“الشناقة” يضعون أيديهم على قطاع الذهب والمهنيون يقاطعون إلى حين اتضاح الرؤية

يشهد سوق الذهب ببلادنا حالة من الغليان، في الأسابيع الأخيرة، انعكست على معاملات بيع وشراء المادة الأولية، وخلقت نوعا من القلق لدى الصياغين والمواطنين الراغبين في شراء المعدن الأصفر، على حد سواء. وقد وصل الأمر إلى ارتفاع دعوات للمقاطعة إلى حين اتضاح الرؤية وعودة الأسعار إلى الاستقرار.
وقد يبدو الحديث عن دعوات لمقاطعة سوق الذهب في المغرب، وفي ظرفية الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها المواطن المغربي حاليا، بمثابة نوع من الترف، لكن الأمر يكتسي أهميته من خلال الجدل الذي أثارته هاته الدعوات، لكونها غير مسبوقة من جهة، ومن جهة ثانية لأنها تعطي فكرة عن أن ممارسات المضاربين أو ما يتعارف المغاربة بـ”الشناقة” يمكن أن تطال أسعار جميع المواد والسلع عندنا بدءا من الطماطم وصولا إلى الذهب!
وفي هذا الصدد، أعلنت الفيدرالية الوطنية في قطاع الحلي والمجوهرات بالمغرب، التي تضم جمعيات الصياغين المغاربة، عن مقاطعة مؤقتة لشراء المادة الأولية، لمدة أسبوع من 12 أكتوبر الجاري إلى 17 منه، موجهة، خلال اجتماع عقدته يوم الجمعة الماضي، أصابع الاتهام إلى مجموعة من المضاربين الذين يستغلون تقلب السوق الدولية للذهب من أجل زرع نوع من البلبلة في السوق المغربي.
وترجع أسباب هاته الوضعية إلى الارتفاع غير المسبوق الذي تعرفه حاليا أسعار المادة الأولية والتي راج بين المواطنين مؤخرا أنها وصلت إلى حوالي 1000 درهم للغرام الواحد، مما خلف حالة من الهلع في سوق المجوهرات الذهبية المعروفة بمكانتها الخاصة في التقاليد والثقافة المغربية، سواء كهدايا قيمة تقدم في المناسبات العائلية، أو كأصول آمنة للاستثمار والادخار الماليين.
وتعرف السوق الدولية للذهب، في المعتاد، بعض التقلبات في الأسعار ارتباطا بتقلبات سعر الدولار الأمريكي وأسعار الفائدة العالمية، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المحلية والدولية. كما ازدادت أهمية الذهب في السنوات القلائل الأخيرة بسبب مضاعفات ظاهرة التضخم والأزمة المالية العالمية، بما أن الذهب يعتبر ملاذا آمنا لحفظ القيمة في أوقات انعدام الاستقرار الاقتصادي والمالي.
لكن الصياغين المغاربة، الذين كثفوا من تواصلهم مع المواطنين من خلال تصريحات وفيديوهات لممثليهم على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل وبعد اجتماع يوم الجمعة الماضي، لم يرفعوا عصا التنديد والمقاطعة إلا عندما بدأت الأمور تخرج عن السيطرة على مستوى السوق المحلية المغربية التي أصبحت تتجه نحو تجاوز السوق العالمية في تحديد أسعار المادة الأولية. هاته الأخيرة وإن كانت قد عرفت ارتفاعا بالفعل في الآونة الأخيرة إلا أن الأسعار على المستوى الوطني تجاوزتها بنحو 10 بالمائة، كما سبق أن صرح بذلك الحاج إدريس الهزاز، رئيس الفيدرالية المغربية للصياغين، في رسالة وجهها الأسبوع الماضي إلى المهنيين والمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا أن سعر الذهب في المغرب، رغم الارتفاع العالمي الأخير، يفترض أن لا يتجاوز 627 درهما للغرام الواحد، لكن تأثير المضاربات أوصلته مؤخرا إلى أثمنة غير معقولة تراوحت بين 750 درهما و900 درهما، وليس 1000 درهم كما راج بين المواطنين.
وأرجع ممثل الصياغين المغاربة الأمر إلى ممارسات بعض الأطراف التي تحتكر بيع المادة الخام للمعدن النفيس في السوق الوطنية. ودعا، من ثم، إلى مقاطعة عمليات الشراء حتى تعود السوق إلى وضعيتها الطبيعية، مؤكدا على ضرورة تحمل السلطات المعنية بدورها لمسؤولياتها في اتجاه محاربة التلاعب بسوق الذهب ببلادنا، وذلك حفاظا على مصالح صغار الصناع والتجار وكذا القدرة الشرائية للمواطنين.
دعوة المقاطعة التي تبلورت لاحقا ضمن قرار تبنته جمعيات الصياغين خلال اجتماع يوم الجمعة المنصرم، يبدو أنها بدأت بالفعل تلقى صداها حيث عرف سعر الذهب، وطنيا، انخفاضا طفيفا يوم أمس الاثنين، تزامنا مع استقراره في السوق العالمية. وبلغ سعر الغرام الواحد للذهب من عيار 24 عالي الجودة 840.03 درهما، بينما بلغ الغرام الواحد للذهب من عيار 18، وهي الفئة الأكثر تداولا في السوق المغربي، 630.04 درهما.
يذكر أن اجتماع مهنيي قطاع الذهب المغاربة لم يقتصر على الحسم في قرار المقاطعة، بل دعا كذلك إلى المرافعة لدى المسؤولين من أجل تبسيط مساطر وتوسيع دائرة استيراد المادة الخام، مما من شأنه أن يؤدي إلى توفيرها بأثمان معقولة، والحد من محاولات الاحتكار والتلاعب بالأسعار.

< سميرة الشناوي

Top