن تصر النقابات على مطالبها، وهذا يحدث في كل أرجاء المعمور، وطبيعي أيضا أن تطالب بأشياء عملية وملموسة لكي تقدمها لمنتسبيها وعموم الشغيلة التي تتطلع إلى ما ستنتزعه قيادات مركزياتها من الحوار مع الحكومة والباطرونا، ولهذا من الضروري أن تقدم الحكومة قرارات عملية ومنجزات ملموسة، وإلا فإنها تساهم في إضعاف النقابات وقتل مصداقيتها وضرورتها لدى الطبقة العاملة والموظفين، وليس منطقيا أن تتم مطالبة النقابات وحدها بالتفهم والانتظار.
وفِي المقابل أيضا، يجب أن ترفع المركزيات النقابية شعارات معقولة ومنطقية، وتتقدم بمطالب واقعية قابلة للتحقق، وألا تكون ملفاتها مجرد مطالب قطاعية مجردة ومعلقة في السماء بلا أي استحضار للأوضاع الوطنية العامة ولما هو مطروح أمام البلاد من إكراهات وتحديات وظرفيات.
أما الباطرونا، فيجب أن تدرك محورية السلم والاستقرار الاجتماعيين، وأهميتهما في تحريك الإنتاج وتأمين الربح للمستثمرين، وفِي تطوير مستويات الاستهلاك، أي أن تدرج كلفتهما ضمن استثماراتها وليس أن تعتبرهما مجرد كلفة إضافية أو صدقة تتبرع بها مجانا.
من جهة أخرى، وفِي حين يجب على الحكومة ألا تتعاطى مع قضايا الحوار الاجتماعي فقط انطلاقا من كونها مشغلا، ولكن أيضا اعتبارا لكونها سلطة تنفيذية ومسؤولة عن تدبير شؤون البلاد وضمان استقرارها وتقدمها، فإن النقابات، وكذلك الباطرونا، ليس مسموحا لهما الخروج عن سياق وضعيتهما، أو التعامل مع الحكومة أو مع مواضيع الحوار الاجتماعي انطلاقا من مواقف وأحكام جاهزة ومسبقة، أو التمترس وراء أفكار واصطفافات إيديولوجية وسياسية ضيقة تحدد موقفها العام من هذه الحكومة أو تلك، وترتب، بالتالي، إيقاع تعاطيها مع مجريات الحوار الثلاثي على ضوء ذلك.
يعني ما سبق، أن نجاح الحوار الاجتماعي رهين بما سيصدر عن الحكومة من عرض جديد وقرارات ملموسة، وأيضا بموقف النقابات وممثلي الباطرونا، ومدى واقعية طرحهم أثناء المفاوضات، والتزامهم بإنجاح المسار التفاوضي، وإبعاد الحسابات السياسوية والتعامل المزاجي والذاتي عن تقييم المواقف والأشخاص.
إن نجاح الحوار الاجتماعي أمر مهم وحيوي لبلادنا ومستقبلها، وتمكين الطبقة العاملة وصغار الموظفين وعموم الطبقة الوسطى من حقوقها، وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية مدخل أساسي لتحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعيين، ولتقوية الانسجام العام في البلاد وتجديد التعبئة الوطنية، وينجم عن ذلك كذلك إحداث دينامية في الاقتصاد الوطني ويخدم المقاولة الوطنية، ويساهم في تطوير الاستثمارات وتعزيز الجاذبية العامة لبلادنا، وحينها ستكون لكل هذه الانفراجات الإيجابية آثار على الحركية الاقتصادية العامة، وتساعد على خلق فرص شغل جديدة، وتخفيف حدة التوترات الاجتماعية المختلفة.
نحن إذن أمام قضية بمضمون وطني وتداعيات على كامل المجتمع، وليست مجرد مطالب قطاعية صرفة، ومن ثم العمل من أجل النجاح فيها هو مسؤولية وطنية مطروحة على الجميع.الحوار الاجتماعي
< محتات الرقاص