الرباط تخرج روس من الصحراء

قرار المغرب سحب ثقته من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء كريستوفر روس، جاء بعد معاينة كثير من تجليات الانزلاق والخروج عن الحياد والنزاهة من طرفه، ومن ثم، فإن الأمر يتعلق أولا بأسلوب الأمم المتحدة نفسها في التوسط لحل القضايا الدولية، حيث أن الوسيط يجب، منطقيا، أن يرضى عنه ويقبل به الجميع، وفي حالة العكس يتعين البحث عن وسيط أممي جديد تتفق عليه الأطراف، وذلك ما حصل مثلا صيف 2008 عندما أبعدت الأمم المتحدة  بيتر فان فالسوم عقب تصريحه الشهير بأن «استقلال الصحراء الغربية ليس خيارا واقعيا»، وهو التصريح الذي صرخت الجزائر والجبهة الانفصالية بالويل والثبور ضده، ما أدى في النهاية إلى إقالة صاحبه.
مشكلة روس، الذي عمل سفيرا لبلاده في الجزائر لسنوات، أنه أغمض عينيه عن كل تطورات ومسارات النزاع والمفاوضات بشأنه، وأراد إعادة الأمر كله إلى نقطة الصفر، وهو بذلك كان يغفل كل الجهد المغربي الذي أقر المجتمع الدولي بجديته، ولا يعير أي اهتمام لمقترح الحكم الذاتي الذي سبق أن وصفته الكثير من العواصم والأوساط الدولية بالجدي والواقعي والبناء وذي المصداقية، كما كان لا يبالي بكون مجلس الأمن دعا أكثر من مرة للبحث عن حل سياسي متوافق عليه بين الأطراف.
ومشكلة روس الثانية أن ميولاته الشخصية كانت تبرز دائما في الأخطاء التي يرتكبها، ومن ذلك ما كانت الصحافة الإسبانية قد أوردته في 2010 مثلا بشأن رسالة سرية بعث بها إلى دول مجموعة أصدقاء الصحراء، وضمنها اتهامات للمغرب بعرقلة المفاوضات غير الرسمية، ثم هناك ما حصل في 2011، حيث أن العديد من الدلائل كانت تفيد  أن روس هو المعني الأول بتسريب نسخة من تقرير بان كي مون بشأن الصحراء، وبالذات الفقرة التي تنص على توسيع صلاحيات بعثة المينورسو، وأخيرا، هناك التقرير الأخير لأبريل 2012، والذي كان يتضمن إساءات للموقف المغربي، وتمكنت الديبلوماسية المغربية من حذفها، وبالتالي إفشال المناورة الجديدة للديبلوماسي الأمريكي.
المشكلتان أوصلتا مسلسل المفاوضات برمته إلى الباب المسدود، وعرضته للتآكل، وصار بلا أفق ولا تقدم، خصوصا أن منهجية روس صارت بعيدة عن المحددات التفاوضية التي سطرتها قرارات مجلس الأمن، ومن ثم، لم يعد ممكنا أن يستمر المغرب من دون وقفة جدية لوضع النقط على الحروف مع الأمم المتحدة.
ليس مقبولا اليوم التشطيب على كل الجهد الذي قدمه المغرب، أو العمل على فرض حل (وكان قد فشل جيمس بيكر في هذا من قبل)، كما أنه ليس من المقبول اليوم وضع المغرب، بكل ما قدمه من جهد، في كفة واحدة مع الأطراف الأخرى التي لم تفعل سوى أنها تصلبت وماطلت وعاندت من أجل ربح الوقت، وليس مقبولا ثالثا الإصرار على إغماض البصر والبصيرة عن كل ما يجري في المنطقة وما يتهددها من مخاطر، ومواصلة التحرك في تفاصيل وتعقيدات هذا النزاع المفتعل كما لو أن الأمر بلا أهمية.
بالنسبة للمغرب، فهو لم يتراجع عن تشبثه بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأساسا التفاوض للوصول إلى حل سياسي دائم ومتوافق عليه، لكن في نفس الوقت يشترط أن يتحلى الوسيط الأممي بكامل الحياد والموضوعية المطلوبين في مثل هذه المهمة.
[email protected]

Top