شرعت السلطات، منذ أول أمس، في تشديد التدابير الحاجزية وإقرار إغلاق أكبر مدن المملكة وعاصمتها الاقتصادية، وذلك جراء تفاقم تفشي فيروس “كوفيد19-“، والتزايد المهول في عدد الإصابات.
ليس القرار سهلا أو عاديا، خصوصا بالنظر لآثاره الاقتصادية والاجتماعية، ولكن المعطيات الوبائية الميدانية للأيام الأخيرة كانت تؤشر على قرب الإقدام على هذه الخطوة الاحترازية المشددة.
الدار البيضاء مدينة جد مأهولة سكانيا، وهي مدينة حية وكثيرة الحركة، بالإضافة إلى أنها المركز التجاري والصناعي الأكبر في البلاد، وهي أيضا تستقطب موظفين ومستخدمين يتنقلون إليها ومنها بشكل يومي، ومن ثم كان يجب أن تحضى باهتمام خاص من لدن السلطات الصحية، وأن تتوفر لها المعدات والتجهيزات اللوجيستيكية والعلاجية بالشكل الكافي، وضمن رؤية توقعية واستباقية، تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات السوسيولوجية والاقتصادية المميزة للمدينة.
صحيح أن عدد الأسرة والطاقة الاستيعابية للبنيات الصحية البيضاوية أكبر من غيرها من مدن المملكة، لكن مع ذلك هي تقترب اليوم من النفاذ، وتتعرض للضغط والإنهاك بحكم التزايد السريع لعدد المصابين، وخصوصا الذين يوجدون في حالة حرجة وتتطلب وضعيتهم استشفاء أو عناية مركزة.
وبحسب معطيات المصالح الصحية، فإن نسبة مهمة من المصابين بالدار البيضاء باتوا يصلون الى المستشفى في حالة متقدمة، والأعراض لديهم واضحة ومؤكدة، كما أن حوالي نصف عدد المتواجدين تحت العناية المركزة على الصعيد الوطني هم في الدار البيضاء وحدها، وتبعا لذلك تتزايد أيضا أعداد الوفيات، وهذا يجعل الوضع الوبائي بالدار البيضاء باعثا على القلق والانشغال.
من المؤكد أن تراخي المواطنين وضعف تقيدهم بالتدابير الوقائية”ارتداء الكمامة في الشارع، احترام مسافة الأمان وتفادي الازدحام والاختلاط الكبيرين…”، كان من بين أسباب تردي الوضع الوبائي بالمدينة، ولكن ذلك كان أيضا بسبب تراخي السلطات العمومية وضعف تدخلاتها الميدانية، كما أن الأمر، وعلى غرار ما حدث بمناطق أخرى، هو نتيجة ضعف الحضور التواصلي والسياسي للحكومة، وحالة التراخي العام على مستوى التوعية والتحسيس، وأيضا إبداع الحلول العملية للتداعيات والسهر على تطبيقها.
إن السلوكات الوقائية ترتبط، في الواقع، بتغيير عادات وتقاليد وممارسات دأب المغاربة على نهجها منذ قرون، وهي أيضا تتصل بمعطيات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للناس، ولذلك، فإن إنجاح الالتزام العام بها يفرض حرصا ومواكبة عبر كل آليات التواصل الممكنة، وصياغة منظومات عمل ومخططات التقائية متكاملة، والتعبئة الجماعية لحسن تنفيذها على أرض الواقع.
هناك مسؤولية فردية للناس، لا شك في ذلك، ولكن أيضا هناك دور أساسي للسلطات، وجهد إضافي لا بد أن يبذل، إلى جانب مختلف المبادرات والبرامج والقرارات الهامة التي أنجزت لحد الآن.
الدار البيضاء تحت الحجر الصحي مرة أخرى، وهذا يفرض علينا كلنا السعي لإنهائه في أقرب وقت، ولن يتحقق ذلك، إلا بالتزامنا الجماعي بالتدابير الاحترازية، والعمل لكي تتحسن المؤشرات الوبائية على أرض الواقع، وذلك لكي تعود الحياة إلى طبيعتها العادية.
الوضع الوبائي في الدار البيضاء وتداعياته المختلفة لا يسمحان بأي ارتجالية اليوم، ويفرضان على الجميع تمتين التعبئة الجماعية لإنقاذ القلب الاقتصادي للمغرب.
<محتات الرقاص