الروائي عبد الجليل الوزاني التهامي

 تنخرط بلادنا على غرار البلدان المتحضرة، في الاحتفال بالدخول الثقافي؛ بهذه المناسبة كان لبيان اليوم اتصال بمجموعة من المبدعين والنقاد، من أجل الحديث عن الأعمال الجديدة التي يهيئونها للطبع، وقضايا أخرى ذات صلة بالثقافة بوجه عام، ومن أبرز المحاور التي تناولناها معهم:
 قراءة للحركة الثقافية خلال السنة الجارية. تقييم الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات الثقافية: اتحاد كتاب المغرب، بيت الشعر بالمغرب. قيمة القضايا التي يناقشها المغاربة راهنا ومدى مستوى هذا النقاش. محاولة لتفسير غياب العديد من الأسماء الأدبية والفكرية عن ساحة النشر. المحاكمة القضائية للإنتاج الأدبي والفكري..

لهذا السبب أجلت طبع ونشر روايتي الجديدة

الحديث عن الطبع يحيلني على روايتي “امرأة في الظل” الفائزة بجائزة “كتارا” للرواية العربية، لأُخْبِر القراء الأعزاء أن الرواية جاهزة للنشر باللغة العربية بالإضافة إلى الترجمة باللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، حيث تمت دعوتي لتوقيع النسخ الثلاث خلال المهرجان الثاني لهذه الجائزة التي أقيمت مؤخرا بمدينة الدوحة القطرية.
 كما أنني أجلت طبع ونشر رواية جديدة كتبتها خلال هذا الموسم، وسبب التأجيل هو منح الفرصة للرواية السابقة حتى تأخذ حقها في التوزيع والتسويق.
 كما أنني بصدد كتابة عمل روائي جديد، وهي عبارة عن جزء ثالث لرواية ” احتراق في زمن الصقيع” الصادرة مؤخرا في طبعتها الثانية و”امرأة في الظل”.

ازدهار على مستوى عدد المنشورات

 المتتبع للشأن الثقافي يلاحظ أن المغرب يعرف خلال السنوات الأخيرة ازدهارا على مستوى عدد المنشورات وظهور أسماء جديدة تبحث عن نفسها بالمحافل الثقافية سواء تعلق الأمر بالسرد بكل أجناسه أو الشعر أو الدراسات النقدية، علاوة على الترجمة، ولعل المشاركة المكثفة للكتاب المغاربة الذين رشحوا أعمالهم لنيل جائزة المغرب تدل على ذلك، بالإضافة للحضور المميز لهؤلاء خلال المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء.
ويبقى للحضور المغربي على مستوى الجوائز بالمشرق العربي سمة مميزة، فالأسماء المغربية تحظى بحضور قوي تضاهي الأسماء المشرقية، واللافت للنظر أن الأقلام المغربية المتوجة أقلام شابة وواعدة إلى جوار الأسماء المغربية المعروفة عربيا سواء في الإبداع أو النقد.

أبرز حدث ثقافي

من الصعب أن أحدد أبرز حدث ثقافي عرفه المغرب هذه السنة، لكن تبقى الإشارة الى المعرض الدولي المتجدد، وكذا توزيع جوائز المغرب للكتاب، دون أن ننسى تأسيس دار الشعر بتطوان بالشراكة مع إمارة الشارقة والتي بدأت تعطي أكلها بتنظيم أمسيات شعرية تشارك فيها أسماء بارزة بالمغرب.

 فك العزلة الثقافية عن المدن الصغيرة

 من موقعي يصعب علي تقييم الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات الثقافية بالمغرب، لكن محليا أقول: تبقى مساهمة فرع اتحاد كتاب المغرب بتطوان بالشراكة مع المديرية الجهوية لوزارة الثقافة، من خلال تنظيم عيد الكتاب السنوي بمدينة تطوان من أبرز الأنشطة المحلية وتعتبر فرصة جيدة للأسماء المحلية والوطنية لتقديم إنتاجها السنوي، كما لا نبخس ما تقوم به جمعيات مختلفة في إقامة أنشطة ثقافية على المستوى المحلي، والحديث عن اتحاد كتاب المغرب يحيلنا على أنشطة مختلفة تُنظم من طرف الفروع المحلية بباقي المدن.
 ولعل الظاهرة اللافتة للنظر هي ما تقوم به جمعيات محلية في مدن صغيرة كمشرع بلقصيري وخنيفرة وآسفي والناظور وأبركان وزاكورة وغيرها، حيث تقام مهرجانات للقصة القصيرة أو للقصة القصيرة جدا أو الشعر هي سنة محمودة تفك العزلة الثقافية عن هذه المدن وتمنح الفرصة للتواصل والتعارف بين فئات مختلفة من المبدعين والمهتمين.
 ويمكنني في هذا المقام أن أنوه بالجمعيات ذات الطابع الجهوي التي تهدف لخلق لُحمة ثقافية على نطاق الجهوية الموسعة، وأخص بالذكر جمعية “رابطة أدباء الشمال” التي أسست مؤخرا كنموذج للعمل الثقافي الجهوي.
 كما لا ننسى مساهمة اتحاد كتاب المغرب في دعم الأقلام الشابة من خلال تنظيم مسابقة المبدعين الشباب في مختلف الأجناس الأدبية، ومنحهم الفرصة للظهور والانتشار، فكثير من الأسماء المتألقة حاليا مرت عبر هذا المشتل الأدبي.

جدل فكري لا يفضي إلى نتيجة ملموسة

 طغت على الساحة الثقافية مؤخرا مناقشة بعض القضايا القديمة والتي ستبقى قابلة للنقاش وقتا طويلا من مثل تجديد الفكر الديني في الإسلام وتجديد الخطاب الديني.. والتي طرحت خلال الدورة الأخيرة لاتحاد أدباء وكتاب العرب بطنجة، بالإضافة إلى معضلة إدماج الثقافة الأمازيغية ومَأسسة اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية والحياة الثقافية، ومناقشة العلاقة بين النص الدستوري الذي جعل من الأمازيغية لغة رسمية والواقع المعاش.
 إن بعض الأحداث الطارئة فرصة لإثارة النقاش حول قضايا تبدو سطحية وهامشية، ولكنها تطرح أسئلة عميقة تمس الثقافة المغربية في الصميم، مثل حادث سيجارة الروائي المصري يوسف زيدان وما فتحته من نقاش حول العلاقة بين المشرق والمغرب.
وتبقى كل هذه النقاشات في الغالب مجرد جدل فكري لا يفضي إلى نتيجة ملموسة من خلال إصدار التوصيات القابلة للتطبيق على مستوى الواقع.

لكل بداية نهاية

 سنة الحياة تقتضي أن لكل بداية نهاية، ولكل ظاهرة مرحلة النمو والازدهار، فالانحدار ثم الأفول، فلا يمكن لأي كان أن يبقى متربعا على القمة، ومهما كانت طبيعة هذه القمة. فالإنتاج البشري محكوم بالضعف ثم بالتوقف، وطبيعي أن تغيب أسماء عن الساحة كان لها باع طويل من قبل، فمن لم تغيبه المنية تغيبه الشيخوخة وضمور الفكر، وليس من الضروري أن يكتب المرء لمجرد أن يثبت للناس أنه موجود، فتكون كتابته باهتة تسيئ له، فكثير من عمالقة الأدب العالمي خفت بريقهم في أعمالهم الأخيرة، لذلك أرى أن بعض الأسماء التي أفلت مؤخرا بدافع التقاعد الاختياري فعلت خيرا بأفولها، لتبقى في نظرنا الصورة الكاملة لهم ككتاب مبدعين أو مفكرين كبار أناروا طريقنا بآرائهم ونظرياتهم العظيمة.
مع أن هناك أسماء توقفت وغادرت الساحة مجبرة بسبب التهميش والمضايقات التي أصابتها لمواقفها الفكرية أو السياسية وربما لمجرد النسيان والجحود، ففضلوا الصمت مجبرين.
وهناك أسماء أبدعت في أجناس معينة، وعندما شعرت بوهنها الفكري، تحولت إلى كتابة الخواطر والمذكرات وسرد تجاربها الذاتية محققة بذلك هدفين اثنين: الحضور والاستمرار في الساحة ومقاسمتها مختلف القراء تجاربها التي لا تخلو من فائدة بالنظر لما راكمتها من معرفة وخبرة.

الإبداع لا علاقة له بمس الأعراض

 المحاكمات القضائية للإنتاج الأدبي والفكري ظاهرة تاريخية، فلم تخل مرحلة من المراحل من مثل هذه المحاكمات، بل والتنكيل بالأدباء بدون محاكمة، وأحيانا يحاكم المبدع فقط لشبهة في ما يكتب، وهناك دائما من يقرأ بين السطور ويقوم بالتأويل لتلفيق التهم لخصم من خصومه، لكن أن يستمر هذا الوضع إلى وقتنا هذا، زمن الحريات والحقوق وما إلى ذلك من الخطابات الرنانة، فهذا غير مقبول بتاتا، وقضية الروائي عزيز بنحدوش وما تعرض له من اعتداء بدني ومحاكمة، لخير دليل على أن واقعنا يخالف ما تنص عليه القوانين. فالإبداع يبقى إبداعا متخيلا، لا علاقة له بمس الأعراض، وخصوصيات الآخرين، نحن أمام نصوص متخيلة مائة بالمائة، فكيف تحاكم؟ وكيف ينكل بأصحابها؟
ومع ذلك أهمس لكل حامل قلم أن بيده سلاحا شديد المفعول، فعليه أن يحسن استعماله، فليس من حق الكاتب أن يتمترس وراء الإبداع و(المتخيل) ليصفي حسابه مع خصوم مفترضين أو يقصف أسماء معينة. فللكلمة قداستها، والعفة من شيم المبدع الأصيل الحر المؤمن بحقوقه وحقوق الآخرين.

الموسم الثقافي

 جرت العادة أن يخصص شهر شتنبر لدخول المواسم الجديدة سواء كانت مدرسية أو سياسية أو فلاحية وأيضا ثقافية. مع أن الموسم الثقافي يأتي في الاهتمام الأخير بعد كل المواسم التي ذكرتها سلفا، خصوصا إذا وضعنا في اعتبارنا أن هذه السنة ينشغل الرأي العام الوطني بالانتخابات البرلمانية التي تحرك عجلة المطابع التي تجد في طبع المنشورات وأوراق الدعاية الفرصة الأنسب للتسويق، كما تنشغل المنابر الإعلامية بكل أنواعها بالحملات الدعائية، بمعنى نخرج من هذه الحملات منهوكين مرهقين وربما مصدومين للمفاجآت التي تفرزها بعض الصناديق، ولا يبقى للثقافة إلا النزر القليل من الاهتمام.
ولعل أهم ما ستعرفه السنة هو المؤتمر العادي لاتحاد كتاب المغرب بمراكش خلال شهر نوفمبر المقبل، وتبقى الأجندة السنوية بالنسبة لشتى الأنشطة الثقافية على الصعيد الوطني هي هي، مع تعديل بسيط في التواريخ كالتقديم والتأخير الذي تفرضه ظروف طارئة.

 إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top