السودان يواجه عزلة اقتصادية

بعد حظر دام 25 عاما، بدأ السودان بالكاد يتعافى اقتصاديا عقب إطاحة عمر البشير من السلطة في 2019. لكن انقلاب أكتوبر تسبب في عزلة اقتصادية جديدة لواحد من أفقر بلدان العالم، بحسب خبراء.
ولم يعد بابكر محمد المدرس الذي يعيل أسرة من ستة أفراد، يعرف كيف يوفر قوت أسرته بدخله الشهري الذي لايزيد عن خمسين دولارا ولم يعد يكفي لسد الاحتياجات الأساسية.
ويقول محمد لفرانس برس “قبل الانقلاب بسبب وجود الخبز المدعوم كنت أشتري عشرين رغيف خبز بمئة جنيه والآن اختفى الخبز المدعوم وصار سعر الرغيف 50 جنيها أي أنه تضاعف سبع مرات وحدث الشئ ذاته لخدمات الكهرباء والمياه”.
ويضيف “اليوم أنفق 27 ألف جنيه أي 90 بالمئة من راتبي، لشراء الخبز، ولست واثقا من أنني سأتمكن من سداد نفقات المدرسة لأطفالي”.
وانضم محمد إلى مئات المعلمين والعاملين في السكك الحديدية والموظفين إلى التظاهرات التي انطلقت احتجاجا على هيمنة العسكريين على السلطة ولكنها اليوم باتت كذلك تعبر عن الاحتجاج على “غلاء المعيشة”.
وخفضت الحكومة السودانية تدريجيا الدعم على سعر الوقود الذي بلغ السبت 672 جنيها للتر بينما كان سعره 320 جنيها قبل الانقلاب.
فقدت الدولة مؤخرا أربعين بالمئة من إيراداتها. فبعد الانقلاب الذي قام به قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر جمدت مؤسسات التمويل الغربية الأموال التي كانت ستدفعها للحكومة الانتقالية دعما لتحول البلاد إلى حكم مدني ديموقراطي بعد ثلاثة عقود من الدكتاتورية في عهد البشير.
وجمد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ملياري دولار من المساعدات كانا بصدد تقديمها للسودان. كما جمدت الولايات المتحدة 700 مليون دولار إضافة إلى شحنة قمح تبلغ 400 ألف طن كانت ستقدمهما خلال 2022.
وقال جبريل إبراهيم وزير المالية والاقتصاد الشهر الماضي إن “الموازنة تعتمد على الموارد الداخلية بعد أن تم تجميد المنحة والقروض”.
وكشف تقرير لبنك السودان المركزي أن صادرات السودان تراجعت في يناير إلى 43,5 مليون دولار مقارنة بـ 293 مليون دولار في دجنبر.

وأكدت المحللة الاقتصادية سميه سيد لفرانس برس أنه بعد 25 أكتوبر “عاد الحظر” الذي فرضته واشنطن على الخرطوم في 1993 بتهمة “دعم الإرهاب”.
ووصف محمد الناير أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية تجميد المنح والقروض الدولية بأنه “صدمة شبيهة بتلك التي حدثت عقب انفصال جنوب السودان”.
وحينذاك، خسرت الخرطوم 85 بالمئة من صادراتها البالغة 7,5 مليارات دولار، وانخفضت العملة وارتفع التضخم إلى 45 بالمئة، وهي نسبة أصبحت حلما بعد عشر سنوات. ففي فبراير بلغت نسبة التضخم 258 بالمئة.
وفي محاولة لتحسين الوضع، أعلن البنك المركزي الاثنين تحرير سعر صرف الجنية السوداني التي بات سعرها 600 ليرة للدولار الواحد.
ورأت سمية سيد أنه “القرار الصحيح ولكن في التوقيت الخطأ”، موضحة أنه “بعد تشكيل حكومة الثورة وحصول السودان على معونات وحدوث استقرار اقتصادي نوعا ما، كان يمكن اتخاذ مثل هذا القرار”.
وتابعت أن تحرير سعر صرف العملة المحلية سيكون له “أثر تضخمي ينبغي أن يعالج بتحفيز الإنتاج وهو ما لاتفعله الحكومة بل اتخذت قرارات بزيادة الضرائب والرسوم على المنتجات خاصة الزراعية إضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء وأثرها على القطاعات المنتجة”.
وأشار صاحب مصنع للمواد الغذائية في الخرطوم بحري (في شمال العاصمة) طالبا عدم ذكر اسمه إلى أنه “أوقف العمل بمصنعه وسرح العاملين وعددهم 300 أغلبهم من النساء اللواتي يعلن أسرهن”، في بلد يعتمد واحد من كل ثلاثة من سكانه على المساعدات الإنسانية.
وأوضح أنه “مع ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج (المواد الأولية) وقيمة الكهرباء لم أعد قادر على الاستمرار”.
من جهته، قال الناير إن “الموازنة الحالية تعتمد على الضرائب بنسبة 58 بالمئة وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وحالة من الركود في الاقتصاد ولن تحقق الموازنة هدفها بخفض معدل التضخم إلى 202 بالمئة بل يتوقع أن يصل إلى 500 بالمئة”.
وليس لدى السودان الغني بمناجم الذهب، احتياطات كافية من العملات الأجنبية أو الذهب.
وأعلنت الحكومة تشكيل لجنة للطوارئ الاقتصادية برئاسة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي نائب رئيس مجلس السيادة.
وقال حميدتي في حديث بثه تلفزيون السودان “لدينا احتياطي من النقد الأجنبي والذهب في بنك السودان” لكنه لم يعط أي أرقام.
أما المصارف التي كان يفترض أن تعود إلى النظام الدولي بعد رفع العقوبات الأميركية في نهاية 2020، فلم يعد لديها منذ الانقلاب “أي صلة بالبنوك الأوروبية أو الأميركية”، كما قال مدير أحدها لفرانس برس. واحد منهم.
وحذر ممثل الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرزيس من أن البنك الدولي أمهل السودانيين حتى يونيو ليصلوا إلى حل للأزمة السياسية كي يستكمل خطة إعفاء السودان من ديونه وإلا سيوقف سياسة الأيدي الممدودة.

أ.ف.ب

Related posts

Top