الدراما التلفزيونية المغربية إلى أين؟

تم منذ سنوات قليلة تقنين برمجة الإنتاج الدرامي المغربي في قنواتنا التلفزية، بحيث يصير لهذا الإنتاج نسبة محددة كل سنة، بكيفية قارة. وقد كان هذا من بين المطالب الأساسية للنقابات الفنية، لكن هل تم بالفعل احترام التعهد بذلك من طرف إدارة التلفزة المغربية؟
من خلال مراجعة ما تبثه قنواتنا التلفزية، يتضح أن حضور الإنتاج الدرامي المغربي لا يزال بعيدا عن تحقيق تطلعات المشتغلين في هذا الميدان والمشاهدين على حد سواء.
إن نسبة ما تنتجه القنوات الأولى والثانية وميدي 1 تي في، على سبيل المثال، محدود جدا، ولا يعكس الحضور الكبير والمتنوع لفنانينا على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم.
لقد كان من واجب هذه القنوات وغيرها من قنواتنا التلفزية، أن تساهم في خلق حركية على مستوى الإبداع والإنتاج الدرامي التلفزيوني الوطني، من خلال دعوة كتاب السيناريو إلى إرسال أعمالهم من أجل دراستها من طرف لجن تحكيم خاصة، والبت إما في صلاحيتها للإنتاج أو عدم صلاحيتها لذلك، بكيفية تنسجم مع الطموح إلى تجويد منتوجنا الدرامي.
غير أن ما نلاحظه على الأقسام المسؤولة على الإنتاج الدرامي، هو أنه عادة ما تركز اهتمامها على فترة معينة من السنة، ونقصد بذلك على الخصوص، فترة رمضان، حيث تكثف من برمجة الإنتاج الدرامي المغربي، بصرف النظر عن قيمته الإبداعية.
هذه الكثافة من الإنتاجات التي يتم مراكمتها في مساحة زمنية محدودة، لا تكاد تفرز لنا في الغالب، عملا واحدا ذا جودة من حيث الموضوع والبعد الفني، وهو ما يؤكد على أن إدارة التلفزة المغربية غير صارمة في ما يخص تعاملها مع ما يتم إبداعه دراميا.
هذه البرمجة التي من المفروض أن تكون موزعة على مدار السنة، بوتيرة إنتاج منتظمة، مع الانفتاح على مختلف الطاقات الإبداعية في كتابة السيناريو والإخراج والتمثيل وغير ذلك من عناصر الإبداع الدرامي، يتم الاكتفاء ببرمجتها مجموعة في حيز زمني محدود، ثم العمل بعد ذلك على إعادة بثها مرارا وتكرارا، من ثم يبدو عدم المبالاة بالحيز الزمني اليومي الذي يشغله بثنا التلفزيوني.
على سبيل المثال سلسلة « السيدة الحرة»، و»دار الغزلان»، و»نعم ألالة»، هذه الأعمال على سبيل المثال قد تم إنتاجها وبثها وانتهت حلقاتها، خلال رمضان الماضي، وهي حاليا مبرمجة للبث خلال فترة ذروة المشاهدة، في الوقت الذي كان من المفروض أن يتم إعداد أعمال جديدة للبث على امتداد السنة.
ومن الملاحظ على القناة الثانية أنها تركز على بث الإنتاجات الدرامية الأجنبية، خاصة تلك الواردة من تركيا، وهي أعمال عادة ما تكون ذات نفس مفرط في الطول، عشرات من الحلقات لمسلسل عينه، يتم بثها في أفضل حيز زمني في خريطة برامج التلفزة، في حين لا يتم الالتفات إلى الإنتاج الدرامي الوطني إلا في مناسبات نادرة، وهو ما جعل أحد الظرفاء إلى تسمية القناة الثانية بقناة المسلسلات التركية.
هناك إذن حضور محتشم للإنتاج الدرامي المغربي في قنواتنا التلفزية، مع أن هذه القنوات موقعة على اتفاقيات مع الحكومة تتعهد فيها بـ «إعطاء الأفضلية للإنتاج السمعي البصري الوطني، وكذا إعطاء الأولوية للموارد المغربية لإنجاز الأعمال السمعية البصرية، والمساهمة في إنتاج أعمال سمعية بصرية خدمة للإنتاج السمعي البصري..».
لا يمكن إذن النهوض بالإنتاج الدرامي التلفزيوني المغربي، في غياب عدة عوامل: منها على الخصوص خلق تنافسية بين المبدعين وشركات الإنتاج، واعتماد الشفافية في ما يخص البرمجة والحسم في المشاريع المؤهلة للعرض، وتنظيم لقاءات وأيام دراسية لمناقشة الوضع الراهن للإنتاج الدرامي التلفزيوني وآفاقه، إلى غير ذلك من المبادرات التي لا مناص منها لتطوير تجربتنا الدرامية، علما بأن هذه التجربة لا تزال تعد قصيرة، ارتباطا بتاريخ بداية البث التلفزيوني ببلادنا.
هناك حاجة إلى عقلنة الإنتاج الدرامي بقنواتنا التلفزية، طبعا نحن لسنا ضد الانفتاح على الإنتاجات الأجنبية، سواء كانت تركية أو مكسيكية أو غير ذلك، لكن لا بد من إعادة الاعتبار لإنتاجنا الدرامي وإحلاله المكانة اللائقة به ضمن خريطة برامج التلفزة المغربية.

< بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top