استبشر الناس خيرا قبل حوالي شهر من الآن بقدوم العام الجديد.
توالى ظهور المتنبئين والعرّافين والمنجمين وقرّاء الطالع على الشاشات وتفاءل أصحاب الأبراج بأن هذا العام هو عام السعد.
لم يلتفت كثيرون وسط الأحلام والأماني السعيدة التي رسمها المنجمون إلى كلمة قالها واحد منهم، إنه عام التحولات الكبرى.
إنها حقا عواصف القرن التي بدأت ولم يكمل الشهر الأول أيامه حتى قيل إن هذه السنة قدماها خضراوان بمعنى أنها قادمة ومعها تحولات غير مسبوقة.
ففي عشية ليلة وضحاها حبست البشرية أنفاسها من اندلاع صراع كارثي قد يفضي إلى حرب عالمية ساعة اغتالت الولايات المتحدة كلا من قاسم سليماني وأبومهدي المهندس وكانت تهديدات إيران كفيلة بإدارة الرؤوس فما بالك برد عاصف ومدمر من طرف الولايات المتحدة.
ومرت العاصفة الأولى بدك الصواريخ الإيرانية ليس أرضا أميركية بل أرضا عراقية يقيم عليها الأميركان قاعدة لهم وهم مختبئون أصلا تحت أنفاقها وطبقاتها الأرضية.
وبينما كان الصحافيون يحتشدون من حول الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسماع رأيه في احتمال إطاحته قريبا، كان هو يلوّح بتوقيعه الغريب وإلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي ليعلن عما يسمى صفقة القرن، فيما كان صحافيون آخرون فاغري الأفواه هلعا من وباء القرن الذي يعصف بالصين والعديد من دول العالم.
وعلى الجانب الآخر، توّج الشهر الأول بعاصفة القرن التي عصفت بأوروبا بطلاق بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.
الصحافي يتنقل عبر المنصات الإخبارية فلا يشاهد أمامه سوى عواصف ضربت العديد من الساحات وبقيت آثارها وعواصف أخرى بالانتظار.
هنا سوف تتزاحم عناوين الصفحة الأولى والأسبقيات يزاحم بعضها بعضا، تكملها قصص يرسلها صحافيون عن مآلات الصراع على الساحات الليبية واليمنية والسورية والعراقية ففي كل ساحة منها قصص يشيب لها الرأس وفي كل ساحة منها أنهار دم وأطماع وصراعات دول واستراتيجيات شركات ومصالح واستقطابات شتى.
هذه الكثافة في الأحداث تلهي الرأي العام عن كوارث مناخية قادمة لا محالة سوف تغير وجه الأرض وسوف تدفع الملايين من البشر إلى الهرب من الزلازل والبراكين والتسونامي والأعاصير والفيضانات إلى بقاع أخرى يأمنون فيها من عوادي الطبيعة.
قديما قيل في الدراما الإغريقية إن كل شيء في الكون قائم على فكرة الصراع، وها نحن نشهد ما لا يحصى من الصراعات والدراما اليومية بجميع أبعادها فيما الصحافيون يتفقون ويختلفون في الأسبقيات ويحارون فيها أحيانا.
فما الذي يجب على الصحافي التركيز عليه لكي يلفت أنظار القراء إليه؟ هل يشغل الرأي العام ببيع فلسطين والمتاجرة بها أم بالخراب والعواصف التي تضرب بلدانا عربية عدة أم بالاستعداد للأوبئة القاتلة والفتاكة التي يمكن أن تنتشر بعطسة شخص واحد لتبيد الآلاف من البشر بل الملايين.
وكأن هذا العالم المتماسك العظيم صار من الهشاشة إلى درجة اختلطت فيه عواصف السياسة بعواصف الطبيعة بعواصف الحروب والصراعات بعواصف الأوبئة الفتاكة بعواصف الفقر والتصحر وهجرة القرى والتكدس في مدن ملوثة، فأين هو الصحافي من كل هذا وإلى أين عليه أن يلتفت ويلفت الأنظار؟
الصحافي قبل أن يقرر أسبقياته سوف يكون في مواجهة شؤون وقضايا الدار، أي الداخل اليومي والمعاناة التي يعاني منها الناس في العديد من البلدان العربية إذ الكل تقريبا يشكو وإن لم يشك فهو متأثر بما يجري من حوله ومتعاطف مع المتضررين في كل أرض وبذلك تتفاقم الأولويات وانشغالات الصحافة وهي في وسط العواصف.
صحافة اليوم تضربها عواصف شتى وعليها وعلى طواقمها أن تحتمي بغرفة الأخبار وتتماسك جيدا، لاسيما ونحن في أول مضمار ماراثون العام ولا يزال أمامنا الكثير من المجهول الذي تحمله الأيام لهذه الأروقة الصحافية التي ظلت تبحث عن الأحداث الكبرى حتى تهاطلت عليها تباعا.
طاهر علوان
كاتب عراقي