الداكي: أجهزة العدالة عملت على تسهيل ولوج الأطفال للحماية القضائية بغض النظر عن الأسباب التي ساقتهم إلى التماس مع القانون

قال الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة،  أول أمس الاثنين، إن “حرص بلادنا على الارتقاء بشأن الطفولة يأتي تنفيذا للعناية السامية التي يوليها الملك محمد السادس، منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، والتي عبر عنها باستمرار”، مستحضرا في هذا الصدد مقتطفا من الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الدورة الخامسة للمؤتمر الإسلامي للوزراء المكلفين بالطفولة، الذي انعقد في 21 فبراير 2018 بالرباط”.

وأضاف رئيس النيابة العامة، في كلمة له بمناسبة التوقيع على “البروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة”، أن “الهيئة عملت على إعطاء دُفعة قوية لحماية الطفولة، والنهوض بأوضاعها تثمينا لهذا الرصيد، حيث نصّ دستور 2011 على أنّ الدولة تسعى إلى توفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”.

وعبر الداكي عن سعادته في المشاركة في فعاليات هذا اللقاء المهم الذي يشكل بحق إحدى المحطات الأساسية في بناء صرح حماية الطفولة ببلدنا، والذي سيعطي الانطلاقة لتفعيل “البروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة”، حسب المسؤول القضائي عينه الذي صرح باعتزازه بما “حققته مساعي الشراكة فيما بيننا وكذا بالعناية والتتبع الحثيث الذين حظيت بهما خطوات إنجاز هذا البروتوكول من قبل الأميرة للا مريم، التي سخرت لذلك المؤسستين اللتين ترأسهما وهما المرصد الوطني لحقوق الطفل والاتحاد الوطني لنساء المغرب؛ الشيء الذي يقتضي منا جميعا وقفة اجلال واكبار لحرصها الدائم على تعزيز حماية حقوق طفلات وأطفال المغرب”.

واستغل المسؤول القضائي الفرصة لشكر شركائه الاستراتيجيين في مسار حماية الطفولة؛ من بينهم وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ووزير الشباب والثقافة والتواصل، على التفاعل والاستجابة والاستعداد للشراكة البناءة والحوار المثمر من أجل تذليل كل الصعوبات التي تحول دون تحقيق الحماية الفعلية للأطفال في وضعية هشاشة وكذا مساعديهم، إلى جانب سبيسيوز هاكيزيمانا، ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب، على الدعم المتواصل لأجل تعزيز التقائية الأدوار الرامية الى حماية الطفولة.

وذكر المتحدث ذاته بالقوانين الوطنية التي عززت حماية حقوق الطفل ومراكزهم القانونية؛ وهو ما انعكس من خلال تبني سياسة عمومية مندمجة لحماية الطفولة استهدفت النهوض بالمعايير الاجتماعية الحمائية وتعزيز الأجهزة الترابية لحمايته، لافتا إلى أن “أجهزة العدالة لم تتخلف عن هذا الركب من أجل تسهيل ولوج الأطفال للحماية القضائية بغض النظر عن الأسباب التي ساقتهم إلى التماس مع القانون؛ من خلال تقوية أدوار خلايا التكفل بالنساء والأطفال بجميع محاكم المملكة، إضافة إلى أدوار اللجان الجهوية والمحلية التي تسهر على التنسيق مع مختلف القطاعات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحماية الأطفال”.

وتابع الداكي قائلا إن “رئاسة النيابة العامة انخرطت، منذ تأسيسها في أكتوبر 2017، في تفعيل هذه الأهداف الوطنية جاعلة في مقدمة أولوياتها تكريس مفهوم العدالة الصديقة للأطفال؛ مسخرة لذلك أدوار قضاة النيابة العامة كحراس للمصلحة الفضلى للطفل من خلال توفير ما تتطلبه أوضاعهم من دعم ومساعدة ومرافقة واستحضار للبعد الاجتماعي والإنساني.

“ومن أجل ذلك، تحرص رئاسة النيابة العامة على تفعيل المبادئ الدستورية التي تؤكد على ضرورة التعاون بين السلط استنادا لما يقتضيه الفصل الأول من دستور 2011 مع استحضارها التام لأهمية الالتقائية بين تدخلات الفاعلين في مجال حماية الطفولة، وضرورة تضافر جهود الجميع لتحقيق الحماية الناجعة والفعالة لمن هم في وضعية هشاشة على الخصوص”، أضاف المتحدث.

وفي السياق ذاته، نبه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض إلى أن “وضع هذا البروتوكول يأتي في سياق تعزيز المكتسبات التي راكمتها المملكة المغربية في مجال حماية الأطفال في وضعية هشاشة، وتنزيل الأهداف الاستراتيجية المسطرة ضمن السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة بالمغرب 2015 -2025، وكذا تفعيلا لمخرجات المناظرة الوطنية المنعقدة في الفترة بين 19 و21 يونيو 2023 بالصخيرات حول موضوع “حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والآفاق” التي توجت بتوقيع اتفاقية شراكة بين رئاسة النيابة العامة، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، التي رتبت العديد من الالتزامات؛ في مقدمتها الالتزام المشترك بشأن إعداد بروتوكول يوضح خدمات التكفل بالأطفال في تماس مع القانون في مدار الحماية الاجتماعية والقضائية، ويحدد اختصاص آليات التكفل القضائي والاجتماعي لتجاوز التحديات المرتبطة بهذا المجال”.

“وها نحن، حاليا، بصدد تجسيد هذا الالتزام من خلال إطلاق البروتوكول الذي سيتم التوقيع عليه في هذا اليوم المبارك، الذي يضع من بين أهدافه الأساسية توحيد عمل كافة المتدخلين في مجال الطفولة وتعزيز التنسيق بينهم من أجل الارتقاء بالوقاية وبحماية الأطفال في وضعية هشاشة عبر إعداد وثيقة مرجعية ترسم معالم مسار التكفل بالأطفال، وتحدد مهام ومسؤولية كل متدخل على حدة، وتحدد الخدمات النموذجية الواجب توفيرها لكل طفل حسب وضعيته، مع ضمان التقائية التدخلات وتكاملها”، سجل المتحدث، الذي أضاف: “وسعيا إلى تكريس حماية عامة وشاملة فإن هذا البروتوكول تسري مقتضياته على مجموع التراب الوطني، ويشمل كافة المتدخلين في مجال حماية الطفولة. كما يتميز بتغطيته لكافة فئات الأطفال في وضعية هشاشة؛ بمن فيهم الأطفال في وضعية صعبة، والأطفال المهملون أو المعرضون للإهمال، أو العنف أو الاستغلال، أو للزواج المبكر، وكذا الأطفال في خلاف مع القانون، أو الأطفال ضحايا الجريمة بصرف النظر عن جنسيتهم، لا سيما الأطفال المهاجرين غير المرفقين، وكذا الأطفال اللاجئون وعديمو الجنسية، وذلك بهدف شملهم بالحماية المنشودة سواء في مدار الحماية الاجتماعية أو القضائية”.

وأشار رئيس النيابة العامة إلى أن “هذا البروتوكول استحضر مختلف المراحل التي قد يمر منها الطفل وهو في حاجة إلى الحماية؛ بدءا من الوقاية باعتبارها آلية أساسية لتجنب الوصول لوضعية التماس مع القانون وذلك على مستوى الوقاية الأولية من خلال البرامج الاجتماعية والاقتصادية الموجهة لكل من الطفل والأسرة التي توفر مختلف الخدمات التي تحقق نمو الطفل ورفاهه تفاديا لوقوعه في هشاشة متقدمة قد تكون سببا في تعرضه للخطر أو التأثير سلبا على تنشئته وسلوكه، إلى جانب مستوى الوقاية المتقدمة التي تقوم على التدخل الاستباقي لفائدة الأطفال في وضعية هشاشة أو في وضعية خطر قد تؤدي به إلى التماس مع القانون”.

ولفت الداكي الانتباه إلى أن “البروتوكول استعرض وبتفصيل مسار التكفل القضائي بالأطفال داخل مدار الحماية والمبادئ التي تحكمه، ومختلف المراحل التي يمر منها انطلاقا من عملية الرصد والتبليغ وإلى غاية اتخاذ التدبير وآليات مراجعته، مستحضرا في الوقت نفسه أهمية عملية التأهيل والإدماج، بمختلف أبعادها النفسية والصحية والاجتماعية والتربوية والمهنية وغيرها”.

ونظرا لأهمية التنسيق بين المتدخلين في مجال حماية الطفولة، أكد الداكي أن “البروتوكول الترابي جاء بتصور واضح يحدد آليات التنسيق المعنية ونطاق تدخلها من خلال مستويين رئيسيين؛ الأول يعنى بالتنزيل الترابي للسياسات العمومية والتكفل الاجتماعي بالأطفال في وضعية هشاشة، والذي تشرف عليه اللجان الإقليمية لحماية الطفولة، والثاني يهم التكفل القضائي بالفئات المستهدفة والذي تشرف على تنسيقه اللجان المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال التي ترأسها النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة”.

Top